المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: في خطوة غير تقليدية تعبّر عن روح جديدة في بناء الشراكات النوعية، يستعد مجلس القضاء الأعلى في العراق لإطلاق تعاون مهم مع المؤسسة الإسكندنافية للتطوير والتدريب، من خلال برنامج مجتمعي تدريبي وتأهيلي سينطلق قريباً في مدينة الموصل، ويستهدف بشكل مباشر صنّاع المحتوى وناشطي وسائل التواصل الاجتماعي.

البرنامج، الذي يحمل عنوان “من التأثير السلبي إلى التغيير الإيجابي”، ينطلق تحت شعار: “معاً نحو إعلام رقمي ينهض بالوعي، ويصنع فرقاً”. ويُقام خلال الفترة من 21 إلى 28 أبريل الجاري، بمشاركة فعالة من جهات رسمية وأكاديمية ومدنية: محافظة نينوى، مديرية أمن نينوى، رئاسة محكمة استئناف نينوى، جامعة الموصل، جامعة نينوى، مستشفى الحياة الدولي، مؤسسة الخيمة للتنمية وبناء السلام، والمؤسسة الإسكندنافية للتطوير والتدريب، ومقرها السويد.

هذا التعاون يحمل أبعاداً تتجاوز التدريب التقليدي، فهو يعكس إيماناً عميقاً بأهمية إعادة بناء المنظومة القيمية والإعلامية في المدن العراقية التي مرّت بتحديات وجودية، كالتي واجهتها الموصل. الفكرة لا تقتصر على تطوير المحتوى الرقمي فحسب، بل تتجه نحو خلق تحول جذري في طريقة التفكير، انطلاقًا من مبادئ العلاج المعرفي السلوكي (CBT)، وترسيخ مفاهيم مثل التفكير النقدي، والشك البنّاء، وتحفيز الإبداع، بدلاً من الانسياق خلف الموروثات المعوقة.

المؤسسة الإسكندنافية، التي تشرف على البرنامج، ليست جهة تدريبية تقليدية، بل منصة فكرية ومهنية متخصصة بتطوير الأفراد والمؤسسات، ترتكز على علم النفس السلوكي والمعرفي، ومناهج التنمية المستدامة. ما نقوم به هو أكثر من تعليم مهارات، إنه استثمار في إعادة تشكيل الوعي الجمعي، خصوصاً في المدن الخارجة من محن اجتماعية وأمنية عميقة.

خطوة أولى في رحلة طويلة

إن الهدف الأساسي من هذا المشروع هو دعم صنّاع المحتوى الذين يفتقرون إلى التوجيه أو يقدمون محتوى سطحياً أو سلبياً، من خلال مساعدتهم على التحول إلى أدوات تغيير فعالة، قادرة على إنتاج محتوى يحمل رسالة، يعزز الذوق العام، ويستنهض قيم المجتمع الموصلي العريقة.

البرنامج أيضاً يسلط الضوء على أهمية ربط الطاقات العراقية في المهجر بوطنها الأم. لقد آن الأوان لأن تتحول الخبرات المتراكمة في بلدان المهجر، مثل السويد والدول الإسكندنافية، إلى مشاريع ملموسة على الأرض، تنقل الحداثة العلمية والرؤى النفسية المتقدمة إلى بيئاتنا المحلية بطريقة تحترم الثقافة وتحفّز النمو.

الموصل اليوم لا تحتاج فقط إلى إعادة إعمار الحجر، بل إلى إعادة بناء الإنسان، والفكر، واللغة، والرسالة.

هذا البرنامج قد يكون خطوة أولى في رحلة طويلة، لكنه بالتأكيد يحمل أملاً كبيراً، ورسالة مفادها: أن التنمية تبدأ من العقل، والتغيير يبدأ من الداخل.

فاروق الدباغ

استشاري العلاج المعرفي السلوكي