20 بالمئة من الشركات في السويد لديها موقف سلبي من الأسماء الشرق أوسطية. أصحاب الأسماء العربية نادراً ما يُدعون إلى مقابلة عمل. نصف الشركات ضد الرموز الدينية مثل الصليب والحجاب. نسبة البطالة لدى المولودين في الخارج 14 بالمئة، ولدى بقية السكان 4 بالمئة. هذه أرقام تكشفها الإحصاءات الرسمية واستطلاعات الرأي التي تجريها جهات مثل “أسبوع يارفا”. لا جديد في الأرقام ربما سوى أنها أرقام، والسياسيون غالباً ما يفضلون الحديث بلغة الأرقام.
هذا في موضوعة العمل، أما في الجريمة فالصور والأسماء وخلفيات المجرمين باتت تُنشر على وسائل الإعلام بوضوح. العصابات التي تؤرق ليل السويد ونهارها أصبحت موسومة بالمهاجرين. واليمين المتطرف لا يحتاج إلى كثير دعاية ليربط بين الجريمة والمهاجرين.
كل هذا واقع تتجادل الأحزاب حوله منطلقة من قيمها وأيديولوجياتها ومصالحها الانتخابية. تتحدث جميعها عن هذه المشكلات بالحديث ضمناً أو علناً عن المهاجرين.
يمكن تأليف كتب عن فشل الاندماج في البلاد، ومسؤولية كل حكومة في ذلك، والأسباب العميقة التي أدت إلى كل ذلك. ويمكن لوم الحكومة والأحزاب وشتمها كل يوم، بل والذهاب أبعد من ذلك إلى ترويج صورة السويد “القاتمة”، لكن ماذا بعد؟!
يكاد المهاجرون، والناطقون بالعربية منهم على وجه الخصوص، يغيب صوتهم إلا عن وسائل التواصل الاجتماعي في مسلسلات الردح لبعضهم، طائفياً أو عرقياً، أو اختلافاً في الرأي حول صورة السويد، بل يصل الأمر إلى “معارك طاحنة” بين مهاجر قديم وجديد.
هنا واقع يتشكل والمهاجرون في مركزه، تتمحور كل المشكلات حولهم، فيما يغيبون عن الحلول. جمعياتهم ومراكزهم ومؤسساتهم الأهلية يكاد معظمها لا يُرى رغم أنها تحصل على ملايين الكرونات، ولا تظهر على أجندة الأخبار إلا في مواضيع الاختلاس او الاحتيال أو اتهامات التطرف. النخب غائبة عن دائرة التأثير في مجتمعها الصغير ومنشغلة أكثر بصورتها الفردية أمام المجتمع الأكبر. تصمت النخب فيحتل المساحة كلها أصوات كتلك التي تدعو إلى قلب السويد رأساً على عقب.
لا يتحمل المهاجرون مسؤولية فشل الاندماج أو نشوء مجتمعات الظل أو الضواحي الضعيفة أو صعود اليمين المتطرف، تلك مسؤولية يتحملها المجتمع كله، بنخبه وقيمه وأحزابه ومؤسساته، غير أننا هنا نخاطب المهاجرين لا كل المجتمع. وفي هذا يتحمل المهاجرون مسؤولية كبيرة عن سلبيتهم.
اليمين المتطرف يهاجمهم كل يوم. ومتطرفون على الطرف المقابل يحاولون استقطابهم إلى حالة عداء مع السويد كلها. جمعيات كشفت أحكام القضاء أنها نَهبت باسمهم، وهم لا يحركون ساكناً ولا يرفعون حتى صوتهم إلا على بعضهم من خلال الشاشات. لا قدرة لديهم على التنظيم ناهيك عن التأثير. حتى الإعلام العام الممول من ضرائبهم الذي يخاطبهم بلغتهم لا أحد يسأله ماذا يفعل وكيف يتناول قضاياهم، ولماذا يغيب عن معركة الوعي في القضايا والحملات التي تهز البلد.
استطلاعات تتيح للناطقين بالعربية أن يقولوا رأيهم في قضايا المجتمع بلغتهم بعد أن أصبحوا غير ممثلين بشكل حقيقي في معظم استطلاعات الرأي السويدية. نافذة صغيرة لكنها مهمة لإيصال صوت فئة من المجتمع. المفاجأة أن البعض تعامل مع الأمر بعقلية الدول التي هاجر منها، “التشكيك والخوف من المخابرات!”، أو بالسلبية المعهودة. إن كنا غير قادرين على تسجيل أسماءنا لقول رأينا فقط وبهوية مجهولة، فكيف ندعي فهم هذا المجتمع ناهيك عن التأثير فيه؟ّ! ومن أين تأتينا كل هذه العنتريات التي نعبر بها عن أنفسنا على وسائل التواصل؟!
لا يرغب الناس عادة في سماع الحقائق لأنها مؤلمة، يفضلون الأوهام والبطولات الوهمية. السويد الآن هي غيرها قبل 10 سنوات، وستكون بعد 10 سنوات أسوأ حالاً في موضوعة المهاجرين إن سارت الأمور بالوتيرة نفسها. وفي حالة الاستقطاب الحاصلة حالياً، واهم من يظن أن النجاة فردية. الصور الجماعية، والكليشيهات المسبقة، تنال منا جميعاً، بقديمنا وجديدنا، بمن يعيش منعزلاً أو بمن يظن في نفسه الاندماج.
ما العمل؟ لا أحد يمكنه ادعاء حل، فتلك قضية تجمعات ونخب وحركات، لكن بالتأكيد فإن حالة السلبية المسيطرة ليست حلاً. مبادرة من هنا وأخرى من هناك يمكن أن تشكل نقاطاً يبدأ منها جدول صغير. وبدل أن نفكر في حلول للصراع العالمي، أو ننشغل بصراعات دولنا التي هاجرنا منها وتركناها لمصيرها، فلنفكر بواقعنا القريب منا وكيف يتشكل وكيف يتحول وما هي القوى المؤثرة في تحولاته، وما القيم الحاكمة للمجتمع السويدي وكيف يراد تغييرها الآن، ومع من تلتقي مصالحنا، ولمن نمنح أصواتنا، وكيف نصد محاولات التأثير علينا لأهداف لا علاقة لها بمصالحنا، ولماذا يرفع شعاراً دينياً كل من يريد أن يستقطبنا، ولماذا نكره بعضنا بناء على انتماءات لا خيار لنا فيها، ولماذا ونحن نواجه العنصرية نمارس أشد منها بحق بعضنا.. قائمة الأسئلة تطول ولا مفر من التفكير فيها وتقديم إجابات عنها إذا أردنا أن نتجنب مصيراً كالذي وصنا إليه في دولنا الأم.