ولكن مع محمود آغا

عقدة التوازن الإعلامي في تغطية الحرب على غزة

: 11/8/23, 7:48 PM
Updated: 11/9/23, 3:17 PM

أي خبر عن تدمير مبنى أو مدرسة أو مستشفى أو حتى تدمير حي كامل، على رؤوس الناس في غزة، يجب أن يحتوي هذا الخبر على جزء آخر له علاقة عما يحدث في إسرائيل. حسب منطق الإعلام هنا
هذا ليس رأي نؤيده أو نرفضه، ولكن هذه معلومة عن أمر واقع.

يعني حتى تستطيع أي وسيلة إعلامية سويدية إعطاء مساحة لنقل ولو جزء مما يحدث من أهوال وفظائع في غزة، تجد هذه الوسيلة نفسها أنها ملزمة أيضاً بمنح مساحة مشابهة أو ربما أكثر لنقل ما يحدث على الجانب الإسرائيلي. شيء ملاحظ ومتعارف عليه دائما، خاصة عندما يتعلق الأمر بتغطية أخبار مواضيع تعتبر إشكالية وموضع خلاف في الرأي العام، مثل موضوع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يعني عقدة التوازن في نقل الخبر موجودة قبل بدء هجوم حماس، في السابع من أكتوبر الماضي، على إسرائيل والرد الإسرائيلي المستمر عليه والمفرط بالعنف.

ولكن ماذا لو لم تكن هناك صور أصلاً على الجانب الآخر ولا بيانات تغطي المساحة المخصصة للجانب المقابل لما يحدث في غزة؟ كيف يتم التصرف عندها؟ كما يبدو تقوم الوسيلة الإعلامية إما بإعادة بث الصور القديمة مع تذكير بما حدث من قتل للمدنيين في إسرائيل يوم السابع من أكتوبر، وهي بالأساس صور نُشرت عدة مرات، أو أن يجتهد المحرر في إيجاد مواضيع عن التداعيات الإنسانية التي لحقت وأثرت على المتضررين من هجوم حماس، مع التأكيد طبعاً على أنها منظمة إرهابية، وبالتالي إبراز وجهات نظر تعلل وتبرر ما يحدث في غزة الآن.
نعم هناك من يقول إن أوروبا وأمريكا أو الغرب إجمالاً ليس كل العالم، هناك كل دول أسيا بما فيها الصين والهند وروسيا، وكل دول الإفريقية واللاتينية لا تصنف حماس على أنها إرهابية، ولكن نحن نعيش في السويد والسويد جزء من الاتحاد الأوروبي، لذلك يجب أن تلتزم وسائل الإعلام والسياسيون بهذا التصنيف، وهذه أيضا معلومة وليس رأي.
حرص وسائل الإعلام السويدية والغربية إجمالاً على التوازن يمكن أن يؤثر على المساحة المطلوبة لتغطية أحداث وتفاصيل مهمة من الناحية المهنية على الأقل، تماما كما يحصل من مشاهد وقصص إخبارية عن الكارثة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، ومع ذلك يبقى موضوع التوازن مطلوباً حسب مفاهيم الصحافة هنا.
لسان حال الصحافة السويدية وخاصة صحافة الخدمة العامة أي محطات راديو SR أو قنوات SVT

لسان حالهم يقول: رضا المتابعين غاية لا تُدرك، لأن غير الراضين ليسوا فقط المتعاطفين مع الفلسطينيين أو المتذمرين مما يقوم به الآن الجيش الإسرائيلي في غزة، بل هناك متعاطفون مع إسرائيل وراضون جداً على ما يقوم به الجيش الإسرائيلي لكنهم غير راضين عن التغطية الإعلامية المنحازة للفلسطينيين حسب رأيهم.
ولعل النقد وربما الشتائم التي يتعرض لها مراسل التلفزيون السويدي سمير أبو عيد خير مثال على ذلك، هذا المراسل ولأنه فلسطيني يواجه نقداً بل وتخوينا من بعض الفلسطينيين لأنهم يعتقدون أنه يجب أن يكون أكثر انحيازا لغزة، في المقابل نرى أن سمير يلتقى نفس الانتقادات والشتائم من قبل أصدقاء إسرائيل خاصة المتطرفين منهم، أيضاً لأنه أيضا فلسطيني.
المشكلة أن الطرفين لا يدركون أن سمير صحفي في مؤسسة إعلامية سويدية، بغض النظر عن أصله وفصله وميوله السياسية

من غير المعروف عدد أو نسبة عدد هؤلاء الغاضبين من التغطية الإعلامية بين صفوف أصدقاء إسرائيل، بالنسبة لعدد الغاضبين أيضاً من الإعلام على الطرف الآخر المؤيد للفلسطينيين، ولكن وكما يبدو أن الطرف المؤيد للإسرائيليين هم أكثر تنظيماً وبالتالي أكثر تأثيراً على الرأي العام.

هنا ومرة أخرى يمكن أن ينساق البعض للأفكار التآمرية الهدامة، ويلجأ إلى أسهل شيء يمكن أن يفعله، وهو الجلوس وترديد مقولة “أن اليهود مسيطرين على كل شيء وبيدهم مقاليد كل أمور العالم”. وللتذكير نود أن نكرر بأن هذه المقولة، التي يرددها البعض مقولة “أن اليهود يحكمون العالم” تعد من النماذج الكلاسيكية لمعادة السامية، في أوروبا لأنها تولد الكراهية ضدهم. وهذه أيضا معلومة وليس رأي.
وبدل أن يتعلم الطرف الذي يشعر بالظلم من انحياز الصحافة وعدم مصداقية السياسة، بدل أن يتعلم من تجارب اليهود بعد المذابح التي تعرضوا لها على يد النازيين وغيرهم، نراه يلجأ إلى أسهل الأمور كما قلنا وهو اتهام اليهود بأنهم يسيطرون على العالم.
نعم كما أنت ترى بأن الإعلام السويدي منحاز إلى إسرائيل، هناك من يرى أن الإعلام السويدي منحاز للفلسطينيين. لعبة جذب وسائل الإعلام ومحاسبتها أو معرفة التعامل معها هي لعبة مشروعة بالغرب، ولكن تحتاج إلى لاعبين ماهرين لكي يمارسوها، لاعبون يجيدون استخدام أدوات الضغط والتأثير القانونية والديمقراطية المتاحة أمام الجميع.

من الغلط أن يفقد الناس ثقتهم بمحيطهم خاصة ثقتهم بالسياسة والصحافة وبمنظمات العمل الإنساني والحقوقي، يمكنك أن تغضب من حزب معين أو من سياسي ما، ويمكنك أن تستاء من صحيفة أو من أحد الصحفيين، حاول أن تصيغ غضبك واستياءك على شكل خطاب مقبول توجه وتضمه إلى جانب أصوات أخرى لأشخاص يقاسمونك نفس الأفكار.
راسلوا الحزب أو الصحيفة أو الأشخاص المعنين، بلغة هادئة وعقلانية وفيها حقائق، ستجدون حتما آذان صاغية، حتى لو لم تجدوا جوابا مباشرا الآن، ولكن رأيكم يمكن أن يحدث فرقا، أكثر من أن يبقى الغضب والاستياء في داخلكم ويتحول إلى كره للمجتمع، ولأن الكراهية تتفشى مثل الآفة أو الوباء، فهذا ليس من صالح أحد.
أرسل لنا أحد القراء رسالة قال فيها إنه قرأ مقالا لكاتب إسرائيلي سويدي في صحيفة Svd فيه الكثير من التجني على الحقائق حول ما يحدث في غزة، حسب قوله، لذلك قام بمراسلة الكاتب ورئيس تحرير الصحفية، وبين لهم بالتفنيد أن المقال يحتوي على معلومات مضللة وغير مستندة إلى أي مصادر صحيحة، وقال في رسالته: أنا كمواطن سويدي أشعر بالاستياء لأن جريدة مثل جريدتكم تنشر معلومات مضللة بدون مصادر موثوقة، بعد فترة تلقى هذا الشاب رسالة من صاحب المقال، يقول له شكرا لك تم تعديل المقال وحذف المعلومات غير الموثوقة منه.
هذا مثال بسيط على حقك أنت وغيرك باستخدام حرية التعبير، وبيان الاشاعات والاعتراض على تشويه الحقائق

نعم ليس الأمر بهذه البساطة لأنه هناك تطرف واضح وشرس من قبل الطرفين، هناك من لا يقف عند أي حدود، هناك من يريدك حتى أن لا تظهر تعاطفك الإنساني مع ما يحدث من قتل ودمار، وهناك من يريد محاكمة نواياك وليس أفعالك.
لذلك هناك محاولات للحد من تأثير المظاهرات الكبيرة التي جابت المدن السويدية والتي التزم بها المنظمون والمشاركون بالمعايير السويدية، ضمن عمل منظم بعد إقصاء الأصوات النشاز.
ومع ذلك هناك من يقول الآن إن هذه المظاهرات قد تؤدي إلى تأجيج معاداة السامية، (قد تؤدي إلى تأجيج معاداة السامية) أي أن إظهار التعاطف مع الضحية، حسب معاييرهم، يمكن أن يتحول إلى جريمة.
لذلك يجب العمل فعلا على نبذ معادة السامية من بين الناشطين، لأن اليهود هنا هم مواطنين مثلنا وبينهم من هم

غير راضين إطلاقا على تصرفات الحكومة الإسرائيلية اتجاه الفلسطينيين، ومن هم من يشارك بالمظاهرات التي يريد البعض الحد منها بحجة أنها قد تؤدي إلى معاداة السامية.
لذلك على السويد والمجتمع السويدي محاربة التطرف على الجهتين، وهذه مهمة كل فرد منا، وعدم غض النظر لا عمن يريدون فعلا نشر الكراهية ضد المواطنين اليهود والمتعاطفين معهم في السويد، ولا عمن يريدون نشر الكراهية ضد الفلسطينيين وأنصارهم أيضاً.
المتطرفون بين صفوف المؤيدين للفلسطينيين أغلبهم لديهم أجنداتهم الخاصة وآخر همهم ما يحدث للناس في غزة، فهم يستغلون مشاعر الناس المتأججة لنشر فتيل التطرف، وتشويه صورة السويد، وهم بالتأكيد قلة قليلة ولكن للأسف سيكون تأثيرهم مدمراً في حال أخذوا الفرصة.
أما المتطرفون المندسون بين المؤيدين لإسرائيل، فهم نفسهم من يقودون الحملات ضد الأجانب قبل الحرب الحالية، وهم ضد المهاجرين بالمجمل وخاصة الشرق أوسطيين منهم، ومنهم من ينتمي بالأساس إلى اليمين المتطرف، هؤلاء أيضا آخر همهم اليهود والشعب اليهودي، لأن لديهم أجندة خاصة وهي معادة الأجانب وحملهم على إما الانعزال داخل السويد أو الرحيل خارجها.
صحيح أن هذه الحرب تجري بعيداً عن السويد، لكن هناك مئات الغزيين ممن يعيشوا في السويد يتابعونهم من هنا وقلوبهم هناك مع أهاليهم وأقاربهم، لذلك فهذه الحرب تعنينهم، ويعنيهم جدا أن يشعروا بأن السويد البلد الذي يعيشون فيه، ليس بلدا معاديا لهم أو يقف على الحياد السلبي، دون أن يقوم بواجبه الإنساني في مساعدة المدنيين.
لذلك يجب ألا نترك السويد للمتطرفين على الجانبين يجب أن يسهم كل شخص منا بإنقاذ السويد وأول ما يجب القيام به من أجل إنقاذ السويد التي نعرفها ونريد لها أن تستمر، هو عدم فقدان الثقة بهذا البلد ولا بمؤسساته ولا بأحزابه ولا بطبيعة الحال بصحافته. وللحديث بقية ولكن إلى اللقاء.

رئيس التحرير محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.