الكومبس – لقاء: نبيل قسيس عازف قانون متمرس وموسيقي محترف من سوريا، كان أحد أعضاء الفرقة الموسيقية للمطربة ماجدة الرومي لمدة 5 سنوات، وكذلك المطرب صباح فخري والعديد من المطربين المعروفين، كما كان مدرّساً للعزف على آلة القانون في المعهد الموسيقي في حلب، ومايسترو لفرقة موسيقية تقدم الموشحات والعروض التراثية على المسارح السورية كما مثّل سوريا في عدة مهرجانات موسيقية في الجزائر وتونس والإمارات العربية المتحدة، وبثّت قناة تلفزيون المستقبل اللبنانية حلقة مباشرة لإحدى حفلاته في عام 2009.

ليس هذا وحسب كان لديه ورشة لصناعة آلة القانون
يتهافت عليها المهتمون بشراء هذه الآلة ويضطرون للانتظار في طابور طويل قبل الحصول
على آلتهم.

اندلعت نيران الحرب في سوريا لتبدل حياة
الكثيرين وتغير مسار طموحاتهم ومستقبلهم، بالنسبة لنبيل كان قرار الهجرة من بلده
سوريا صعباً للغاية وقد انتظر طويلاً عسى أن تنتهي الحرب بسرعة لكن للأسف لم تنته،
ونبيل فنان يتنفس عشق الموسيقى، وكيف يمكن للموسيقى أن تزدهر تحت وقع الرصاص
والقذائف؟

جاءت الفرصة التي شكلت نقلةً نوعية في حياة الفنان نبيل قسيس وهي
دعوة لإحياء حفل موسيقي في باريس، من هناك شق نبيل طريقه للسويد وتقدم بطلب لجوء
وحصل على الإقامة لتبدأ حياته من الصفر.

“لم يكن سهلاً أن أبدأ من الصفر”

يحكي نبيل عن تجربته في الحياة بالسويد وكيف
تمكن من الحصول على العمل فيقول لـ “الكومبس”: إن هاجس تعلم اللغة
السويدية كان يرافقني منذ بداية قدومي وأدركت أن تعلم اللغة شيء أساسي للاندماج في
المجتمع الجديد وفهمه والعثور على مفاتيح الأبواب المغلقة لذلك وضعت كل جهدي
وتركيزي على إكمال دراستي بعد مرحلة الأسفي وتمكنت من إنهاء دراسة اللغة السويدية
للمرحلة الثانوية (ساس3) وبدرجة( A) جنباً
إلى جنب مع اللغة الإنكليزية وذلك ضمن مرحلة خطة الترسيخ.

لم يكن أمراً سهلاً بالنسبة لي أن أبدأ من الصفر بتعلم لغتين جديدتين
معاً خاصة وأني كنت أتقن الفرنسية كلغة ثانية في بلدي الأم وليس الإنكليزية ولم
أهمل في نفس الوقت آلة القانون التي أعشقها وقد شاركت في العديد من الحفلات
والمناسبات في السويد مع مغنّيين وعازفين سويديين حيث قمنا بإحياء حفلات في أكثر
من ثلاثين كنيسة في كل أنحاء السويد بالإضافة إلى
(Moriska Paviljongen, Palladium.) ومشاركات مهمة
في مهرجانات يوتوبوري.

وفي إحدى الحفلات تعرفت على مديرة المعهد الموسيقي بمدينة ( Eslöv ) ودعتني للمشاركة في إحدى نشاطات المعهد
بالعزف المنفرد على آلة القانون.

أثارت هذه الآلة انتباه الجمهور الذي كان مؤلفاً بمعظمه من أساتذة
موسيقى وطلاب وأهالي سويديين وأعجبوا بشدة بالعزف والألحان وانتابهم الفضول لمعرفة
المزيد عن هذه الآلة الفريدة.

مديرة المعهد تحمّست بدورها وأحبت ردة فعل الجمهور وهنا انتهزت
الفرصة واقترحت عليها أن أعمل كمدرس للموسيقا لأني لاحظت أن الطلاب في هذا المعهد
وكذلك في معظم المدن السويدية لا يحظون بالوقت الكافي للتدريب حيث كل طالب يحق له
ثلث ساعة تدريب مرة في الأسبوع فقط وهو برأيي لا يكفي أبداً ليتدرب الطالب ويطور
مهاراته في العزف.

المديرة اقتنعت جداً بكلامي ومنحتني فرصة العمل كمدرس لمادة الموسيقى
النظرية وكانت مدة عقد عملي مبدئياً سنة. كانت سنة مثمرة جداً بذلت فيها أقصى جهدي
في تعليم الطلاب النوتة الموسيقية ولم أتوانى عن المشاركة بأي مجهود ضمن المركز
الثقافي حتى لو لم يطلبوا مني ذلك فمثلاً قمت بتنفيذ ديكور المسرح لعدة حفلات
موسيقية وقد لقي ذلك استحساناً كبيراً لدى الموظفين جميعهم هناك.


لم أكن أتوقع الحصول على عمل في السويد بمجال الموسيقى”

في الحقيقة لم أكن أتوقع أن أحصل على عمل في مجال الموسيقى يمكنني أن
أعيل نفسي منه كلياً هنا في السويد حيث معظم العازفين المحترفين لديهم عمل أساسي
آخر ويعملون بالموسيقى بدوام جزئي فقط، وقد حاولت بالفعل البحث عن عمل آخر و هيأت
نفسي لذلك لكن هاجس الموسيقى وآلة القانون كان لا يفارقني و كنت أشعر أن الحياة
الموسيقية في السويد بحاجة للمزيد من الانتعاش و الاهتمام وكان حلمي أن أرى
السويديين يقبلون على تعلم العزف على هذه الآلة لذلك تجرأت بأخذ المبادرة التالية
و تقدمت خطوة بعد تقاعد مديرة المركز الثقافي و استلام مدير آخر لمنصبها كان على اطلاع
مسبق بما أنجزته في المركز الثقافي من قبل تسلمه لمنصبه وعند قرب انتهاء عقدي طلبت
أن ألتقي به وقلت له أني أطمح لأعمل في تدريس الموسيقى عملياً وليس نظرياً فقط
خاصة أن العديد من الطلاب قد طلبوا مني أن يبدلوا تعليمهم على آلاتهم الموسيقية
كالجيتار و الكمان لكي يتعلموا العزف على آلة القانون لذلك طلبت منه بشكل مباشر أن
أبدأ العمل كمدرس عزف وليس فقط نوتة وبالتحديد على آلة القانون.

لم يوافق مباشرةً ولكنه وعدني بالتفكير بالأمر
لأنه ليس قرارا سهلاً وليس وحده من يبتّ به فهناك إدارة عليا وسياسيين يجب أن
يمنحوه الموافقة على هذا المشروع. لقد كنت مقدّراً لذلك وأدركت أنه ليس سهلاً
أبداً أن تتم الموافقة على فتح دورات لتعليم العزف على آلة موسيقية غريبة وجديدة
كلياً على السويد لكني كنت مصرّاً على إقناعه ودارت بيننا نقاشات كثيرة لفترة
طويلة إلى أن وافق على منحي العمل الذي أريده ولكن بدوام جزئي فقط 20بالمئة وطلب
مني أن أتدبر أمر إحضار آلتي قانون مبدئياً ثم ننتظر ونرى الإقبال على الدورات.

لكني رفضت وقلت له إمّا أن أكون مدرسّاً بدوام كامل أو لا أريد أي
شيء، ولأقنعه أكثر شرحت له الكثير عن آلة القانون فهي ليست آلة تراثية تقليدية تخص
بلداً محدداً إنما هي آلة أساسية في دول عديدة وليست فقط أهمّ آلة في الموسيقى
العربية إنما هي آلة معروفة في إيران وتركيا وشرق آسيا وأيضاً اليونان، واسمها
القانون لأنها تشمل جميع قوانين الموسيقى وفي نهاية شهر تموز هذا العام جاءت
الموافقة أخيراً على طلبي و أصبحت المدرّس العربي الوحيد الذي حصل على عمل كمدرس
موسيقى في المركز الثقافي في ( Eslöv ) بدوام كامل.

وقد جرى تعديل على موقع الانترنيت الخاص بالمركز الثقافي وأصبح
بالإمكان تقديم طلب للتسجيل على دورة تعليم العزف على القانون عبر هذا الموقع
وبدأت فعليا” بتدريس بضعة طلاب سويديين لكني أطمح أن يأتي أيضاً طلاب عرب
وحتى من أية جنسية أخرى وأعتقد أنها فرصة ذهبية للطلاب العرب بالذات أن يتعلموا
العزف على آلة من تراثهم ويهتموا بالموسيقى الشرقية مثل اهتمامهم بتعلم اللغة
العربية.

دعوة
لتعلم العزف

– مبادرة ملفتة أخرى قمت بها وهي اقتراح
فتح الدورات ليس فقط لكل من يسكن في البلدية وإنما لكل من يرغب أن يتعلم أولاده
العزف في مقاطعة سكونة وليس صعباً الوصول إلينا فمقرنا قريب جداً من محطة القطار
والمدينة آمنة تماماً أرجو أن يرسل العديد من أبناء الجالية العربية أولادهم لكي
يتعلموا العزف ويكونوا على إطلاع بتراث الموسيقى العربية الغني والموسيقى تهذب
الروح وترتقي بالإنسانية و تملأ فراغ أبناءنا بشيء قيّم و مفيد.

نبيل الموسيقي الحالم والطموح وأيضاً المجتهد
يحلم أن يتمكن من تعليم أكبر قدر ممكن من الطلاب العزف على آلة القانون وأن يتابع
جيل آخر من بعده تعليم هذه الآلة للأجيال الأخرى هنا في السويد.

نبيل قسيس في سطور

الفنان
الموسيقي (نبيل قسيس): هو من مواليد سوريا / حلب (21 / 7 / 1976)، خريج المعهد
المتوسط الهندسي بجامعة حلب اختصاص (إلكترون)، درس العزف على القانون على يدي الأستاذ
(صافي زينب) والأستاذ (حسان تناري)، والقواعد النظرية والشرقية على يد الأستاذ
(نوري إسكندر)، وذلك بعمر الثالثة عشر، وعندما أتم الثامنة عشر انتسب لنقابة
الفنانين عام (1994)، وتابع خلالها تطور موهبته وتقنياته في العزف، و بعدها درَّس
في معظم معاهد الموسيقى في حلب.

شارك بالعزف مع
عدد كبير من الفنانين السوريين، وعلى رأسهم صناجة الغناء العربي (صباح فخري)،
وأيضاً عزف مع السيدة (ماجدة الرومي)، ولمدة خمس سنوات، وإلى جانب العزف على آلة
القانون، بدأ أيضاً بصناعة آلة القانون، وانتشرت آلته في أغلب البلدان العربية والأجنبية،
واقتناها نخبة من عازفي القانون في العالم العربي.

أسس فرقة
لإحياء التراث الموسيقي الغنائي، وشاركت فرقته في الكثير من المهرجانات المحلية
والدولية مثل: المهرجان الدولي للمألوف في (سكيكدة)، حفل افتتاح مؤسسة (التوثيق
والبحث في الموسيقى العربية) في لبنان، مهرجان الموسيقى الأندلسية والموسيقى
العتيقة في (الجزائر) في عام (2008)، ومهرجان التنمية المدنية في لبنان في كل من
(صيدا، طرابلس، وبيروت).

حصل على العديد
من الشهادات التقديرية منها: شهادة شرفية، تحت الرعاية السامية لمعالي وزيرة
الثقافة، والسيد والي (ولاية سكيكدة) في الجزائر عام (2008)، شهادة تقدير من
الدكتور المايسترو (سليم سروة).

لينا أبو أسعد