المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: مع الانتخابات السويدية الاخيرة (للعام 2022) وفي اوج الدعاية الانتخابية آنذاك خرج علينا من اللا مكان وفي غفلة من الزمان (حزب) لم نعرف كوعه من بوعه، وأكاد أجزم أن أحداً لم يسمع به قبل الانتخابات الاخيرة، فقد كان مجرد (حزب على ورق) يختبئ في عتمة الادراج الرسمية لا أكثر .. ولكن فجأة (وبقدرة قادر) صرنا نسمع اسمه في كل المحافل (ومحافل المهاجرين تحديداً)، وبِتنا نرى شعاره حيثما التفتنا وأينما توجهنا، وصار يلاحقنا في كل مكان حتى في أحلامنا.. أما على مواقع التواصل فحدث ولا حرج، فقد انبرى مجموعة من المثقفين واشباه المثقفين للترويج لهذا الحزب على تلك المواقع واخواتها، وسكبوا في أدمغتنا شلالات من المقاطع والمقالات التي تحث (المهاجرين) في السويد للتصويت لصالحه.
-هكذا صوروه لنا ..
لقد كانوا يتحدثون عنه بكل جرأة وثقة كأنهم يعرفون كل تفصيلة فيه، وكأنهم درسوه دراسة معمقة وحللوا رموزه وفككوا شيفرته، وراحوا بعد ذلك يسوّقوه لنا في كل مناسبة وعلى كل المنابر وكلما سنحت لهم الفرص.. أقنعونا بانه حزب المهمشين ونصير المستضعفين وطوق النجاة المضمون الذي سينتشلنا من مستنقع التمييز ووحل العنصرية، صدّروه لنا على أنه (المخلّص) الذي يحمل السمن والعسل وجعلوا منه (مهدينا المنتظر) الذي سيملأ السويد قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، وصوّروه (الفاتح) الذي سيحرر لنا فلسطيننا ويعيد لنا قدسنا، وأخبرونا انه وسيلتنا لتحرير اطفال المسلمين من براثن (السوسيال المتوحش) الذي يسبي بناتنا ويخطف ابناءنا، قالوا لنا انه (السوبر هيرو) الذي سيتصدى لأولئك (المتربصين) الذين يخططون لنزع حجاب بناتنا في الشوارع والأزقة، وانه الماء الزلال الذي سيطفئ نار الكراهية التي تستهدف حرق مصحفنا الشريف.. لقد (نفخوه) حتى ظننا انه يمتلك مفاتيح ابواب (اللجوء) واختام ملفات (الاقامات) وطابعات إصدار (الجواز السويدي).
أكّدوا لنا بانه سيكتسح اصوات الناخبين وأنه سيحتكر مقاعد البرلمان وسيستحوذ على حصص البلديات والمقاطعات وانه سيكون الرهان الرابح الذي سيفاجئ الجميع، واقسموا لنا بأغلظ الأيْمان بان اصواتنا لن تذهب سُدى وأنها لن تلقى في سلة المهملات، وأن في الحزب رجال يعلمون ما يفعلون، ولا يفعلون إلا ما يؤمنون به، وأن خططهم مدروسة وخطواتهم محسوبة، وانه كيان متماسك عصيٌّ على الهزيمة والانكسار، وان رجالاته ساسة محنكون وقادة متمرسون.
-تمخَّضَ الجبلُ فولد فأراً..
وها قد ذهبت السكرة وسطعت الفكرة.. ولم يحصد هذا (الحزب) سوى فتات الفتات اشتعلت على إثرها الانشقاقات والتصدعات والخلافات، فانكشفت عورته وبانت هشاشته واكتشفنا انه كيان من ورق أساسه من رمل وسقفه من وهم، واستيقظنا على صور اليمين المتطرف وهو يقلب سلة المهملات التي أُلقيت فيها اصواتنا ليصعد على ظهرها ويتربع على عرش السياسة في السويد ويمسك بيده مقاليد القرارات المصيرية فيها.
كل ذلك بسبب أولائك الذين تولوا كِبر الترويج لذاك (الحزب الهلامي)، وسوّقوه لنا على انه (صفقة العمر) التي لن تبور، لقد كانوا يكذبون علينا دون ان يرف لهم رمش او يهتز لهم قلم.. وبفضل نصائحهم (السديدة) ونظرياتهم (العتيدة) وارشاداتهم (الرشيدة) وضعنا كل بيضنا في سلّتهم (المخرومة) وأنفقنا كل (مدخراتنا) في تجارة كاسدة وبضاعة مزجاة.. حتى وجدنا أنفسنا في نهاية المطاف في مواجهة خاسرة مع خصم لا يرحم وغريم لا يفتر مُجرّدين من كل شيئ حتى من (أصواتنا) التي كانت تستر ما تبقّى من حقوقنا.
وانا هنا لست بصدد الحكم على (تجربة) ذلك الحزب سيئة الذكر، فعجينته لم تختمر بعد وطبخته لم تستوي أصلاً والوقت ما زال مبكرا للحكم عليه (مع ان المكتوب قد فضحه عنوانه)..
-سَحرة فرعون..
ان (منجنيق) مقالتي هذه نصبته حصراً تجاه اولئك الذين لحسوا آذاننا (بكلامهم المعسل) واسترهبوا اعيننا بسحرهم الاسود وغسلوا أدمغتنا بمكر الليل والنهار.
إن جام كلماتي سأصبه فوق رؤوس اولائك الذين باعونا الوهم وسوّقوا لنا (الفنكوش).. مجموعة من الكُتّاب والوُعاظ ومؤثري السوشيال ميديا ممن يتزيون أثوابنا ويتقمصون أدوارنا ويتحدثون لهجتنا كانوا يخرجون علينا في كل يوم وفي كل ساعة وفي كل دقيقة بل وفي كل ثانية ليروجوا لذاك (الفنكوش) ، كانوا يتحدثون عنه بكل تعالٍ وثقة وكأنهم خبراء مختصون وكُتّابٌ محترفون ومحللون استراتيجيون.
لعبوا علينا دور الصديق الصدوق والناصح الامين، فسالت من اطراف السنتهم حلاوة مغشوشة وراغوا لنا (وعلينا) كما يروغ الثعلب، لننجرف بعدها خلفهم كالبلهاء ونتبعهم كالعميان.. لقد استغلوا ثقتنا بهم و اعتمادنا عليهم، كيف لا؟ وقد كان منهم رجال دين ومعممون، و نشطاء اجتماعيين ومؤثرون، ومسؤولوا مؤسسات وسياسيون.. لقد اجمعوا جميعا على أمر واحد:
“خداعنا والتغرير بنا”.
لقد قالوا لنا اننا امام معركة فاصلة بين حق وباطل، بين ايمان ونفاق، بين نحن وهم.. اقنعونا بأننا إن لم نكن معهم فنحن حتما ضدهم وبِأن كل الذين ضدهم سيُنبذون خارج مجتمعهم (الموازي) وسيلفظون من جنتهم (الموعودة)، لقد صوّروا لنا (حزب الفنكوش هذا) على انه قلعتنا الحصينة وسورنا العظيم وسدّنا المنيع الذي سيقينا سيل (النازية) الجارف الذي يتربص بنا ليغرق مستقبلنا.
-لماذا خرست أقلامكم؟
واليوم وبعد ان كانوا يخرجون علينا في كل لحظة فإذا بهم ينزوون في جحورهم خائبين ويختفون من المشهد تماما، واذا مروا بنا (صدفةً) مروا مرور الكرام وكأنهم لم يمنّونا يوماً بسمنهم المغشوش وعسلهم الزائف. لقد خرست اقلامهم وسكتت ابواقهم وصمتوا صمت القبور وكأن الامر الذي كان بالامس شغلهم الشاغل اصبح اليوم لا يعنيهم .
يا من غررتم بنا!.. أين هي مقاطعكم التي صدعتم بها رؤوسنا ليل نهار؟ اين هي مقالاتكم التي شوشتم بها عقولنا على مدار الايام؟.. لماذا تلاشت وعودكم كالسراب بعدما نثرتموها حولنا كالجراد؟ هل ستصومون كفارة ايمانكم؟ هل ستعتقون أدمغتنا من أسرِكم؟ .. ام ان مبرراتكم -وكعادتكم- جاهزة؟ وردودكم مُعدة؟.. هل جربتم عذاب الضمير؟ ام لعل ضمائركم غطت في سبات القبور؟ هل ارتحتم الان بعدما (خربتوها وتربعتم على تلتها)؟
يا من قتلتم كل امل فينا للتغيير! ونحرتم مستقبلنا تحت مقصلة عنجهيتكم!.. اتركوا جثامين (آمالنا) ترقد في سلام وإياكم ان تمشوا من جنازتها!..
فلا عظم الله لكم اجرا ولا شكر لكم سعيا.