عندما يشكر رشيد فقط الشخص السويدي الأبيض

: 10/27/22, 5:31 PM
Updated: 10/27/22, 5:31 PM

عندما يشكر رشيد فقط الشخص السويدي الأبيض

كنا نعتقد بأن تعبير الشخص الأبيض، وتفوقه وتميزه قد اختفى تماماً، بعد أن رجع الإنسانُ أكثر إلى انسانيته، ، عبر كفاح طويل، لكن أمس أرجعتنا تغريدة لنائب برلماني جديد عن حزب SD إلى الوراء مئات السنين، أرجعتنا إلى مفاهيم العبد والسيد وكأن السويد شطبت سنين طويلة من تاريخها في التأسيس للقيم الليبرالية الديمقراطية.
أمس شكر أحد النواب الجدد في البرلمان السويدي عن حزب الـ SD الأشخاص البيض لأنهم أسسوا مجتمع الرفاهية السويدية، مع صورة له وهو يحمل مولوده الجديد، هذا النائب ويدعى رشيد فريفار، وضع نفسه تماماً في المرتبة التي على أساسها قبله حزبه بها، حيث بدا تصريحه وكأنهاعتراف بأنه مستعبَد عن طيب خاطر وهم أسياده. أو كأنه مجرد كائن متطفل على مجتمع البيض، ومواطن من درجة متدنية. أهلا بكم

إذاً مجتمع سيادة الرجل الأبيض وتفوقه يطل برأسه علينا الآن من جديد في السويد، والبركة والفضل يعود لبعض من يرون في أنفسهم مستعبدين من الداخل بالفطرة الرافضين للحرية والمساواة ولكل القيم التي منحها لهم المجتمع السويدي، القيم التي حققتها السويد والإنسانية بفضل كفاح طويل وشاق بين المُستعبد والمستعبِد، فالعبد هنا ليس بلون بشرته ولا بمكانته الاجتماعية بل بنفسيته الرافضة للحرية والمصرة على أن تبقى في مستويات متدنية.
في الحقيقة أن هذا النائب وهو من أصول إيرانية، فاجأ حتى قيادة حزب الـ SD بتطرفه المبالغ به، هنا حتى عبارة أنه ملكي أكثر من الملك تبدو قاصرة عن إيصال حقيقة ما ذهب إليه هذا النائب، لذلك وبعد موجة من الاستنكار والتنديد، سارع حزبه إلى ترقيع ما قاله والاعتذار عنه بطريقتهم المعهودة، الصياغة خانته، التعبير غير لائق، إلى ما هنالك، وفي رسالة وجهها الحزب إلى صحيفة أفتونبلادت جاء فيها:
“لقد تحدثنا إلى رشيد (يعني جريناه من أذنه) ومن الواضح تماماً أن نيته لم تكن أبداً إغضاب أو استبعاد أي شخص. يعني المسكين ما قصده ولكن نحن فهمناه وشرحنا له بوضوح أن مثل هكذا منشورات تعرض نيتك الصافية والسليمة لخطر سوء التفسير. وتتابع الرسالة: لقد أدرك رشيد الآن أن صياغة المنشور تمت بطريقة غير متزنة ” يعني خلص الولد غلط وما عاد يعيدها.
تخيلوا يعني حتى قادة الحزب يلي منقول عنه من أصول نازية خجلوا وتأسفوا على وقاحة شخص من أصول أجنبية سبقهم في كراهية الأجانب.
دعونا نسمع كيف دافع رشيد عن نفسه، يقول:

-“تم إنشاء مجتمع الرفاه الديمقراطي السويدي قبل وقت طويل من بدء الهجرة الجماعية إلى السويد. ما أفعله هو أنني تناولت ما لدينا اليوم، وتناولت ما كان في السويد منذ سنوات عديدة، وأرى ذلك من وجهة نظري وأعتقد أن لدي الحق في التعبير عن هذا الرأي الشخصي. الغرض لم يكن للاستفزاز، ولكن يبدو أن الناس سوف تستفز على كل الأحوال”

المشكلة هي أن مجرد الحديث عن لون البشرة، هو من المحرمات الآن في المجتمع السويدي، والمشكلة الثانية أن تعبير الشخص الأبيض هو تعبير يقابله الرجل العبد أو المستعبد، والمشكلة الأهم أو الأخطر هي أن بنوا مجتمع الرفاهية السويدية لم يفعلوا ذلك من أجل رشيد ولا من أجل حزبه، لأن مجتمع الرفاهية السويدية قائم على قيم مغايرة تماماً لما يحمله هذا الحزب، بل إن هذا الحزب يعد خطراً وجودياً على الديمقراطية السويدية في حال أعلن صراحة عن تبنيه الأسس التي نشأ عليها.
فالديمقراطية الليبرالية، أو الديمقراطية الدستورية السائدة في السويد، هي أكثر من مجرد نظام انتخابي أو نظام لصنع القرار، هي نظام يفترض مسبقاً وجود مجموعة من القيم في المجتمع، وعلى أساس هذه القيم تم إنشاء الديمقراطية. وهذه القيم الديمقراطية مدعومة في الدستور. وتبقى مسألة الاختلاف والصراع السياسي بين اليمين واليسار مناورة محدودة ضمن الإطار الذي لا يتعارض مع هذا الدستور. لذلك لم نجد أي جهة إن كانت حزباً أو مسؤولاً يريد الخروج من إطار اللعبة الديمقراطية، لأن الثمن سيكون حينها باهظاً جداً.
لذلك يسارع دائما مسؤول إعلامي أو سياسي من حزب الـSD إلى ترقيع وتجميل ما يصدر من أفواه العديد من المسؤولين والمنتسبين له ويكون مخالفاً لهذا الإطار الدستوري وخارجاً عنه، وهذا ما حدث فعلاً بعدة حالات حين صرح أو غرد أو تصرف عدة سياسيين من هذا الحزب بما يتوافق مع أيديولوجياتهم ويتنافر مع قيم المجتمع.
ما فعله ويفعله جيمي أوكيسون تحديداً هو تنظيف أو تلميع الحزب من جهة، كي يبدو حزباً سياسيا يتعامل مع قضايا السويد بشكل عملي وواقعي حتى مع استخدام كمية من الخطابات الشعبوية، وترويض بقية الأحزاب لكي تتعامل معه من جهة ثانية، وهذا ما حصل فعلاً بعد الانتخابات.
ما حصل بعد الانتخابات الأخيرة هو نتيجة لجهود جيمي أوكيسون الشخصية في القيادة، استمرت منذ أول مرة حصل فيها حزبه على مقاعد متواضعة في البرلمان، وها هو الآن ينتشي بنصر ما حققه.
لكن رشيد أتى الآن وببساطة ليخرب على جيمي وليذكّره ويذكّر المجتمع السويدي بحقيقة وجوهر هذا الحزب، هذا الرجل المسكين، رشيد، لا يعلم أو ربما يعلم أنه هو ومن معه من أجانب في حزب يكره كل من هو غير سويدي ليس إلا شاهد زور أو فقط للتشكيلة أو الزينة التي تزين وتساعد على إخفاء ملامح قبح التطرف اليميني.
يقول رشيد عن نفسه على وسائل التواصل إنه يريد أن يرى السويد بدون اشتراكيين أو إسلاميين، يعني الرجل يكره الاشتراكيين ويكره الإسلاميين، من حقه طبعا ولكن هذه الكلمات الجوفاء تضعنا أمام سياسي تدل عليه أفكاره المحدودة، فهو وكأنه لا يعلم أن الاشتراكيين السويديين، هم من بنوا الرفاهية والنموذج السويدي الحالي، وبجهودهم هو ووالداه من قبله، موجودون أصلاً في السويد.
وإذا كان يقصد بكلمة إسلاميين: المتطرفين والإرهابيين وغيرهم من التصنيفات الأخرى، كان عليه أن يشير أيضاً إلى التطرف الآخر، لكي يبدو معتدلاً، مثل تطرف اليسار وتطرف اليمين، لكن كما يبدو أن كلمة إسلاميين لدى البعض أصبحت ستارة لإخفاء كره المسلمين، والتباهي بكرههم.
كلنا ضد التطرف وكلنا عانينا منه، لكن لا نستطيع تبديل تطرف بآخر، أن تستخدم تعبير “الشخص الأبيض” هذا معناه أنك متطرف.
مع ذلك نقول مبروك لك ولزوجتك مولودكما الجديد، ونتمنى له الصحة والعيش الرغيد في مجتمع لا يزال يحافظ على قيم المساواة والحرية، في مجتمع يعتبر الإنسان قيمة، كل إنسان قيمة، بغض النطر عن شكله ولونه ودينه وتوجهاته.
نتمنى أن نحافظ على السويد التي بناها السويديون من أجل أن يعيش ابنك وأبناؤنا وأحفادنا في مجتمع لا يؤمن بأفكار الفوقية والتمييز والكراهية
وللحديث بقية والآن إلى اللقاء

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.