لمى، امرأة أربعينية جاءت إلى السويد، بحثاً عن مستقبل آمن لها ولابنتيها. بعد سنوات من العمل الشاق في المطعم الذي افتتحته مع إخوتها، وبعد اجتيازها جميع العقبات القانونية والإدارية، جاءها القرار الصادم: يجب عليك مغادرة السويد. لمى ليست وحدها في هذه المأساة، بل هي واحدة من حوالي 5 آلاف شخص يواجهون المصير ذاته بسبب قانون جديد أصدرته مصلحة الهجرة.
لم يكن ذنب لمى أن تصل درجة استهتار السياسيين بمصير ومستقبل الناس إلى هذه الدرجة، حين وضعوا قانوناً مفاجئاً وسارعوا لتقديمه وإقرار تنفيذه بعد حوالي أسبوعين من المصادقة عليه، والأدهى من كل ذلك، ومما زاد من كمية الاستهتار وربما الغباء هو أن هذا القانون سيطبق على الناس بأثر رجعي.
القانون الجديد، الذي يدخل حيز التنفيذ في 1 أبريل، ينص على ترحيل الأشخاص الذين حولوا طلبات لجوئهم إلى إقامات عمل، بسبب حصولهم على رفض ولم يغادروا السويد. حتى لو كانوا يعملون بالفعل ويعيلون أنفسهم. القرار جاء فجأة، كما قلنا، ودون فترة انتقالية، ما سيؤدي إلى تشريد آلاف الأشخاص وعائلاتهم.
إقرأ أيضا: هل تريد الحكومة محاربة “اضطهاد الشرف” حقاً؟
وبحسب مصلحة الهجرة، فإن حوالي 4700 شخص سيتأثرون بهذا القرار، بينهم 1400 شخص من أفراد عائلات، و2200 شخص لديهم حالياً تصاريح عمل سارية. ورغم أن بعض الحالات قد تحصل على استثناءات، فإن ذلك لا ينطبق على الأغلبية الساحقة من المتضررين.
من الواضح أن سياسات الحكومة المتعلقة باللجوء والهجرة، هي تنفيذ وانصياع تام لمطالب حزب SD المعروف بعدائه للهجرة واللجوء، ومن الواضح أكثر أن هذا الحزب الذي يمثل حوالي 20 بالمئة من أصوات الناخبين هو الذي يقود ويتحكم خاصة بسياسات الهجرة واللجوء، وبسبب تواطؤ الحكومة في مقايضة موافقة هذا الحزب على بقية السياسات، يمكن أن تظهر مثل هذه القرارات والقوانين التي تُعتبر جائرة في دولة ديمقراطية وإنسانية مثل السويد.
وما قد يزيد من الخطر على الديمقراطية السويدية، وعلى إنسانيتها، هو عدم تفعيل معارضة قوية لهذه السياسات الجائرة، خصوصاً أن المعارضة الحالية وللأسف لا ترفع صوتها بما يكفي عندما يتعلق الأمر بمواضيع الهجرة واللجوء والاندماج، لأنها تخشى من فقدان جزء من أصوات الناخبين، أي بدل الرجوع إلى سياسات اليسار الواضحة، تحاول أحزاب المعارضة الحالية التقرب نحو اليمين لمنافسته على بعض الأصوات.
بكلمات أخرى نرى أن هذه الأحزاب المحسوبة على اليسار السويدي لا تستطيع تمثيل جزء مهم من الفئات الضعيفة في المجتمع حسب ما يجب أن تمليه عليها مبادئها اليسارية، لأن هذه الفئات غير فاعلة أو مشاركة بالعملية السياسية لذلك تتخلى الأحزاب اليسارية هنا عن مبدئها للحفاظ على مصالحها في تجميع الأصوات.
وهنا نجد أهمية أن يشارك الناس المتضررون، من سياسات الحكومة الحالية، في الحياة السياسية والانتخابات، وأغلب هؤلاء المتضررين هم من الفئات الضعيفة في المجتمع.
محاولات عدة قامت بها منظمات إنسانية، وجدت أن القانون الجديد كارثة على مجموعة من اللاجئين لا ذنب لهم، من هذه المحاولات: إطلاق عريضة إلكترونية وقّع عليها أكثر من 7 آلاف شخص حتى الآن، مؤكدين أن القانون الجديد لا يعاقب سوى الأشخاص الذين اختاروا المسار القانوني للبقاء في السويد. فهم لم يعتمدوا على المساعدات الاجتماعية، بل عملوا ودفعوا الضرائب وساهموا في المجتمع. ومع ذلك، يجدون أنفسهم اليوم أمام قرار يهدد استقرارهم وحياتهم.
مصير مجهول لعائلات بأكملها هل هذه البداية؟
نحن لا نأمل كثيراً بأن تعود السويد، كما كانت تُعرف تاريخياً بأنها ملاذ آمن للمعرضين للخطر في بلادهم، لكننا نرى أن السويد تخاطر الآن بفقدان صورتها الإنسانية وحتى الديمقراطية أمام العالم. التعامل مع المهاجرين الموجودين على أراضي، بإنصاف ليس مجرد واجب إنساني، بل هو أيضاً استثمار في مستقبل البلاد.
ومع ذلك، تصر الحكومة على تنفيذ قرار الطرد، متجاهلة مصير آلاف الأشخاص الذين أثبتوا جدارتهم وعملوا بجد، فقط لأن السياسة تغيرت بين ليلة وضحاها. يتساءل كثيرون عن مدى إنسانية هذا القانون، وعن مصير الذين اعتبروا السويد وطناً لهم. وبينما يبدو من غير المتوقع أن تتراجع الحكومة عن قراراتها، يبرز تساؤل أكثر عمقاً: هل ستتمادى الحكومة وحزبها الداعم في الاستهتار أكثر بمصير الناس، خصوصاً الضعفاء، أم أن المشكلة الحقيقية تكمن في الثغرات الموجودة في الديمقراطية السويدية، والتي تتجلى في انعزال جزء من المجتمع وعدم مشاركته في الحياة السياسية؟
بغض النظر عن الإجابة، نرى أن لمى، التي عملت بجد لبناء حياتها في السويد، تواجه الآن مستقبلاً مظلماً. لديها ابنتان متفوقتان دراسياً، إحداهما في الثانوية والأخرى في الإعدادية، ولا تعرف إلى أين ستذهب بهما. ولنتصور كم حالة مشابهة لمى بسبب هذا القانون المفاجئ.
محمود آغا