المسلمون في السويد بخير.. ولكن لحظة!

: 7/3/23, 4:39 PM
Updated: 7/3/23, 4:39 PM
المسلمون في السويد بخير.. ولكن لحظة!

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

إلى مسلمي العالم.. اطمئنوا .. مسلمو السويد بخير .. يُقيم من أراد منهم صلاته، ويحتفل من أراد منهم بأعياده، ويتلقون التهاني من بعض المسؤولين بين الحين والآخر، وهم كباقي مكونات المجتمع جزء لا يتجزء من مجتمعهم السويدي العام. وإن عكّر احتفالاتهم بعض المهووسين بتصرفات عنصرية نكراء، فلن يستطيع بخبث تصرفاته إلا أن يثير إن أثار زوبعة في فنجان سرعان ما تنتهي بحكمة العقلاء من أبناء المجتمع على تنوع أصولهم وثقافاتهم. كما تتحطم غيرها من أفعال الكراهية ورفض الآخر على صخرة التعاون المجتمعي بين أبناء المجتمع الناضجين ومؤسساته الراسخة الواعية التي تهتم بنشر مزيد من روح التسامح والتعايش بين فئات مجتمعنا السويدي الديمقراطي على تنوع أصولنا وثقافاتنا.

وما أكثر التجمعات والصلوات والحفلات التي أقيمت وتقام في أجواء صيفية مُشمسة وطبيعة خلابة مُبهجة، تحت رعاية البلديات وتنظيم الجمعيات حتى وصل بعض صلوات العيد في أحد الحدائق العامة لأكثر من 20 ألف مُصلٍ من أصول مختلفة في الهواء الطلق. وما صلاة الجمعة التي أقيمت أمام البرلمان اعتراضاً على السماح بإهانة المواطنين المسلمين في أعظم أيامهم يوم عيدهم الأكبر عن مجتمعنا السويدي ببعيدة. أُقيمت الصلوات في أجواء إيمانية آمنة. أدخلت الفرح والسرور على جميع المشاركين من المُصلين ومن ضيوفهم الكرام وإن كانوا على غير ملتهم. لقد أضحى كل من عيد الفطر وعيد الأضحى من الثقافة العامة للمجتمعات الغربية بشكل عام، كيوم رأس السنة الميلادية، وربما يسعد عامة المواطنيين قريباً – حسب مُطالباتهم – بحصولهم على إجازة رسمية لعيد الفطر وعيد الأضحى في القريب العاجل.

المُناكفات الحزبية وتأثيرها على المواطنين

مُجتمعاتنا الغربية تتميز عن غيرها بتعدد الأصول والثقافات، وهو ما يُتيح لنا ما لا يُتاح لغيرنا طالما نبغ ساستنا بحكمتهم الإدارية، وحسن التعاون بين فئات مجتمعتنا الغربية على تنوع أصولنا وتطلعاتنا، حيث يقف الجميع أعزاء على أرض المواطنة التي يتساوى في محيطها الجميع تحت سقف العدالة الدستورية بتطبيقاتها القانونية التي تراعي حقوق الجميع. وإن كان الأمر لا يخلو أحياناً كما يبدو من صراعات ومناكفات حزبية تؤثر بشكل واضح على جميع فئات المجتمع بشكل عام، كما تؤثر على المهاجرين والمواطنين من أصول مهاجرة بشكل أوسع.

فاختلاف المبادئ الحزبية المتبعة أو التطلعات المرجوة قد تؤثر باضطراب مضطرد كما هو مُلاحظ في الآونة الأخيرة على سياسات الهجرة وحقوق اللجوء في الدول الغربية عامة، وفي مجتمعنا السويدي بشكل خاص. وقد تتغير التشريعات المتعلقة بمصدرية الهجرة أو بنوعيات اللجوء، وما يمكن أن تؤدي إليه تلك التغيرات من ضغوط أشد على فئات المجتمع عامة، والمواطنين من أصول مهاجرة بشكل خاص.

نعم، قد تؤدي تلك الصراعات الحزبية – خاصة حين تظهر للعلن ويتسابق بعض قادتها لإظهار عضلاتهم – إلى مزيد من حالات التمييز والعداء ضد المهاجرين وأصحاب الأصول المُغايرة. وربما تستغل بعض الشخصيات في بعض الأحزاب هذه الأجواء المُلبَّدة بغيوم الصراعات السياسية لتأجيج مظاهر العنف والكراهية، أو للتحريض ضد بعض الأقليات الدينية أو العرقية، مما يؤثر سلباً على بعض الحقوق الأساسية للبعض، أو يزيد الهوة بين فئات المجتمع، أو يوسع من دوائر الانقسامات والتوترات المجتمعية، فتتلاشى أحياناً عندها الجهود المبذولة لتعزيز التفاهم الثقافي والتعايش السلمي المرجو بين أهل الثقافات المختلفة في أوقات نحن جميعاً أحوج ما نكون لتقوية التلاحم الشعبي. ألا فلنحذر الانقسام المجتمعي وما له من أثار سلبية خطيرة على أنماط الجريمة بأنواعها في أوقات نحن جميعاً أحوج ما نكون فيها إلى لم الشمل العام لفئات المجتمع على تنوع تركيباته.

تساؤلات بريئة لمواطن مجروح

لا غرابة حين يبدي أغلب مسلمي العالم احترامهم لرئيس الوزراء السويدي الأسبق كارل بيلد، على ما أبداه من استنكار أكثر من مرة لتكرار نفس الأحداث المُحزنة وما يترتب عليها خاصة في الأونة الأخيرة ، وقد علق مؤخراً بقوله “إن السماح بحرية خرق القانون لإبداء الرأي يبدو ضرباً من الجنون”، مُنتقداً بذلك سماح الشرطة لشخص بإحراق نسخة من المصحف الشريف رغم وجود حظر على إشعال النيران في كامل مقاطعة ستوكهولم.

ولا غرابة أيضاً حين تحصل رئيسة الوزراء السابقة، زعيمة المعارضة الحالية مجدلينا أندرشون على هذه المشاعر الجياشة، وترتفع شعبيتها محلياً بين غالبية فئات المجتمع على تنوع أصولهم، وتتسع شهرتها عالمياً، وتحصل على مزيد من الاحترام لشخصها ولأسلوب إدارتها لسياستها على مختلف المستويات الشعبية والرسمية حين نشرت تهنئتها للمواطنين بعيد الأضحى، كما هنأتهم من قبل في أعياد سابقة.

أما العجب العُجاب فلذلك التصريح المُهين الذي فوجئ به المواطنون المسلمون في أقدس أيام عامهم وأعظمها على الإطلاق، يوم حجهم الأكبر، يوم عيدهم ، هذا التصريح غير المُوفَّق الذي أثار مشاعر ملايين المسلمين عبر العالم حيث قيل “إن حرق المصحف عمل غير مناسب لكنه قانوني”. فإن كان قائله لا يدري فتلك مصيبة، وإن كان يدري فالمصيبة أعظم.

نعم، قد يكون تصريح بعض كبار المسؤولين مبرراً قانوناً بشكل ما من الأشكال، لكن هل وُفِّقَ هذا المسؤول في تصريحه موضوعياً وزمانياً وسياسياً؟ ما نص هذا القانون الذي يسمح بازدراء الأخرين والحض على كراهيتهم؟ متى وُضع هذا القانون؟ ومن وَضعه؟ ومن وما المقصود به؟ ولماذا؟ هلَّا أخرج هذا المسؤول نص ذلك القانون؟ وهل هو قانون قطعي الدلالة أم حمَّال أوجه؟ وهل هذا القانون عصي على التغيير أو التعديل لمراعاة خصوصيات مكونات المجتمع واستقراره خاصة في فترات الأزمات الماحقة التي هي أحوج ما يكون فيها مجتمعنا السويدي إلى الاستقرار بكل فئاته على تنوع أصولنا وثقافاتنا؟

أم أنها رسالة سياسية مقصودة من البعض، إعادة تهجير، إعادة تدوير، بحماية شبه قانونية ورعاية شُرطية مُدججة، ودعاية إعلامية عدائية مُحكمة؟

وهل على كل معترض مغادرة البلاد كما يَصرُخ البعض، أم عليه البحث عن جنسية أخرى، حتى لو كان ذلك المُتضرر من المواطنيين الأصليين للبلد، أو ممن وُلِدَ وترعرع على أرضها ولا يعرف لنفسه ملاذاً غيرها؟ أم كما يراه البعض تقنيناً لطبقية مقيتة، أم هو إعلان فج لعنصرة المجتمع، أم هو فرض للتعايش مع الأمر الواقع؟

لا داعي للقلق

إنها ليست طامة كما يظن البعض، وإن كان الأمر مُقلقاً بشكل ما للبعض.. فديمقراطيتنا السويدية تضمن بحدها الأدنى عبر مختلف مؤسسات المجتمع المدني الحفاظ على الحقوق العامة لجميع فئات الشعب ومكوناته على اختلاف أصولهم وتوجهاتهم.
كل ما نحتاج إليه جميعًا هو مزيد من التوعية بالواجبات والحقوق، مع حسن التواصل، وجودة التعاون، لنصبح جميعاً أكثر فهماً بعضنا لبعض من جهة، وأوسع فهماً للواقع المُعاش بمختلف زواياه واحتياجاته المطلوبة للتطور من جهة أخرى، فنُهيئ معاً بلا تحقيرٍ وبلا استعلاءٍ.. نُهيئ معاً بيئتنا المجتمعية لتتسع لمختلف مصالحنا جميعاً بلا إقصاء وبلا تمييز.

حاجة المجتمع إلى رؤية مُستقبلية مشتركة

إن محاولة فهم الواقع واستشراف المستقبل تستدعي منا جميعاً أن نُكَون تصوراً شاملاً ورؤية متكاملة لما يمكن أن تؤول إليه الأمور، فنحن أحوج ما نَكُون حالياً إلى تشكيل رؤية/منظور مشترك يجمع بين مكونات مجتمعنا السويدي بشكله الحالي مع التركيز على قدرة الخيال السياسي والتأمل العميق فيما يمكن أن تصل إليه الأمور مستقبلاً، وفي ظني أن الفارق بين محاولات النجاح والوقوع في الفشل بين تحقيق الإنجاز والإستسلام للجمود إنما يتوقف أساساً على امتلاك الرؤية أو فقدان بوصلتها، على المستوى الفردي كما على مستوى المؤسسات، فالفارق بين توجه حزب أو آخر كما بين مواطن وآخر هو امتلاك تلك الرؤية الشاملة والنظرة العميقة التي تُضيء الطريق لصاحبها وتسمح له بفهم المتغيرات المجتمعية وما يترتب عليها أو يلزمها.. قبولاً أو رفضاً.

فرغم كل المتاعب والمصاعب التى لا ينكرها إلا مُكابر، يبقى التحدى الجَسور في نفوس أصحاب الهمم العالية هو دعم المواطنين بعدالة على اختلاف أصولهم وثقافاتهم. فدعم المواطن أياً كان أصله بلا تمييز وبلا إقصاء هو عين دعم الوطن ومن أهم الأُسس في تقوية أركان الدولة، وهو أمر ليس سهلاً على الإطلاق، خاصة على أصحاب النفوس الضعيفة أو المتعنصرين المُنكرين للآخر ، المُتعدين على حقوقه، إنها حقًا معاناة، لا ينبغى إغفالها. مُعاناة تستلزم الكثير من التفهم والقدرة على تقديم الحلول وتحمل التضحيات.

إن فهم الواقع بكل زواياه وَوُضوح الرؤية لدى أصحابها هو نتاج لإعمال العقل وبُعده عن الأوهام مع عدم استغراقه في الأحلام، فالرؤية التائهة لا يُستطاع الإمساك بها أو الاسترشاد بمحتواها أو دعوة الآخرين للالتزام بأهدافها. ومن أخطار الرؤى التائهة أنها توسع من الهوة الرمادية التي تؤثر سلباً على جهود المؤسسات التعليمية والتثقيفية والإعلامية والسياسية. هذه المؤسسات المُلقى على عاتقها مراعاة الثوابت لدى مكونات المجتمع حتى تنضبط حريات المرء، فيلزم حده، ولا يتطاول ولا يعتدي على حريات الآخرين.

ما أحوجنا جميعاً إلى التواصل وتبادل الأفكار والتعاون على إنتاج سبيكة مميزة للأفكار والرؤى والأحلام لتوجيه شباب المجتمع نحو مستقبل زاهر أفضل بالمساهمة الحكيمة في بناء بيئة مجتمعية تفاعلية صالحة لاحتواء الجميع على اختلاف أصولهم ومشاربهم وتطلعاتهم، بدلاً من الاستسلام لأحداث الزمن التي تتكرر خلاله نفس الأخطاء تقريباً في كل مرحلة من مراحله، ولنتجنب قدر الإمكان ما يلمسه البعض بين الحين والآخر من تجدد لنفس الصراعات الفئوية والسيناريوهات الحزبية وما لها من تأثيرات سلبية على مكونات المجتمع المختلفة، إذ لا يلدغ العاقل من جحر مرتين.

أفكار مشتركة

قد تكون مثل هذه الأفكار التي نتناقشها حاضرة فى عقول البعض، لكننا جميعاً في حاجة ماسة لمزيد من استيعاب بعضنا لبعض، وتحسين مفهوم الرؤية المجتمعية العامة لدى كل منا. نحن بحاجة إلى بذل مزيد من التوعية والتعليم ففيهما مفاتيح الفرج وبهما تُفتح الآفاق التي قد تغيب عن البعض وتخفى على كثير من الناس في الظروف والأوضاع العادية، وإن أدرك ذلك أهل العقول والنُهى فى إطار الرؤى المدروسة والفهم المشترك .

كما نأمل ألا يستسلم أحدنا للماضي. وأن نأخذ من قصص التاريخ وأحداثه العبرة. وأن نستمد من ماضي مكوناتنا المجتمعية كل ما يُعيننا على مستقبل أفضل للجميع. وأن يتمرد كل منا على متاعبه وألا يُصاب أحدنا بالضعف أو الـلا مُبالاة. فلكل زمان أوانه وأحداثه، ولكل مرحلة رموزها، ولكن تبقى الرؤية الواضحة في نهاية المطاف هي مصدر الإشعاع وشعلة الاستنارة التي تُنير لنا مجتمعين خارطة طريق المستقبل المأمول.

ألا فليستشعر كل مسؤول عنا حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه، وليستشعر كل مواطن منا حجم الدور المنوط به تجاه الآخر.. ونحو المجتمع بمؤسساته، ولنتعاون جميعا على نشر روح التسامح والتعايش السلمي في مجتمعنا السويدي.. فما أحوجنا جميعاً إلى ذلك.

وفي النهاية معاً وبالجميع تصبح السويد أفضل.

طاهر أبو جبل

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.