يكلف كل لاجئ في السويد الدولة مبلغاً قدره 74 ألف كرون في السنة، هكذا استنتجت دراسة قام بها معهد الأبحاث الاقتصادية (Konjunkturinstitutet) بتكليف من الحكومة، لكن الباحث الاقتصادي التاريخي، طوني يوهانسون، عاد وراجع هذا الاستنتاج في تقرير لمركز كاتاليس البحثي. وكانت الخلاصة واضحة: الحكومة تحاول تضليل الناس لزيادة الاستقطاب وتأجيج الأحكام المسبقة تجاه المهاجرين. تماما كما يفعل دونالد ترامب عندما يخلق “واقعاً موازياً” بطريقة شعبوية استعراضية ويطلب من الناس تصديقه.. أهلا بكم
تلعب الأرقام في حياة السويديين العادية دوراً كبيراً في طريقة تفكيرهم وقراراتهم اليومية أو الاستراتيجية، فهم يخططون مالياً حتى قبل إنجاب الأطفال، كم سيكلفهم هذا المشروع، هل لديهم القدرة المالية على تربية طفل أو أكثر؟ التفكير بالأرقام يتراوح بين التخطيط والتفكير بالجدوى المالية: من شراء منزل جديد إلى دعوة قريب لهم على العشاء.
لذلك عندما كلّفت الحكومة السويدية الحالية معهد الأبحاث الاقتصادية بحساب “تكاليف الهجرة” أرادت أن تسهم في تشكيل وعي وتصور لدى السويدي العادي، يدعم فكرة أن اللاجئ هو عبء عليك أيها المواطن، تخيل أنك كلما صادفت لاجئا في الشارع أو في وسائل المواصلات ستفكر بأنه يكلف الدولة ودافعي الضرائب سنويا حوالي 74 ألف كرون، كيف ستكون نظرتك له، خصوصاً إذا كان امرأة شرقية تصطحب معها عدداً من الأطفال.
الحكومة الحالية وكما هو واضح، تقوم بتنفيذ بنود تحالف أيديولوجي مع حزب ديمقراطيي السويد، من خلال إصدار قرارات منها ما يصل إلى حد الإجحاف، هدف هذا التحالف الأساسي هو تقليص الهجرة، وخلق انطباع بأن الأشخاص من أصول أجنبية غير مرحّب بهم في السويد. والحجج واضحة هم عالة على الاقتصاد وعلى رفاهية المواطن وهم عبء على سوق العمل ومنهم من يشارك بالجريمة.
لكن في الحقيقة، هذه السياسات مبنية على أفكار عنصرية، لم تعد تستطيع أن تجاهر بعنصرية لون البشرة أو باختلاف الدين بل تلجأ الآن إلى التذرع باختلاف الثقافة، فاللاجئ هو خطر على الثقافة السويدية المتفوقة.
المشكلة أن هذا التفكير يحمله قلة من السياسيين السويديين، لكن من سلبيات الديمقراطية ربما أن يصبح هؤلاء في مجال التأثير وأخذ القرار.
من خلال تصوير الأقليات على أنهم سبب المشاكل، تحاول الحكومة التهرب من مسؤولياتها الحقيقية، مثل ضعف النمو الاقتصادي، والبطالة المرتفعة التي تقترب من 10 بالمئة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بنسبة 25 بالمئة منذ عام 2022.
وفقًا ليوهانسون، فإن طريقة حساب “تكاليف الهجرة” ليست حساباً حقيقياً لتكاليفها على المجتمع، بل تُظهر فقط كيف يتم توزيع الأموال في النظام الضريبي ونظام الرفاهية. فعندما يكون دخل المهاجرين كمجموعة أقل ويدفعون ضرائب أقل، يُحسبون كـ“عبء”، تمامًا كما حسب الباحث الاقتصادي يواكيم روست أن “تكلفة” كل لاجئ سنوياً تبلغ 74 ألف كرون.
لكن لو طُبقت نفس الطريقة على فئات أخرى في المجتمع، كمجموعة أيضا مثل النساء، سيظهر أنهن أيضًا “عبء”، فقط لأن متوسط دخلهن أقل من الرجال. فهل هذا يعني أن النساء عبء اقتصادي أيضا؟ هذا يُظهر مدى عبثية هذا النوع من الحسابات. إضافة إلى إغفال حقائق أخرى مثل وجود حوالي 50 ألف من أصول مهاجرة في رعاية المسنين في السويد. ورغم أنهم يؤدون وظائف حيوية للمجتمع، يمكن النظر لهم على أنهم عبء على اقتصاد السويد.
الحكومة تحاول إخفاء حقيقة أن الهجرة ساهمت – ولا تزال – في زيادة إنتاجية الاقتصاد، وتوفير موظفين للقطاع العام، ومنع تراجع عدد السكان. فبدون الهجرة، كانت السويد ستواجه “رياحاً ديموغرافية معاكسة” متمثلة في قلة المواليد وزيادة شيخوخة السكان. وهذا يبين أن هؤلاء الحريصين على السويد ونقائها الثقافي لا يفكرون كثيراً بمصلحة البد عندما يؤججون الاستقطاب العنصري، ويطرحون قوانين تسهل طرد الناس أو تصعيب حياتهم.
على الناخب السويدي من كل الأصول والخلفيات التفكير قليلا، هل هؤلاء الشعبويون يريدون فعلا مصلحة بلدهم؟ علينا الاستماع لمن هم مثل الباحث طوني يوهانسون الذي لا يخاطب العواطف، بل يحذّر من عواقب اقتصادية واضحة: إغلاق الحدود أمام الهجرة، والتضييق على المهاجرين الموجودين في البلاد، سيؤدي إلى انخفاض مستوى المعيشة، وتدهور الخدمات العامة، وارتفاع الضرائب.
وللحديث بقية ولكن إلى اللقاء
ماذا بعد التضييق على المهاجرين.. هل يخدم العنصريون وطنهم؟
النشر: 11/4/2025, 6:11 م
التحديث: 11/4/2025, 6:11 م