معالم السويد

بين الزنازين وغرف التعذيب.. جولة في حقبة من تاريخ السويد القريب

: 2/29/24, 3:01 PM
Updated: 3/1/24, 6:04 PM
السجن الذي تحول إلى متحف Foto: Alkompis

الكومبس – خاص: قد يكون من الصعب اليوم تخيل وجود سجن في السويد، كان بالأمس القريب، يضم إلى جانب المجرمين سجناء رأي من سياسيين وكتاب ورسامين وصحفيين، ومن الصعب تخيل الظروف التي كان يواجهها السجناء من تعذيب وعزل ومحاكم قاسية وربما غير عادلة، مع أحكام تصل إلى عقوبة الإعدام.

يقع السجن الذي تحول إلى متحف وفندق للمبيت، على جزيرة Långholmen القريبة من وسط العاصمة، وهي إحدى الجزر التي تشكل أرخبيل ستوكهولم.

كثير من زوار وسكان العاصمة، ربما لا يلاحظون وجود هذا السجن، وهم في سياراتهم يقطعون جسر Västerbron مباشرة بين منطقة Södermalm ومنطقة Kungsholmen رغم الأسوار الحجرية العالية التي تحيط بأراضي السجن ومبانيه.

خلال عطلة نهاية الأسبوع قررنا الذهاب إلى هذا المكان الذي يتحدث عن جانب مهم من تاريخ السويد قبل تبنيها الديمقراطية، وقبل أن تفك الحظر عن الحريات السياسية وحريات التعبير والصحافة. اليوم يختار عدد من السويديين المبيت في زنازين السجن التي تحولت إلى غرف فندقية، لعل هذا الخيار يجعل نزلاء الفندق الحاليين يشعرون بجزء بسيط مما كان نزلاء السجن السابقين يشعرون به، مع فارق كبير عندما يعرف نزيل الفندق أن ليلته قصيرة، يمكنه المغادرة في الصباح، فيما كان نزيل السجن لا يملك كثيراً من الأمل بالقدرة على التفكير بمغادرة زنزانته.

ما تهم السجناء السياسيين الذين كانوا يقضون هنا عقوباتهم؟

يجيب صديقنا السويدي جبريل المطلع على التاريخ السويدي والذي رافقنا في الجولة “منذ وقت ليس ببعيد كانت السويد دولة غير ديمقراطية وكانت تمنع ممارسة أشكال مختلفة من السياسة، هنا كانت السلطات تضع سجناء سياسيين مثل الاشتراكيين والفوضويين والمثقفين الذين يشكلون خطراً على النظام، وكذلك الكتاب والنشطاء النقابيين والمعارضين للملك السويدي وبالطبع كانوا يتعرضون للتعذيب”.

تم إغلاق سجن Långholmen نهائياً في العام 1975، فيما كان السجن موجوداً منذ العام 1818 وخلال الفترة من العام 1874 إلى 1920 شهد السجن عدة أعمال بناء لتوسيعه، حيث تم بناء مباني للزنازين والمرافق الأخرى، وكانت منازل الحراس والموظفين قريبة من السجن، إضافة إلى جدار السور وبرج للحارس لا يزال موجوداً.

كما كان يجري تحديث وإصدار قوانين وأحكام جديدة منها قانون العام 1841 الذي أقر نظام الزنازين والعزلة، للحفاظ على فصل السجناء والسماح لهم بالتفكير في جرائمهم. مع الوقت تبلور مفهوم الأشغال الشاقة حيث يأخذ السجان المجني عليهم للعمل على سبيل المثال في تقطيع الحجارة أو القيام بأعمال شاقة أخرى، وكان السجناء يقيدون بالسلاسل، ويُمنعون من التحدث مع بعضهم. كانت الحياة في سجن Långholmen صعبة وثقيلة ومملة. كان الطعام بسيطاً والظروف السيئة، يقول لنا جبريل ويستشهد بمقتنيات وأماكن السجن الذي أصبح جزء منه متحفاً يزوره الناس للاطلاع على جزء من تاريخ السويد.

لا انتقاد للملك

جولة في أروقة المتحف، ومشاهدة الصور والمدونات، يمكن أن تعطينا فكرة عن عديد من السجناء الذين كانوا من المجرمين، مثل القتلة أو اللصوص أو قطاعي الطرق. بجانب بعض صور المجرمين الذين نُفذ بهم حكم الإعدام بقطع الرأس أو بالشنق يوجد صور لضحاياهم أيضاً، مع نصوص تتحدث عن سير المحاكمات وقرارات الإدانة، لكن هناك عدد لا بأس به من السجناء السياسيين أيضاً.

في السويد، على سبيل المثال، كان محظوراً توجيه أي انتقاد علني للملك، هذه كانت تهمة كفيلة بأن تؤدي بصاحبها إلى السجن. إدانة عدد من السجناء كانت بسبب نشاطهم، مثل الدعوة والتحريض على عدم الانخراط بالجيش أو دعمه، أو لأنهم صحفيين نشروا ما لا يروق للحكومة.

العديد من السياسيين الاشتراكيين والاشتراكيين الديمقراطيين كانوا بين السجناء السياسيين، مثل Hjalmar Branting زعيم حزب الاشتراكيين الديمقراطيين، وعضو البرلمان الاشتراكي الديمقراطي Zeth Höglund والكاتب Johannes Sköld والناشر Axel Holmlund وكذلك المفكر الذي استقدم الفكر الاشتراكي الديمقراطي إلى السويد August Palm.

التعذيب كان شائعاً أيضا في السجون السويدية، وبقي العمل بعقوبة الإعدام في السويد حتى العام 1921 ووفقًا للقانون الذي وُضع العام 1734 فإن هناك 68 شكلاً من أشكال الجريمة يمكن أن تؤدي إلى عقوبة الإعدام. وكانت طرق الإعدام الأكثر شيوعاً تتم بواسطة قطع الرأس أو الشنق.

حسب العديد من الوثائق كانت عقوبة الإعدام تنزل على جرائم مثل القتل، أو العنف، أو السرقة الجسيمة، أو سفاح المحارم، أو الخيانة. كانت عمليات الإعدام في السويد علنية أيضاً، وتتم أمام الجمهور، في ساحات المدن العامة أو في الأماكن المفتوحة خارج المدن.

ولكن بسبب التنفيذ الفاشل لعملية الإعدام بحق السارق كونراد تيكتور في العام 1876 عندما توتر الجلاد ولم يستطع قطع رأس المحكوم عليه إلا بثلاث ضربات، غيرت السلطات هذا العرف، وقدمت قاعدة جديدة تنص على أن عمليات الإعدام يجب أن تجري بدلاً من ذلك في منطقة السجن مع عدد محدود من الجمهور.

آخر المعدومين

آخر عملية تنفيذ لحكم بالإعدام حصلت في السويد كانت في سجن Långholmen في العام 1910 عندما تم إعدام ألفريد أندر بالمقصلة في ساحة السجن، الجاني قتل أمين صندوق خلال عملية سطو، ووجدت الشرطة في حقيبته آثار دماء و4500 كرون أي حوالي 190 ألف كرون بعملة اليوم، رفض الاعتراف، ولكن نُفذ حكم الإعدام به.

آخر شخص حُكم عليه بالإعدام في السويد، هو محمد بك هاجي لاتشي وهو روسي مسلم، وكان ضابطاً سابقا في الجيش القيصري الروسي، وأدين بالتجسس وبقتل عدد من الشيوعيين شمال ستوكهولم، بعد أن نظم هو وآخرون من روسيا خلية بعد الثورة البلشفية في العام 1917 مهمتها التجسس ومتابعة الشيوعيين، لكن عقوبة الإعدام خففت وتحولت إلى السجن مدى الحياة، حيث فارق الحياة في سجن Långholmen العام 1929.

ننصحكم بزيارة المتحف بأوقات فراغكم، على العنوان Långholmsmuren 20, 117 33 Stockholm المكان وسط منطقة طبيعية جميلة وقريبة على وسط ستوكهولم.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.