هل التخفيضات حقيقية؟.. ماذا يقول مستهلكون وأصحاب متاجر؟

الكومبس – خاص: تصادف ظاهرة التسوق العالمية المعروفة باسم الجمعة السوداء (Black friday) يوم الجمعة 29 نوفمبر. ويعد الحدث السنوي سباقاً تجارياً بين العرض والطلب، ينتظره كل من البائع والمستهلك. وبدأت المتاجر والمواقع الإلكترونية في السويد حملاتها التنافسية مبكراً بالترويج الإعلاني لأقوى الحسومات لهذا العام. في حين يعمق المستهلك بحثه واقعياً وافتراضياً لاختيار الصفقات الشرائية الأفضل. فكيف نشأت “الجمعة السوداء”؟ وكيف يتفاعل المهاجرون في السويد مع ظاهرة لم تكن معروفة كثيراً في بلدانهم الأصلية؟

تحلُّ الجمعة السوداء سنوياً يوم الجمعة الذي يلي عيد الشكر مباشرةً، والذي يصادف رابع يوم خميس في نوفمبر. وتعتبر إيعازاً لانطلاق موسم العطل والتسوق للأعياد. ويعود أصلها إلى حدث تجاري أمريكي محلي سرعان ما تجاوز الحدود وانطلق نحو العالمية.

تاريخياً ارتبط اللون الأسود بفترات الأزمات الاقتصادية والأوقات العصيبة، وتعيد نيويورك تايمز أول يوم جمعة سوداء إلى 24 سبتمبر 1869 عندما حاول الممول جاي جولد ورجل الأعمال في مجال السكك الحديدية جيمس فيسك احتكار سوق الذهب طمعاً في تحقيق أرباح طائلة، غير أن الأمر انتهى بانهيار البورصة وإفلاسات واسعة النطاق، فكسدت البضائع وتوقفت حركة البيع والشراء، غير أن الولايات المتحدة تعافت من أزمة الكساد بفضل طرح تخفيضات كبيرة على البضائع بغرض بيعها بدل كسادها.

فيما تعيد قصة أخرى أصل التسمية إلى خمسينات القرن الماضي، وتروي أن مديري المصانع قرروا تسمية الجمعة التي تلي عيد الشكر بالجمعة السوداء، لأن كثيراً من عمالهم كانوا يغيبون عن العمل متذرعين بالمرض بهدف تمديد إجازتهم إلى نهاية عطلة الأسبوع.

رواية أخرى تُرجع أصل التسمية إلى العام 1960، عندما استخدم رجال شرطة المرور في فيلادلفيا وصف الجمعة السوداء لليوم الذي يلي عيد الشكر، لأنهم كانوا يضطرون إلى العمل في نوبات مدتها 12 ساعة في طقس سيئ جداً وفي خضم حركة مرورية مروعة، سببها وفود الزوار إلى المدينة من أجل التسوق للأعياد، وكان يتزامن أحياناً مع مباراة كرة القدم السنوية بين الجيش والبحرية. وتلقّف المتسوقون والتجار في فيلادلفيا هذا الاسم الذي سرعان ما انتشر في أنحاء البلاد.

وأياً كان مصدر التسمية، أصبح يوم الجمعة السوداء ظاهرة شعبية تسوقية، وموضوع نقاش مجتمعي تتباين حوله الآراء. ففي حين يراه البعض فرصة للتوفير والتسوق لمنتجات يحتاجونها، ينظر البعض الآخر إليها بعين النقد ويرى أنها فرصة تحفز الاستهلاك المفرط وغريزة الشراء دون حاجة حقيقية. الكومبس رصدت آراء متباينة بين المهاجرين في السويد.

حماس الأب وتحفظ البنت

سليمان وابنته رين وفدا إلى السويد من سوريا التي لم تكن تعرف ظاهرة الجمعة السوداء سابقاً، وهما يعايشان هذه الظاهرة للمرة الأولى في السويد. يرى سليمان أنها “ظاهرة جيدة، وتشهد تخفيضات ممتازة تمكّن الناس من التوفير”. ويقول “ننتظر عادة الجمعة السوداء، ونقتصر في الأيام العادية على شراء المنتجات الضرورية التي لا تحتمل التأجيل، أما المشتريات غير الملحة فنبتاعها يوم الجمعة السوداء، ونوفر بذلك مبلغاً جيداً”. ويضيف: “شخصياً، أنتظر هذا اليوم لشراء الإلكترونيات بالدرجة الأولى، مثل الموبايل، فهي باهظة الأسعار في الأيام العادية وتشهد تخفيضات كبيرة في هذا اليوم. أما الحسومات على الملابس وما شابه فتكون بنسب زهيدة”.

يثق سليمان بالعروض التي تقدمها المتاجر في الجمعة السوداء، ويوضح “أنا مهتم بشراء قطع السيارات، مثلاً هناك متجر يقدم عروضاً مغرية في هذا اليوم، ويبيع كميات كبيرة بأسعار جيدة جداً، أستطيع القول إنهم يبيعون كميات تضاهي مبيعاتهم خلال العام بأكمله. هم يربحون، ونحن نوفر المال ونكسب المنتج”.

ويفضل سليمان الشراء مباشرة من المتجر وليس عبر المواقع الإلكترونية، حيث يتسنى له فحص المنتج وتجربته ورؤية مميزاته عن كثب، ما يمنحه الثقة في جودة المنتج. ويضيف “في هذا اليوم، نفرط عادة في الشراء، لأن المرء يريد أن يغتنم الفرصة ويستفيد من كل العروض. لكني أحرص على أن يبقى حجم المشتريات ضمن إمكانياتنا المادية، كي لا نشعر بالعجز المادي بعد “بلاك فرايدي””.

فيما تقول ابنته رين “اليوم عيد ميلادي، حيث أتم 17 عاماً. أتيت مع أبي إلى السوق لاختيار هدية”.

هل تنتظرين يوم الجمعة السوداء الذي بات على الأبواب، للاستفادة من التخفيضات المرتقبة؟

تجيب رين “لا أهتم بهذه الظاهرة على الإطلاق وقد يمر ذلك اليوم دون أن أشعر به، على عكس أهلي تماماً. عندما أحتاج إلى شراء غرض ما فسأشتريه فوراً”. وتعتقد رين بأن ثمة عملية غش تقف وراء ظاهرة الجمعة السوداء، لأن الزبون عندما يقرأ السعر المخفض على سلعة ما يشعر بأنها ذات قيمة أكبر مما هي عليه بالفعل، فيحفزه ذلك لشرائها حتى لو لم يكن يحتاجها. وبرأيها فإن التخفيضات في الجمعة السوداء قد تكون “فخاً لاصطياد الزبائن”، كما أن الحدث “لا يستحق كل هذه الضجة”.

كذبة لا تنتمي إلى مجتمعاتنا

هبة أم لطفل تقول إنه لا وجود لهذه الظاهرة في سوريا، وقد يكون الحدث الرديف لها هو موسم التخفيضات الذي يسبق الأعياد عادة، لكنه لا يشهد هذه الضجة التسويقية والتزاحم الاستهلاكي كما هي الحال في أوروبا.

تعتبر هبة أن الجمعة السوداء “مجرد كذبة يحاول التجار من خلالها خداع الناس لتحفيزهم على التسوق”. وتوضح “في هذا اليوم قد يضع التاجر سعراً أعلى من السعر الحقيقي للسلعة ويذكر تحته السعر الحقيقي الذي يضمن له الربح المنتظر من البيع. وفي أحسن الحالات قد يُجري التاجر حسماً قليلاً على بعض البضائع”.

وترى أن تصرفات الناس “تخرج عن المألوف في الجمعة السوداء بهدف ركوب الموجة و”الترند”، مضيفة “قد يقوم بعضهم باستبدال مقتنياتهم الجيدة والصالحة للاستعمال بأخرى جديدة يبتاعونها فقط لإرضاء شعورهم بأنهم شاركوا وتسوقوا مثل الآخرين في هذا اليوم. فهذا الحدث يحفز غريزتهم الاستهلاكية بداعٍ أو من دون داعٍ”.

تلاحظ هبة من خلال محيطها أن الإسراف الحاصل في “بلاك فرايدي” غير طبيعي، وبراييها فإن من دوافع ذلك توفر الشراء عبر المواقع الإلكترونية الذي تفوّق على الشراء من المتاجر التقليدية وبات الموضة الأكثر رواجاً، خصوصاً أن الناس يعتقدون بأن الأسعار في المتاجر الإلكترونية أرخص بكثير.

وتخلص هبة إلى القول “إنها ظاهرة لا تنتمي إلى مجتمعاتنا أو عاداتنا وتقاليدنا، ويجب أن نعي مساوئها”.

“لا أثق بالتخفيضات”

مريم من العراق تقول إن العراق بدأ يشهد هذه الظاهرة مؤخراً، والناس هناك يهبون للشراء في هذا اليوم بدافع مواكبة الحدث فقط، وفق ما ترى.

وفي السويد، لا تنتظر مريم الجمعة السوداء وتعتقد بأن التجار “يخصون البضائع القديمة والكاسدة في المخازن بالتخفيضات من أجل التخلص منها، أما البضائع الجيدة والرائجة فلا تطالها الحسومات”. وتفضل الشراء من المواقع الإلكترونية “التي تمتاز بعروضها الجيدة على مدار السنة، وبمساحة انتقاء وتفضيل أكبر لبضائع مواكبة للموضة وذات جودة عالية”. وتضيف “لا أثق بتخفيضات المتاجر في يوم الجمعة السوداء ولا حتى بالبضائع نفسها التي يشملها العرض”.

“عروض حقيقية”

مصطفى شاب من العراق، وهو موظف في أحد متجار الألبسة الشهيرة، يؤكد أن التخفيضات الحاصلة في هذا اليوم حقيقية 100 بالمئة ليس فقط في السويد بل في معظم دول أوروبا. ينتظر مصطفى هذا اليوم ليتوجه إلى المتاجر التي تبيع الإلكترونيات تحديداً، والتي تقدم تخفيضات خيالية، ويقول “مثلاً بلايستيشن 5 سعرها اليوم 6000 كرون، وفي بلاك فرايدي هناك حسم 50 بالمئة في أحد المتاجر لتصبح بـ 3000 كرون. وهي صفقة مغرية جداً”. لكنه في المقابل يوافق مريم بأن التخفيضات عامةً تطال البضائع القديمة، أو التي ليس عليها طلب كبير من قبل المستهلكين.

يرى مصطفى أن التزاحم على المتاجر في هذا اليوم أصبح عادة شائعة، ورغم أنهم في المتجر الذي يعمل به لا يجرون أي تعديل في الأسعار في الجمعة السوداء، لأن أسعارهم منخفضة في الأساس طوال العام، فإنهم يشهدون ازدحاماً في هذا اليوم ويحققون نسبة مبيعات مرتفعة.

حسن صاحب أحد المتاجر Foto: Alkompis

الشفافية تبني الثقة التجارية”

حسن صاحب متجر للملابس والأحذية، يرى أن الجمعة السوداء تعتبر “صفقة جيدة يستفيد منها كل من البائع والزبون”. ويقول “كصاحب مؤسسة تجارية، أشجع هذه الظاهرة لأنها تحقق نسب مبيعات جيدة، وتنشط حركة السوق. والناس بدورهم يكسرون الروتين ويعيشون تجربة تسوق غير اعتيادية، ويحظون بعروض جيدة أيضاً”.

يهتم حسن بالترويج الإعلاني المطبوع وعبر مواقع التواصل الاجتماعي قبل يوم الجمعة السوداء بهدف دعوة الناس للاستفادة من حسومات المحل. ويؤكد “فكرة التعميم خاطئة، لا يمكننا الادعاء بأنه لا توجد تخفيضات حقيقية، فالتخفيضات موجودة وملموسة، ويمكن لأي شخص أن يراقب ويقارن الأسعار قبل هذا اليوم وبعده. الناس اليوم لديهم وعي أعمق من السابق، والزبون ذكي ولا يمكن خداعه، هو يتابع الأسعار باستمرار، يقارن ويختار الأفضل والأنسب”.

ويضيف أن التخفيضات تشمل كل البضائع بنسبة تحافظ على هامش ربح معقول، لذلك هناك تفاوت في نسب التخفيضات حسب سعر الجملة لكل سلعة، فلا يوجد تاجر يهوى الخسارة أو تحميل مؤسسته أعباء لا تطيقها. ويتابع “البيع برأس المال أو أحياناً بخسارة يكون للبضائع الكاسدة، التي ليس عليها طلب. فالتخفيضات تعتبر أحد الحلول في هذه الحالة لتصريف البضائع واستثمار المال في شراء بضائع أفضل”.

يعتقد حسن أن المصداقية في العروض تؤسس لعلاقة جيدة بين البائع والزبون، وهي فرصة لجذب زبائن جدد إلى المحل. وبالمقابل يعتبر أنه “لا يمكن مقارنة ظاهرة الجمعة السوداء في السويد بما يحصل في البلدان الأخرى كإيطاليا وفرنسا مثلاً. ففي السويد تعتبر حركة الأسواق في هذا اليوم عادية جداً مقارنة بالازدحام والتهافت على الشراء الحاصل في البلدان الأخرى”.

وكانت الكومبس أطلقت بالتعاون مع مركز “ديموسكوب” استطلاعاً جديداً موجهاً للناطقين بالعربية في السويد حول الجمعة السوداء في السويد. يمكنكم المشاركة عبر الضغط على الرابط التالي، والإجابة على الأسئلة الواردة، وبينها مثلاً: ما هي الأسباب التي تجعلك لا تخطط لشراء أي شيء خلال أسبوع الجمعة السوداء؟

لوريس ديوب