السياسة تعطل المساعدات لاقتصادات الربيع العربي

: 9/17/12, 2:58 AM
Updated: 9/17/12, 2:58 AM
السياسة تعطل المساعدات لاقتصادات الربيع العربي

تحتاج دول الربيع العربي لإيجاد السبل لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لسد الفجوة الناتجة عن عدم تلقي المساعدات الأجنبية، عقب انتصار الثورات وعدم الوصول إلى حالة الاستقرار السياسي.

عندما سحبت السعودية سفيرها من القاهرة في أواخر ابريل نيسان ارتفعت عائدات أذون الخزانة المصرية وانخفضت أسعار الأسهم إذ شعر المستثمرون بالخوف من أن تحرم مصر من مساعدات مالية سعودية بمليارات الدولارات.

لكن سرعان ما تمت تسوية الخلاف الدبلوماسي الذي أثارته احتجاجات في شوارع القاهرة على اعتقال محام مصري في السعودية. وعاد السفير إلى القاهرة خلال أسبوع وبعد بضعة أيام أودعت السعودية مليار دولار كوديعة لأجل ثماني سنوات لدى البنك المركزي المصري.

غير أنه بعد أكثر من عام على بدء انتفاضات الربيع العربي تظهر هذه الواقعة كيف تواجه الدول التي شهدت اضطرابات فرصا غير مؤكدة في الحصول على مساعدات مطلوبة بشدة لإعادة بناء اقتصاداتها وتخفيف التوترات الاجتماعية.

وتعهد المجتمع الدولي ومنه الاقتصادات الغربية الكبيرة ودول الخليج العربية المصدرة للنفط بمساعدات بعشرات المليارات العام الماضي. لكن لم تسلم سوى نسبة ضئيلة منها فقط وفي بعض الحالات يبدو أن السياسة أاو السياسات الاقتصادية أو الضغوط على الميزانية تعطل أو توقف تدفق أموال المساعدات.

وقالت علياء المبيض كبيرة الاقتصاديين في بنك باركليز كابيتال في لندن "ليس هناك ما يطلق عليه خطة مارشال لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا" مشيرة إلى خطة المساعدات الأمريكية التي ساعدت أوروبا على الانتعاش بعد الحرب العالمية الثانية.

وأضافت "الدول العربية الغنية بالموارد توجه دعمها المالي مباشرة لدول الربيع العربي المحتاجة للمساعدات استنادا إلى مصالحها الاقتصادية واستراتيجياتها السياسية."

ففي قمة عقدت في مايو أيار 2011 في فرنسا تعهد زعماء مجموعة الدول الثماني بمساعدات بقيمة نحو 40 مليار دولار أغلبها على شكل قروض منخفضة التكلفة لمصر وتونس على مدى فترة زمنية لم تحدد. وكان من المقرر أن تقدم مساعدات بقيمة عشرة مليارات من دول الثماني وعشرة مليارات من دول الخليج الغنية و20 مليارا من مؤسسات دولية مثل البنك الدولي.

وفي سبتمبر أيلول زادت مجموعة الثماني تعهداتها إلى مثليها تقريبا وأضافت المغرب والأردن لقائمة الدول المتلقية للمساعدات. ومن ناحية أخرى قررت دول الخليج الغنية العام الماضي تأسيس صندوق برأسمال 20 مليار دولار لتقديم منح للبحرين وعمان بعشرة مليارات دولار لكل منها على مدى عشر سنوات لتمويل برامج تنمية وبرامج اجتماعية.

ولدى الدول المانحة أسباب سياسية قوية للتعهد بهذه المساعدات. فإذا لم تتمكن اقتصادات دول الربيع العربي من تحقيق نمو كاف وتوفير فرص عمل فستتفاقم الاضطرابات السياسية هناك وقد تمتد إلى دول أخرى وتشمل المنطقة بأسرها.

وحى الآن كان تدفق الأموال للدول المحتاجة أقل بكثير من توقعات هذه الدول. فقد تلقت قروضا ومنحا متناثرة لكنها لم تتجاوز بضع مئات الملايين من هنا و500 مليون دولار من هناك بما لا يكفي لحل مشكلات حادة في الميزانيات وموازين المدفوعات في دول الربيع العربي.

وقدرت المبيض أن نحو 15 مليار دولار فقط من 60 مليار دولار تم التعهد بها لدول الربيع العربي هي التي صرفت بالفعل حتى الآن. وكانت مصر على سبيل المثال تأمل العام الماضي في الحصول على مساعدات تزيد على عشرة مليارات دولار لدعم احتياطياتها بالعملة الأجنبية التي تراجعت بحدة وسد عجز الميزانية ولكنها لم تتلق سوى نصف هذا المبلغ تقريبا. ومازالت المحادثات المتعلقة بقرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 3.2 مليار دولار لم تحسم.

وقالت البحرين الاسبوع الماضي إن 20 مليار دولار تعهدت بها الدول الغنية المجاورة لها لم تصرف حتى الآن وإن كانت مازالت تنتظر دفعة أولية قريبا.

ويقول بعض رجال الأعمال والاقتصاديين إن المجتمع الدولي يواجه خطر كارثة قد تحل بالاقتصادات التي تواجه صعوبات في شمال افريقيا إذا لم يبذل المزيد لمساعدتها.

وقال عدنان أحمد يوسف رئيس اتحاد المصارف العربية ورئيس مجلس إدارة مجموعة البركة المصرفية في البحرين "الافتقار لخطة شاملة طويلة الأجل لاقتصادات الربيع العربي قد يؤدي إلى عواقب خطيرة وستكون له العديد من الآثار السياسية والاقتصادية والاجتماعية منها امكانية انتكاسة الوضع إلى أسوأ مما كان عليه من قبل."

وأحد أسباب تباطوء المانحين في تقديم الأموال التي تعهدوا بها يرجع لدول الربيع العربي ذاتها. فالحكومات المشتتة بسبب التحولات السياسية المحلية والانتقال المضطرب إلى الديمقراطية لم تتمكن من التعهد بسياسات اقتصادية تقنع المانحين بأن الأموال ستنفق بشكل جيد.

وقال مسعود أحمد مدير إدارة الشرق الأوسط في صندوق النقد الدولي لرويترز في مايو أيار الماضي إن مصر يتعين عليها من أجل الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي إصلاح سياساتها الاقتصادية بدرجة أكبر وإيجاد مصادر أخرى للإيرادات وتحقيق توافق وطني للحصول على القرض.

ومن العوائق الأخرى أمام المساعدات أن طلبها يأتي في وقت أزمة مالية عالمية. وأصبح وفاء حكومات أوروبا والولايات المتحدة التي تفتقر للسيولة بتعهداتها أكثر صعوبة.

وللالتفاف على هذه المشكلة يمكن اللجوء إلى تقديم ضمانات قروض بدلا من مساعدات مباشرة. وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في ابريل إنها ستقدم لتونس ضمانات بمئات الملايين من الدولارات لمساعدتها على الاقتراض من السوق الدولية. وفي حال تمكن تونس من سداد ما اقترضته دون أن تمس الضمانات فستتمكن واشنطن من تقديم المساعدة دون أن تنفق المال.

لكن الأسواق العالمية أضعف من أن تقدم الكثير من الأموال التي تحتاجها هذه الدول بهذا الشكل لذلك فإن تعطل القروض والمنح من الغرب أصبح مدمرا.

وقال يوسف "تأتي الدعوات إلى خطة على غرار خطة مارشال في وقت تشهد فيه الاقتصادات والنظم المالية في الولايات المتحدة وأوروبا أزمة ديون وهي ليست في وضع يؤهلها لتقديم التمويل المطلوب لمثل هذه الخطة."

وبالنسبة لدول الخليج فإن المسألة لا تتعلق بميزانياتها فأسعار النفط المرتفعة على مدى العام الماضي تركت الحكومات بفوائض سيولة كبيرة. لكن محللين يقولون إن الاعتبارات السياسية ربما تجعل دولا مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة أكثر حذرا فيما يتعلق بتقديم المساعدات.

فقد ترى دول الخليج المحافظة أن فوز جماعات إسلامية في الانتخابات في مصر وتونس والمغرب يشكل تهديدا فكريا ودبلوماسيا. وكان الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك حليفا على مدى فترة طويلة لحكام الخليج وصعود جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي حصلت هذا الاسبوع على الرئاسة ربما يزيد من جرأة بعض الإسلاميين الذين يسعون لتغيير ثوري في الشرق الاوسط.

ورغم أن دول الخليج لديها حافز قوي لتقديم المساعدات لاقتصادات الربيع العربي لمنع اقتصاداتها من الانهيار فإن لديها دافعا لتعطيل المساعدات وإبطائها للحفاظ على نفوذ سياسي على الدول المتلقية.

وقال علي زبيب المستشار القانوني لاتحاد المصارف العربية إنه بسبب استمرار الاضطرابات السياسية في بعض الدول بدأت الدول العربية والغربية المانحة في إعادة تقييم تعهداتها بشأن المساعدات.

واضاف "لا أحد مستعدا لضخ أموال في نظام يخلق خلافات جوهرية مع المانح – فهذا قد يكون له اثر عكسي ويبطل الغرض من مثل هذه المساعدات."

وأعلنت الإمارات قبل نحو عام أنها ستقدم ثلاثة مليارات دولار لمصر لكن مصدرا مصريا على علم بالمسألة طلب عدم الكشف عن هويته قال إن الأموال لم تحول بسبب حساسيات دبلوماسية. وقال مسؤول إماراتي بارز في أواخر العام الماضي إن حكومته مازالت تبحث آليات الدفع.

وبما أن المساعدات بين الحكومات لم تحقق نجاحا واضحا في حل المشكلات في اقتصادات الربيع العربي يعتقد العديد من المحللين أنه يتعين ان يشارك القطاع الخاص بدرجة أكبر.

وقال مؤيد مخلوف مدير مؤسسة التمويل الدولية لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا إن المؤسسة وهي ذراع تابعة للبنك الدولي استثمرت ثلاثة مليارات دولار في المنطقة منذ بدء انتفاضات الربيع العربي.

وبدلا من تسليم مبالغ كبيرة من المال للحكومات ركزت المؤسسة على تقديم قروض واستثمارات في الاسهم وخدمات استشارية لشركات خاصة مع تركيز خاص على المشروعات المتوسطة والصغيرة التي توفر فرص عمل.

وأعلن هذا الشهر عن خطة تمويل بقيمة 3.7 مليار دولار ستمكن شركة تكرير مصرية من بناء مصفاة على مشارف القاهرة. وتشمل الصفقة التي رتبتها شركة القلعة صناديق استثمار مباشر والحكومة المصرية وقطر للبترول بنوكا متعددة الجنسيات.

وفي نهاية الامر يقول المحللون إن تحتاج دول الربيع العربي ستحتاج لإيجاد السبل لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة لسد الفجوة الناتجة عن عدم تلقي المساعدات الأجنبية.

رويترز

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.