صدى التفاعل مع الحراك العربي في المدن السويدية

: 11/5/19, 5:07 PM
Updated: 11/5/19, 5:07 PM
عدسة: عمار سعد
عدسة: عمار سعد

الكومبس
– تحقيقات: إلى أي مدى يمكن أن تساهم وتساعد الجاليات العربية الموجودة في السويد،
ودول الاغتراب الأخرى في دعم وتأييد مطالب المتظاهرين في شوارع عدة مدن عربية؟
خاصة العراقية واللبنانية؟

وهل تفهم وتضامن الشارع السويدي مهم، في توجيه الحكومة السويدية نحو تكوين رأي عام دولي يساعد هو الآخر على تحقيق مطالب المتظاهرين؟
أغلب أفراد الجاليات العربية في السويد، تؤيد على الأقل حق الناس في التظاهر والضغط على الحكومات لتحقيق مطالب عادلة لها علاقة بمكافحة الفساد ومنح المزيد من الحريات، ولكن بالمقابل هناك من يتخوف ويتحفظ من استخدام الفوضى لتقويض الدولة وإضعاف المؤسسات، وهذا ما تستفيد منه جهات تريد تغيير أنظمة الحكم لصالح أجنداتها الخاصة.
من هنا يطالب العديد ممن يحرصون على أن تؤدي الاحتجاجات أهدافها إلى تقديم بدائل ووضع برامج تضمن إحداث تغييرات جوهرية وإعادة البناء دون اللجوء إلى الهدم. ولعل تواصل المحتجين وقياداتهم في الداخل مع الجاليات في دول العالم قد يقوي فرص وجود بدائل وبرامج مدعومة بدعم من الرأي العام الدولي غير المنحاز إلى أجندات إقليمية، حسب رأي البعض، ممن يعولون على دور الجاليات المغتربة.

هتافات لإسقاط أنظمة عربية من مدن سويدية

عدسة: عمار سعد

تعلو الهتافات، في هذه الأيام، التي تنادي بإسقاط أنظمة عربية من وسط شوارع وساحات
مدن سويدية، يسأل أحدهم: هل من المعقول أن نسقط نظاما عربيا من ستوكهولم؟ وهل فعلا
تساهم مظاهرات الجالية العراقية أو اللبنانية في السويد برحيل الطبقة الحاكمة في
بغداد أو بيروت؟ ويرد عليه أخر: ماذا نفعل إذا، ونحن نشاهد ما يجري في بلداننا
الأم، ولا نستطيع أن نقدم شيء؟ هل نجلس في بيوتنا ونتفرج فقط على الناس التي تتحدى
وتخرج للتعبير عن غضبها وسخطها من هؤلاء الحكام الفاسدين؟
حوار قصير قد يختزل شعور الآلاف بل عشرات الآلاف من أبناء الجاليات العربية التي
تشهد الآن حراكا شعبيا أو اضطرابات ومعارك داخلية.
إلى جانب هذا الحوار، هناك رسالة وصلتنا من فتاة عراقية تطلب منا الإعلان عن
مظاهرة في مدينة سويدية صغيرة، تقول الفتاة إنها هي ومجموعة معها، تريد تنظيم وقفة
احتجاج على ما يجري في بلدها العراق، وإنها استحصلت على إذن من الشرطة باسمها، لأنها
أتمت سن 18 عاما.
اللافت من هذه الرسالة أن هناك جيل كامل نشأ في السويد، إما لم يرى وطنه الأم أبدا،
أو كان يزوره كسائح في العطل المدرسية، ومع ذلك أثبت هذا الجيل أنه يشعر بالانتماء
وأظهر واجب المشاركة في دعم وتأييد المحتجين في بلد سمع عنه أكثر مما رآه وعاش
فيه.

فرض الطائفية كمنهج سياسي
سمة مشتركة بين العراق ولبنان

هناك أيضا من يرى في تزايد وتيرة الاحتجاجات في المدن العراقية واللبنانية في آن
واحد فرصة للمقارنة، ليس في شكل الاحتجاجات وطريقة التعبير التي تفرضها خصوصية
وظروف كل بلد، ولكن في النموذج الطائفي المتشابه الذي فرض على البلدين، في فترتين
متباعدتين، ويحاولون الآن فرضه وتكريسه على دول أخرى مثل سوريا وغيرها.
في لبنان فرض الاستعمار الفرنسي مفهوم
“الصيغة اللبنانية” على نظام الحكم، ومع أن هذا الاستعمار غادر لبنان منذ
اربعينيات القرن الماضي لاتزال الطبقة الحاكمة متمسكة بهذه الصيغة التي تكرس
الطائفية حتى في طريقة الانتخابات وتحديد المناصب والوظائف الحكومية الرفيعة.
ما خلفه الاستعمار الفرنسي في لبنان وضعه الغزو الأمريكي في العراق، قبل رحيله، لتصبح
الطائفية منهج وطريقة حكم.
في كلا البلدين لبنان بنظامه الطائفي “العريق” والعراق بنظامه الطائفي
الحديث.
ولكن نجد الآن أن الشعب في العراق توحد بكل مكوناته ضد عدو واحد اسمه
“الفساد” تماما كما توحد الشعب في لبنان ضد نفس العدو أو الآفة التي
اسمها الفساد.
قضية الفساد التي لا يمكن تخيل حجمها وتأثيرها عادت لتوحد جميع مكونات الشعب تحت
راية التصدي لها واسقاط رموزها. وهذه أهم ميزة مشتركة بين لبنان والعراق وما يحدث
بهما الآن.

الجاليات المغتربة تقدم نموذجاً مغايراً
لتكرّس الطائفية في بلدانهم الأم

من هنا يرى البعض أن على أفراد الجاليات المغتربة تقع مسؤوليات كبيرة في تقديم
نموذج مغاير للطائفية المكرسة سياسيا في بلدانهم، إذا أردت هذه الجاليات أن تستفيد
من البيئة السياسية في بلد مثل السويد. خاصة بما يتعلق بمفهوم المواطنة.
وهذا ما لمسناه فعلا من تجسيد لمعاني الوحدة الوطنية من خلال فعاليات الجاليتين
اللبنانية والعراقية، هنا في السويد، وربما في بلدان أخرى. وهذا يبشر بأن النموذج
الطائفي السيئ في البلدان الأم والذي فرض من قوى خارجية، لا يمكنه أن يؤثر على
الجاليات في السويد والخارج عموما.

مظاهرات واحتجاجات المغتربين والشارع
السويدي

وهكذا اعتاد سكان المدن السويدية الكبيرة، في الأيام الأخيرة، على مشاهدة والمرور
بجانب متظاهرين وأشخاص محتجين يصرخون ويرددون شعارات غاضبة، ويحملون لافتات
وأعلام، تثير فضول بعض المارة، وتساؤلاتهم عن هوية المتظاهرين ومطالبهم. خاصة أن
الشعارات وصرخات التنديد تردد بلغة أو لغات غير واضحة للسويديين، ومن قبل أشخاص
بملامح شرقية.
مشاهد المظاهرات بهتافات وملامح وكتابات غير سويدية، مشاهد ليست جديدة، على السويديين.
وهم أو الأغلبية منهم لا يبدون بالعادة أي انزعاج أو تذمر مما يسمعونه ويشاهدونه،
ومنهم من كان يشعر بالتضامن مع مظاهرات نظمها اللاجئون الأوائل من تشيلي ومن بعض
الدول الافريقية واللاتينية والعربية.

تضامن السويديين مع
القضايا الدولية لم يعد كما في السابق

ولكن يمكن القول إن شعور المجتمع السويدي بالتضامن مع قضايا التحرر الدولية لم يعد
مثل السابق، عندما كنا نرى شبان وشابات وعائلات مع أطفالهم يهتفون وباللغة
السويدية، جنبا إلى جنب مع أفارقة ينددون بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا أو
مع فلسطينيين وعرب يهتفون ضد الاحتلال وممارساته، ولعل أكبر المظاهرات التي شارك
بها السويديين، في العشرين سنة الماضية، كانت قبيل الغزو الأمريكي للعراق العام
2003 وأقل عدد منها بقليل كانت مظاهرة ضخمة خرجت بشكل عفوي تقريبا بعد تعرض غزة
للقصف في 2008 .
نعم شعور السويديين أو الأوربيين إجمالا بالتضامن مع قضايا الشعوب الأخرى قد قل
فعلا، مع انحسار تأثير اليسار السياسي في العالم ومع صعود اليمين الشعبوي الذي وجه
اهتمامات الطبقة الوسطى نحو القضايا الداخلية، وغيب بشكل كبير مفهوم “التضامن
الأممي” لصالح مفاهيم التعصب القومية.

تحسين استخدام المظاهرات
والاحتجاجات لتصبح أداة أكثر فعالية

لعل
الجاليات العربية المعنية بحاجة الى تنظيم نفسها بشكل أفضل، وتوحيد شعاراتها
وترجمتها الى السويدية، واختيار شخص أو أشخاص يتقنون اللغة السويدية بشكل جيد
لمخاطبة المجتمع الذي نعيش به. ويفهم على الأقل لماذا نحن نحتج وضد من وماذا نريد،
خاصة أن الخطابات الموجهة للخارج مهمة، وليست بالضرورة ان تكون مطابقة لما يرددها
المتظاهرون في البلدان الأم.
مسألة التضامن الدولي مع أي قضية عادلة مسألة مهمة، والشارع والمظاهرات ووقفات
التنديد والاحتجاج والفعاليات الشعبية الأخرى هي أداة فاعلة في الدول الديمقراطية
إذا أحسن استغلالها وتوظيفها.

مشاركة أبناء الوطن الأم
في الحفاظ على أهداف الحراك الشعبي

اللبنانيون
والعراقيون وبقية الجاليات العربية في السويد، يشاركون بكل تأكيد بصناعة الحدث
أيضا وبإيصال أصوات السخط والغضب من تفاقم الفساد، إلى كل العالم. أصوات السخط
والغضب هي من وحد العراقيين بطريقة فاقت توقعات من حاول تفرقتهم وزعزعة وحدتهم
الوطنية المستمرة منذ مئات بل آلاف السنين، وفاقت توقعات من أراد تحويل شعب عريق
لديه الموارد وموروث حضاري وثقافي عميق وأعلى نسب تعليم في المنطقة، إلى مجرد
مكونات طائفية واثنية تتبع شيوخ عشائر ورجال دين متحالفين مع رجال سياسة فاسدين.
هذا السخط هو نفسه من أعطى اللبنانيين أيضا الأمل بتمزيق الصيغة الطائفية التي
رسمها لهم المستعمر.
هنا في السويد لدينا كجاليات الكثير مما يمكن أن ننقله ونحمله معنا إلى أوطننا الأم
عدا الحنين والشوق الى حكايات الماضي، هناك خطط وآمال المستقبل التي يمكن للجاليات
أن تشارك أبناء الوطن الأم في صنعها، والأهم المشاركة في الحفاظ على أهداف الحراك
الشعبي والحرص على عدم خطفه وتوظيفه من قبل جهات خارجية، كما حدث في دول عربية
وغير عربية أخرى.

قسم التحقيقات – الكومبس

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.