لا يوجد راسبون في السويد أو فشلة

: 6/10/23, 3:41 PM
Updated: 6/14/23, 5:06 PM

لا يوجد راسبون في السويد أو فشلة
لم يشعر الوزير ورئيس البرلمان السويدي السابق Björn von Sydow بالعار هو أو عائلته العريقة والمعروفة في عالم السياسة والمجتمع، لأن ابنهم اختار أن يعمل سائق ترومفاي ولم يستطع الحصول على أي شهادة جامعية، كان الأمر بالنسبة للأب والعائلة طبيعياً جداً، مسألة ضغط المظاهر أو البرستيج الاجتماعي في معظم الدول التي أتينا منها، وقلة الفرص التي تقدمها هذه الدول للتلاميذ ما بعد المرحلة الثانوية وحتى الجامعية، ومفهوم الامتحانات والنجاح والرسوب كلها مشاهد تمر من أمامنا ونحن نرى احتفالات الخريجيين هذه الأيام من المدارس السويدية
أهلا بكم

أعرف شخصاً أعاد الثانوية العامة أو البكلوريا 4 مرات في سوريا، وفي المرة الخامسة، عندما نجح، وجد أنه لم يجد لهذه الشهادة أي فائدة أو معنى بعد أن أضاع أهم سنين في مراحل حياته، فقرر التخلي عن فكرة الدراسة والدخول إلى سوق المهن.
أعرف وتعرفون معي كم يواجه طالب الثانوية العامة من ضغط من قبل أهله ومجتمعه في بلادنا، كل عيون الأقارب والعشيرة والمعارف موجهة إلى تلميذ مسكين يحضّر للثانوية العامة، حتى أن كل جيران الحي يعرفون أن فلاناً ابن فلان الساكن في المنطقة الفلانية قدم الثانوية فهل سينجح أم يرسب وكم سيكون مجموعه؟
مسألة النجاح والرسوب في البكالوريا هي مقياس مصيري يمكن أن يحطم هذا الطالب ويقضي على مستقبله وحياته، في حال رسوبه أو في حال نجاحه بدون معدلات عالية.
قال لي أحد الأصدقاء إن ابنة اخته وهي من المتفوقين، في قطاع غزة، وبسبب ضغط المحيط حولها ذهبت إلى الامتحانات ولم تستطع كتابة كلمة واحدة، أصيبت بنوع من الانهيار النفسي والجسدي وتركت الورقة فارغة.
نسمع أيضا عن حالات انتحار لطلاب لأنهم رسبوا ولم يتحملوا إهانة أهاليهم ونظرات جيرانهم وشماتة أقاربهم.
أتذكر وأذكر كل ذلك ونحن ننشر في الكومبس حاليا صور وأسماء بعض الخريجيين العرب والناطقين بالعربية من المدارس والجامعات السويدية، حالة فرح عام، ردود فعل جميلة من المعلقين، وشعور بالفخر والاعتزاز لدى أهالي هؤلاء الشباب والصبايا، وهم يخطون أول خطواتهم نحو بناء المستقبل.

السؤال هنا: هل تمنع المدارس في السويد الراسبين من الاحتفال ولا تسمح لهم ارتداء ملابس التخرج والقفز مع زملائهم بعد سماع صوت الجرس الأخير في المدرسة؟ أم دعونا نسأل بطريقة أخرى هل يوجد راسبين أصلا من بين هؤلاء المحتفلين، بمعنى الرسوب المتعارف عليه عندنا؟
ما الذي يختلف هنا عن هناك؟ لماذا تعتبر الثانوية العامة مصيرية إلى هذه الدرجة ومنها وعليها يتحدد مصير الشباب في مطلع حياتهم في معظم الدول العربية؟ خاصة أن نسبة النجاح في بعض الدول لا تتجاوز الستين بالمئة وبأفضل حالاتها تقترب من 75 بالمئة، تخيلوا أن ربع الطلاب على الأقل سيجدون أنفسهم مبعدين وفاشلين حسب مقاييس المجتمع المحيط بهم.
هنا في السويد، وكما نعلم، يحق للجميع الاحتفال بالتخرج من الثانوية، حتى من يريد برغبته إعادة السنة، للدخول إلى الجامعة، أو الاستفادة من دورات صيفية لتقوية علاماته، أو من يريد الذهاب إلى دورات تعليم الكبار، الكومفوكس، كل هؤلاء مرحب بهم ويمكنهم ارتداء لباس التخرج والابتهاج مع زملائه، ولا يكاد أحد يشعر بالخزي والعار والإحباط لأنه أقل قيمة من زملاءه.
هنا في السويد لا يوجد راسبين أو فشلة، خاصة عندما نتحدث عن الشباب وعن مراحل مهمة ومصيرية في حياتهم، الكل والجميع لهم مكان في المجتمع، إذا لم تستطيع تحصيل علامات جيدة في الثانوية، يمكنك إعادة المحاولة من دون أن تشعر أنك ستعيد السنة كلها، وإن لم تستطع أو لم ترغب فهناك أبواب ومجالات مهنية أخرى مفتوحة أمامك.
هنا مفهوم الامتحان والنجاح والرسوب ليس تحدياً أو حرباً أو معركة يخوضها التلميذ ضد نظام الدولة التعليمي كما هو للأسف موجود في معظم الدول العربية، هنا المدرسة والنظام التعليمي يقف معك طالما أنت راغب ومستعد لأن تتعلم.
المجتمع هنا يدرك أنه بحاجة ليس فقط لأطباء ومهندسين وعلماء ذرة ومبرجي كمبيوتر، المجتمع بحاجة أيضا إلى مهارات في كل قطاعات الصناعة والزراعة والخدمات والتجارة.. المجتمع بحاجة مثلا إلى موظفي رعاية وإلى سائقي شاحنات وقطارات وترامفايات
والعمل هنا بأي قطاع أو باي مجال ليس معيبا ولا يشكل ضغطاً اجتماعياً أو عاراً على العامل أو على عائلته، لا يقال مثلا إن ابن فلان أصبح عامل تنظيف أو سائق
دعوني أخبركم عن مارتين، زميل صديق لي يعمل بشركة النقل الداخلي SL منذ حوالي 10 سنوات اكتشف صديقي، أن زميله مارتين سائق التفيربانا أو الترومفاي يكون ابن السياسي المعروف Björn von Sydow ولمن لا يعرف من هو هذا الشخص السياسي، يمكنكم وضع اسمه على غوغل تماما كما تشاهدونه على الشاشة: Björn von Sydow وستجدون أنه كان رئيساُ للبرلمان السويدي لمدة 6 سنوات، وتنقل بين عدة مناصب حكومية ووزارية مهمة مثل وزير التجارة ووزير الدفاع، كما كان محاضراً في العلوم السياسية وكتب أطروحة دكتوراه بعنوان “هل يمكننا الوثوق بالسياسيين؟”
وللعلم أيضا والدة هذا السياسي المشهور أي جدة مارتين زميل صديقي وسائق الترومفاي، هي سياسية كانت معروفة أيضا منذ أكثر من عقدين، واسمها Alda Tullia von Sydow ، ودخلت البرلمان السويدي وهي في عمر الثمانين عاماً، تزامناً مع عضوية ابنها، فكانت هي وابنها يجلسان في نفس البرلمان معاً..
لم يشعر الوزير ورئيس البرلمان السابق بالعار هو أو عائلته المعروفة في عالم السياسة والمجتمع، لأن ابنهم اختار أن يعمل سائق ترومفاي ولم يحصل على أي شهادة جامعية، كان الأمر طبيعياً جداً، جرب الشاب أن يدرس لكنه لم يكمل، فترك الدراسة واشتغل بمهنة يحبها.
أمثلة عديدة عن مشاهير في عالم السياسة والمجتمع اختار أبناؤُهم أن يكونوا أشخاصاً عاديين يعملون بمهن عادية، ابن لارش أولي رئيس حزب اليسار السابق على سبيل المثال هو عامل بناء. حتى هناك من ترك الدراسة مبكراً لكنه نجح بمجالات أخرى، مثل مجال التجارة والأعمال أو مجالات السياسة والاجتماع، عدد من رؤساء الأحزاب لا يحملون شهادات جامعية، منهم ستيفان لوفين الذي تربى في منزل عائلة بديلة، دون أهله الحقيقيين، وتعلم مهنة لحام الاكسجين، svetsare مع ذلك تدرج بالعمل النقابي ثم أصبح رئيساً لوزراء السويد لحوالي 7 سنوات.
نحن هنا لا نشجع على التخلي عن خيار التعليم، ونتمنى لمن يرغب ويستطيع الوصول إلى أعلى مراتب العلم، ولكن يجب أن يعرف الأهل ويتفهموا أن لكل شخص قدرات محددة وميول ومواهب مختلفة، وأننا نعيش في بلد تتوفر الفرص فيه للجميع بنفس المقدار، وأن التعليم العالي لا يعني دائماً الثروة أو الجاه أو المكانة الاجتماعية كما هي الحال في بعض دولنا.
هنا العمل وبغض النظر عن نوعه مرتبط بفتح مجالات أخرى وتأمين حياة كريمة، وحتى من لا يستطيع العمل لأسباب قاهرة، فالمجتمع لا يتخلى عنه، بل يجب أن يؤمن له حياة كريمة في الحد الأدنى على الأقل.
لذلك لا تغضب أو تنزعج إذا كنت تتصور أن ابنك أو ابنتك سيدرسون الطب وتفاجأت أن رغبتهم تقتصر على دراسة التمريض، أو دخول مدرسة الطبخ أو الخدمة الفندقية، كل المهن هنا مشرفة والسويد بحاجة للجميع

بهذه المناسبة نقول لجميع من أنهى المرحلة الثانوية ألف مبروك وبالتوفيق في شق طريقك نحو مستقبل علمي أو مهني تكون أنت راض عنه أولاً وأخيراً، ونقول لجميع الخريجين إن الكومبس يريد نشر المزيد والمزيد من صور وأسماء خريجي الجامعات لأن ذلك وكما يبدو يزعج البعض ممن يريدون أن يروا المهاجر يعيش على الهامش ولا يريدون أن يروا حقيقة وجود أجيال جديدة من المهاجرين المهيئين لدخول سوق العمل والحياة الاجتماعية والمساهمة في بناء وطنهم السويد.
استمروا بإرسال صور أولادكم لكي يرى العنصريون والحاقدون الإنجازات التي يقوم بها هذا الجيل من المهاجرين بفضل آبائهم وأمهاتهم بالدرجة الأولى. للحديث بقية ولكن إلى اللقاء

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.