حرق المُصحف.. رزق الهبل على المجانين

: 1/26/23, 4:51 PM
Updated: 1/26/23, 4:51 PM
حرق المُصحف.. رزق الهبل على المجانين

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

الكومبس – رأي: في سبعينات القرن الماضي، بثت شركة “بيبسي كولا” إعلاناً تجارياً، ظهر فيه طفلٌ يقف أمام جهاز لبيع المشروبات الغازية الباردة والمتنوعة، وكان جُل غاية الطفل هو شراء مشروبه المفضل من البيبسي كولا، المشكلة كانت تكمن في ان يد الطفل -وبسبب قصر حجمه- لا تصل إلى المفتاح أو الزر الخاص بهذا المنتج، وأقصى ما استطاع الوصول إليه هو زر منتج آخر هو “الكوكاكولا”، عندها لم يكن منه إلا أن أخرج عُملة معدنية من جيبه الصغير، وضغط على الزر الذي وصلت اليه يده ليحصل مُرغماً على منتج “الكوكاكولا”.

هنا ظن المُشاهدون أنه استغنى عن مشروبه المفضل لصعوبة الوصول إليه واستبدله بالمنتج الآخر.. لكنه صدم الجميع حين وضع العلبة التي استطاع الوصول اليها تحت قدميه، ليصعد عليها حتى يصل من خلالها إلى “الزر” الخاص بمشروبه المفضل، ثم ليمضي بعدها مخلفاً وراءه صفعة مهينة للشركة المنافسة.

دعاية لطيفة.. أليست كذلك؟

إن السؤال الذي يتبادر إلى الاذهان هو: كيف تجرأت شركة عالمية على إهانة منتج لشركة عالمية أخرى منافسة لها دون أن تخشى العواقب القانونية لذلك؟.

الحقيقة أن الشركة درست كل الخيارات والاحتمالات، حتى قبل طرح ذلك “الإعلان”، فوجدت أن أي تعويض ستدفعه للشركة المنافسة نظير إهانتها لمُنتَجها، سيُعتبر زهيداً جداً مقابل الصفعة الاعلامية المُهينة التي وجهتها لها، سيما أن حبال المحاكم الطويلة كفيلة بأن تُمهد الطريق لهذا “الإعلان” لان يلف اصقاع الارض قبل حظره.

لحظة!.. فالقصة لم تنتهِ عند هذا الحد.

العجيب أن “الإعلان” ما زال متداولاً حتى اليوم، ما يشير إلى أن الشركة التي تعرضت للاهانة لم تُصِرّ على حظر الإعلان، بل على العكس تماماً، فقد غضّت الطرف عنه تماماً-أو هكذا يبدو..إذ لاحظت الشركة أن هذا “الإعلان” واللغط الذي أحدثه، ساهم بشكل كبير -وعلى عكس المتوقع- في زيادة الإقبال على شراء منتجهم، فالضجة الإعلامية الكبيرة التي أحدثها، روّجت وبطريقة غير مباشرة لاسم منتجها على ألسُن الناس، بل وصارت حديث الشارع، وأدخلت اسم منتجها الى كُل بيت، والمضحك أن السُّذج هم أكثر من روّج للمنتج المنافس، ظناً منهم أن تداول اسم ذلك المنتج بالتهجم والتشهير والتشويه والسخرية، هو السلاح الفعال لحسم معركتهم ضد منافسيهم، وغفلوا عن أن الإهانة والتشويه والتهجم قد يأتي بنتيجة عكسية تماماً.

الدعاية العكسية

لقد تطورعلى مر العقود ما يُعرف اليوم باسم “الدعاية العكسية”، والتي تقوم أحد أساليبها على استفزاز الطرف الاخر بشكل مباشر ووقح، لإيقاعه في فخ الترويج المجاني والسريع والمباشر لاسم منتج ما أو فكرة ما، حتى لو كان عن طريق شتمه وتشويه صورته.

“دعاية.. ما كُنتَ أبداً لتستطيع ترويجها لو قمت بها بنفسك، بل وكنت ستدفع مقابلها المال والجهد والوقت“.. هذه الطريقة تعتمد على سذاجة وتهوّر الطرف الاخر وعدم تقديره لعواقب ردات افعاله.

إن هذا الأسلوب صار قديماً نوعاً ما، بل وبديهياً في أدبيات العمل الدعائي التجاري والثقافي وحتى السياسي، خصوصاً في فضاءات العالم التقني المفتوح من قنوات تلفزيونية وإذاعية ومواقع انترنت، وأصبح أداة سهلة في أيدي المُعلنين والتجار والفنانانين والمشاهير والسياسيين.

لكن في المقابل -وللأسف- ما زال فخّاً يقع فيه الكثير من بيننا.. ويظهر ذلك جلياً مع كل فلم يسيء لثقافتنا، ومع كل صورة تسيء لرموزنا، ومع كل كتاب يشوه تاريخنا، فنجدنا وبسرعة البرق نسارع مباشرة ودون دراسة للعواقب، فنهاجم الفعلة والفاعل في كل مناسبة وعلى كل موقع حتى نجعل منه “ترنداً” عالمياً، “لنعطيه بذلك قيمة بعد أن كان بلا قيمة”، وبذلك نكون وبسذاجة بالغة: المعلن الحصري لذاك الفلم، والمروج الأنشط لتلك الصورة، والناشر الفذ لذلك الكتاب.

هذه هي الدعاية العكسية يا سادة.. انها وقحة وفجّة، لكنها مجانية وسريعة بل ومضمونة.

قِس على ذلك “جريمة حرق المصحف الشريف”، فهي مثال صارخ عليها.

لا تجعلوا من التافهين.. مشاهير!

إذا تتبعنا أسلوب ذلك التافه الذي يستهدف المصحف الشريف في كل مرة، لاكتشفنا وبكل بساطة أنه يستغل الدعاية العكسية بأنواعها للوصول إلى الشهرة. ولو تتبعنا أفعاله لوجدنا أنه يمارسها بحذافيرها خطوة بخطوة، ولاكتشفنا أننا نساعده في الوصول إلى هدفه دون أن نشعر.

إليك السؤال المنطقي التالي!

لماذا يقوم شخص بالإعلان عن تنظيم مظاهرة لحرق نسخ من المصحف الشريف، ويحرص دائماً على أن تبلُغ دعايته المسلمين تحديداً؟ ولماذا يجعل ذلك “المغمور” من نفسه وجبة دسمة للشتم والسخرية والانتقاد؟

-عمى الكراهية؟

إجابة ذكية.. لكنها خاطئة، فلو كان دافعه الكراهية فقط لفعلها في بيته وبين أربعة حيطان.

-إنها الدعاية العكسية أيها السادة..

فهذه الوسيلة هي الأسرع لتسليط الأضواء عليه، ليبُث بعدها ما شاء من سمومه بكل أريحية، وليمرر بكل سلاسة وسهولة أجنداته (السياسية والفكرية والثقافية.. الخ).

فقد وضع هذا السفيه -ومن يقف وراءه- نُصب عينيه استثارة مشاعر المسلمين واستفزازهم، وفي قلب مناطقهم، ليصبح اسمه بعد ذلك –وبعد أن كان نكرة لا يعرفه احد– أكثر الأسماء شتماً على صفحات مواقع التواصل الخاصة بالمسلمين، والاكثر تداولاً على أسماع المتابعين، بل وليُتوّج اسمه ترنداً عالمياً على المواقع الالكترونية، ودون أن يكلفه الأمر كبير جهد، بل وليصبح اسمه في الجهة المقابلة، رمزاً لحرية التعبير وبطلاً اسطورياً في مواجهة “أعداء الحرية”.

وكم يتمنى لو استطاع الإيقاع بالمسلمين في فخ الاحتجاجات التي تصاحبها أعمال الحرق والتخريب والعنف، “ويا حبذا” لو تزامنت مع اصوات تكبيرات المحتجين الغاضبين، ومن حول هذا المشهد كاميرات الإعلام المنحاز التي ستوثق “همجية المسلمين” -بزعمهم، وبذلك يكون قد رسّخ الصورة النمطية للمسلمين.

والتكلفة بسيطة: مجرد ولاعة وحساب يوتيوب.. ثم اترك الباقي على “المُتهورين” من بيننا.

لحظة! ..

ماذا لو قطعت السلطات الرسمية الطريق عليه وحظرت مظاهراته؟

“فالحظر” حلّ حاسم وسريع ومختصر.. أليس كذلك؟

الحقيقة أنه ليس دائماً كذلك.. فهو عادة ما يؤدي الى نتائج عكسية، لأنه وبكل بساطة أحد وسائل “الدعاية العكسية” أيضاً.

يقول الكاتب أدهم شرقاوي: “الحظر.. بغض النظر عن النية التي تقف وراءه هو أعلى درجات التسويق”.

فإذا أردت أن تنشر كتاباً فقم بحظره، وإذا أردت أن تروج لمنتج فقم بمنعه، وإذا أردت ان تُرسّخ فكرة فكمّم فم صاحبها، وإذا أردت ان تجعل من شخص ما أيقونة في أعين الناس فقم بتقييده.. وهذا يعني باختصار “أن الحظر سيُعيدنا إلى النقطة التي انطلقنا منها”.

إن عدم استيعاب البعض لهذه المعادلة، يجعله فريسة للآلة الدعائية والإعلامية، لتتلاعب بعقله وأفكاره، ومن ثم لتتحكم بآرائه ومواقفه واختياراته، وصولاً الى تجيير ردّات أفعاله لمصالح خاصة.

إن أكثر من يتقنون هذه اللعبة ويستغلونها، بل ويصطادون في مائها العكِر هم “السياسيون”.

لذلك حين ترى الساسة في السويد ينفخون في صورة ذلك المتطرف بعد أن خفَت نجمه، فاعلم أنهم يصطادون في الماء العَكِر.

وفي المقابل اذا رأيت الساسة في الدول الاسلامية يؤججون الاحتجاجات ضد حرق المصحف بعد صمتهم لسنوات، فاعلم أن وراء الأكمة ما وراءها.

أمّا الحقيقة الوحيدة الثابتة في وسط هذه “المعمعة”، هي أنهم يريدون مني ومنك ان نكون تِرساً في آلتهم الدعائية والإعلامية.

ولـــكن..

نحن لسنا كومة من الحجارة مجردة من المشاعر، وردّات أفعالنا نتاج فطري لطبيعتنا البشرية، فلماذا نتغاضى عن الجاني ونجلد الضحية؟

الحقيقة أن المشكلة ليست في ردة الفعل بحد ذاتها، ولكنها تكمن في نوعية ردة الفعل ونتائجها.. إذا تفكرنا في هذه الحقيقة فسنكتشف حينها أن نتائج بعض ردّات أفعالنا يمكن أن تحوّلنا إلى جناة دون أن نشعر.

لك أن تتخيل مدى الجُرم الذي نرتكبه حين يدعو عنصري ما لحرق المصحف الشريف، ونقوم نحن وبكل سذاجة بنشر “إعلانه” على كل المواقع بالساعة والدقيقة والموقع.

لك أن تتخيل بشاعة الجُرم الذي نرتكبه حين يحرق سفيه مصحفاً، ونقوم نحن وبكل وقاحة بنشر مقطعه ليشاهده الملايين بعد أن كان يشاهده العشرات فقط.

ما الفرق بين من يشعل الفتنة وبين من ينفخ في نارها حتى تظل جذوتها مشتعلة؟

حين نميّز الفرق -إن وُجد- ستتجلّى الحقيقة أمامنا.

إن استهداف المصحف الشريف بالإهانة والحرق جريمة بشعة ومقززة، والإصرار على تكرارعرض هذه الجريمة عبر المواقع “بالصوت والصورة” هو جريمة أخرى لا تقل بشاعة عن سابقتها، والحقيقة أنني لا أعلم من أين تأتي الجرأة وبرودة الأعصاب وبلادة المشاعر عند أولئك الذين يُصرّون على عرض هذه الجريمة، مع أنهم يدّعون تقديس المصحف الشريف.

أين يُغيّبون عقولهم وهم يعرضون وجه ذلك العنصري القميء وابتسامته السّمِجة؟ أين يُبيّتون قلوبهم وهم يُسلّطون “زومهم” على أصابعه النجسة وهي تُقلّب كتابنا المُكرّم على لهيب حقده؟ أين تأوي أفئدتهم وهم يعملون “كلوز أب” على مشهد الرماد المتطاير من بقايا صفحات المصحف المتفحّمة؟..

إن مجرد عرض جريمة ما، هو إهانة بالغة للضحية وإمعاناً في جرح مشاعر أهلها.

والسؤال الأهم..

ما الذي يُفترض بنا أن نفعله ونحن نرى ذلك النكرة وهو يهين رموزنا؟

الجواب وبكل بساطة هو: الإهمال.. نعم الإهمال.

إهمال الفاعل.. وكأنه حشرة عابرة.

إياك أن تذكر اسمه!

إياك أن تنشر صورته!

إياك أن تروّج لفعلته!

إياك أن تصبح المعلن الحصري له!

والأهم من ذلك كله.. إياك أن تقوم بردة فعل تحقق من خلالها مبتغاه!

إن إهمالك له سيقلب الطاولة عليه تماماً..

فبدل أن تصبح أنت المُروّج النشِط لأهدافه، سيصبح هو الداعية المتحمس لمعتقداتك.

هل تعلم عدد الذين يُقبلون على قراءة القرآن والتعرف على الاسلام في كل مرة يُقدم فيها ذلك السفيه على حرق المصحف الشريف؟ لك أن تتخيل أفواج المسلمين الجدد الذين يقبلون على الاسلام بسبب فعلته، وبِذات الوسيلة.. (الدعاية العكسية).

يقول أحد المسلمين الجدد: “في كل مرة يحاول أحدهم إحراق المصحف الشريف كنت أُقبل على قراءة القرآن، ومع كل عنف يصاحب الاحتجاجات على حرقه كنت أتردد في قراءته”

وختاماً..

إياك أن تلتفت لكل ناعق! فعلى هذه الارض من السفهاء ما تفنى الأعمار في الرد على كل واحد منهم.

حكيم نزال

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.