تحقيق: بريطانيا.. أكبر مركز لغسيل الأموال

: 4/25/22, 7:08 PM
Updated: 4/26/22, 12:57 AM
تحقيق: بريطانيا.. أكبر مركز لغسيل الأموال

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: لعقود ظلت مسالة غسيل الأموال محل جدل وتبادل للاتهامات والتوظيف السياسي في كثير من الأحيان، والحديث هنا عن ما يمكن الاصطلاح على تسميته عاصمة غسيل الأموال في العالم او المركز الأكثر تفضيلا لدى طالبي تبييض أموالهم المكتسبة بطرق غير شرعية، حيث تتداخل أمور مثل السياسة والتنافس التجاري والاقتصادي في توجيه بوصلة الاتهامات الى هذه الدولة أو المدينة أو تلك، وهو ما ساهم بأبعاد المراكز والمواطن الحقيقية لتلك العمليات عن الأضواء كعملية تظليل لا تختلف كثيرا عن عملية التظليل التي تكتنف عمليات الغسيل نفسها للأموال القذرة، وظل الحال هكذا حتى جاءت أزمة أوكرانيا لتتكشف الكثير من الحقائق المسكوت عنها منذ عقود.

عاصمة غسيل المال:

صحيفة فايننشال تايمز نشرت تحقيقًا صحافيا مطولا أثبت ان العاصمة البريطانية لندن اصبحت منذ عقود عاصمة غسيل المال القذر والوجهة المفضلة لطالبي هذه الخدمة من جميع أنحاء العالم.

كشف الصحيفة البريطانية العريقة جاء بعد أن لفتت العقوبات التي تبنتها بريطانيا ضد روسيا لاسيما المالية منها على خلفية أزمة حرب أوكرانيا، وهي العقوبات التي طالت ثروات رجال الأعمال الروس المعروفين بطبقة (الأوليغارشية) وهو مصطلح يطلق على الفئة التي جنت ثروات كبيرة وطائلة خلال انهيار الاتحاد السوفيتي بطرق غير مشروعة، ليتبين أن أولئك بالإضافة إلى مافيات الفساد الروسية ستخذون من لندن وجزر بريطانية أو تتبع بريطانيا ملاذات آمنة لغسل الأموال القذرة.

أضافت فايننشال تايمز أن لندن بقيت لعقود مصدر جذب لأولئك ولغيرهم من طالبي غسيل وتبييض الأموال القذرة بتشجيع من السياسيين البريطانيين ومنهم رئيس الوزراء الحالي بوريس جونسون الذي قال بوضوح حين كان عمدة لمدينة لندن إنه يسعى لجعل المدينة مركزا للأموال والثروات الروسية، وتقول الصحيفة ان الطبقة السياسية البريطانية لم تغض الطرف فحسب عن شبكات وعمليات غسيل المال القذر بل أنها رحبت بها، ويعيد كريس كوك المراسل الرئيسي للصحيفة السبب فيما سماه “سقوط بريطانيا في هذه الحفرة الى أن النخبة الحاكمة في بريطانيا اعتقدت أنه يجب التسهيل على الأعمال بأي ثمن”.

وحتى قبل تحقيق الفايننشال تايمز كانت الضجة الكبيرة قد أثيرت.

آلة إخفاء الثروات

الصحافي البريطاني الشهير أوليفر بولو الذي يكتب عن الجريمة الاقتصادية ومؤلف كتاب (ارض المال، Monuland)، اعتبر “بريطانيا آلة لتلقي الثروة، وإخفاء الثروة، وإدارة الثروة، وتجميع الثروة”.

ويعيد بولو أمر نشأة هذا الفساد إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث لجأت لندن إلى رفع كل القيود المالية لتزدهر الملاذات الضريبية في لندن وأقاليم ما وراء البحار البريطانية وانتشار شركات التمويه التي تخفي الملاك الحقيقيين وراء سواتر محكمة.

وينقل الكاتب البريطاني، روري سوليفان عن بولو رايه الى مشروع القانون المتعلق بالجرائم الاقتصادية (الشفافية والإنفاذ)، الذي تم تقديمه وتسريعه في مجلس العموم في 7 مارس (آذار) رغبة في استهداف الأموال الروسية المشكوك فيها في ما يخص محنة أوكرانيا. وقد صار ذلك المشروع مصاناً في القانون يوم هذا الشهر إنه قانون مليء بالثغرات الصارخة حيث أنه يسمح لغاسل الأموال بالكذب بأمان، وهو يعرف أن وكالات إنفاذ القانون البريطانية التي تعاني نقص التمويل والموظفين، على غرار الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة (NCA) ومكتب مكافحة جرائم الاحتيال الخطيرة (SFO)، تفتقر إلى الموارد والقدرة على متابعة الأمر.

وفي رأي مشابه من داخل مجلس العموم سخرت

مارغريت هودج، النائبة عن حزب العمال والشخصية المعروفة في جهود مكافحة

من اسم مشروع قانون الجرائم الاقتصادية، الذي تحكم عليه بأنه “مجرد علاقات عامة”، نظراً إلى أوجه القصور فيه.

مناطق وأحياء وجزر لغسيل الأموال

وبشير ناشطون وباحثون في المجال دائما إلى أن حيي كنسينغتون وتشيلسي في لندن هو واحد من أكثر أحياء بريطانيا التي تنعدم فيها المساواة. إذ يتضمن آلاف العقارات الفارغة التي تم الاحتفاظ بها بشكل مبهم من خلال شركات وهمية فيما تبرز بشكل ملحوظ، منطقة نايتسبريدج في لندن. بجانب واحة هايد بارك، إلى كل ذهن حول العالم يفكر بغسييل الأموال او حتى يتحدث عنها

فيما كانت دائما الجزر التي احتلتها الإمبراطورية البريطانية، مثل “جزر فيرجن” و “جزر القنال”، ملاذًا للأموال “القذرة” والمجموعات الوهمية وشركات التستر، وتمثل العقارات في مناطق وسط لندن مثل وستمنستر وكينسينغتون وتشيلسي جزءًا كبيرًا من هذه القيمة.

ويسلط تقريرفايننشال تايمز على بداية تحول لندن الى مركز لغسيل الأموال فيشير إلى فترة عهد مارجريت تاتشر عندما بدأت في تحرير قطاع الخدمات المالية ثم استمرت في ظل حكومة ديفيد.كاميرون ، وبعد هزيمته في الانتخابات ، رفض السياسيون مواجهة التحدي المتمثل في القضاء على الأموال القذرة في لندن ، وعلى مدى العقدين الماضيين ، رحبت المملكة المتحدة حقًا بالأموال الروسية من شركات المحاماة والوكلاء العقاريين الحكوميين.

ويقول التقرير إنه يمكن بسهولة امتلاك عقار في المملكة المتحدة من خلال شركة صورية، أو حتى شركة صورية خارجية ، وإذا كنت تمتلكها بالفعل من خلال شركة صورية خارجية ، فلا يتعين عليك تحديد المالك.

شركات المحاماة في المملكة المتحدة بارعة في تقديم المشورة بشأن هذه المعاملات المعقدة ومساعدتها في الحصول على التعويض المناسب.

هذا يخلق بنية ملكية مبهمة لبعض المنازل الأكثر قيمة في المملكة المتحدة، مع عدد غير معروف من المنازل التي يملكها ما يقرب من 84000 شخص.

هناك 81 مكتب محاماة و86 مصرفا و177 مؤسسة تعليمية في بريطانيا قبلت أو حولت الأموال “القذرة” من جميع أنحاء العالم.

وبذلك أصبحت لندن أقدم عاصمة في العالم، والوجهة الأولى لغسيل الأموال في العالم، وفق غالبية الباحثين والمتخصصين والجهات المسؤولة عن مكافحة غسيل الأموال، والتحقيقات المثبتة وآخرها تحقيق صحيفة الفايننشال تايمز.

وهو الأمر الذي يبعد اتهامات كانت ولاتزال تسوقها جهات حصوصا من الغرب يحق دول ومناطق في الشرق الأوسط وشرق آسيا بانها على رأس قائمة الوجهات المفضلة لطالبي خدمات غسيل الأموال، بعدما ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن لا منافس لمدينة الضباب في هذا المجال.

صلاح الأغبر

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.