اللاجئون في الدنمارك: كرهنا “الكراهية” ضدنا

: 11/12/22, 7:22 AM
Updated: 11/12/22, 7:22 AM
 (Photo: Mads Claus Rasmussen/Ritzau Scanpix) TT
(Photo: Mads Claus Rasmussen/Ritzau Scanpix) TT

بعد فوزها بالأغلبية، تعود ميته فريدريكسن، صاحبة سياسية “صفر لاجئين”، إلى رئاسة الوزراء في الدنمارك، محملةً بتاريخٍ من القوانين المناهضة للهجرة، ما شكل تخوفًا من المستقبل بالنسبة لبعض المهاجرين، وتحدثوا عن ذلك لـ”مهاجر نيوز”.

في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني فازت الكتلة اليسارية الدنماركية بقيادة رئيسة الوزراء ميته فريدريكسن بأغلبية مقعد واحد في الانتخابات العامة بالدنمارك، لكن ميته سرعان ما قدمت استقالتها، وأعلنت العمل لتشكيل حكومة جديدة، لأنه بحسب تصريحاته بعد فوز كتلتها بالانتخابات بأنه “من الواضح أن الحكومة لا يمكن أن تستمر في شكلها الحالي”.

في سباق الانتخابات بدت الكتلة “الحمراء” المكونة من خمسة أحزاب، من يسار الوسط واليسار، بزعامة فريدريكسن على وشك أن تفقد أغلبيتها مع اقتراب فرز الأصوات، ولكن الكتلة فازت بـ87 مقعدًا التي تحتاجها في البر الرئيسي للدنمارك، إلى جانب ثلاثة مقاعد أخرى من أقاليم ما وراء البحار المتمتعة بالحكم الذاتي لجزر فارو وغرينلاند، لتشغل الكتلة 90 مقعدًا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 179 مقعدًا.

حاز حزب فريدريكسن، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، على 27.5% من الأصوات، وبذلك يكون حزبها قد شهد أفضل انتخابات له منذ أكثر من 20 عامًا”، بحسب ما أعلنت الأربعاء 2 نوفمبر/تشرين الثاني.

بالمقابل فازت الكتلة “الزرقاء” اليمينية، وهي تحالف ليبرالي ومحافظ غير رسمي تدعمه ثلاثة أحزاب شعبوية، بـ73 مقعدًا.

خلال فترة حكومة فريدريكسن الأولى،2019-2022، ورغم قدومها من يسار الوسط، وتحالفها مع اليسار، اتبعت أصغر رئيسة حكومة للدنمارك وقتها، 44 عامًا حاليًا، سياسة اقتصادية عبرت بالبلاد خلال الوباء، معتمدةً على أفكارها اليسارية، لكن ميلها اليميني ظهر بالسياسة الصارمة اتجاه الهجرة، معلنةً عن سياسة: “صفر لاجئين”، ما جعل فوزها يعني قلقًا للمهاجرين، الخائفين على مستقبلهم بالدنمارك.

في يوم الأربعاء 2 نوفمبر/تشرين الثاني وخلال خطاب الفوز، أعلنت فريدريكسن أن حزبها لكل الدنمارك”، لكن الدنمارك التي تتحدث عنها كما يبدو لا تشمل جميع من يعيشون فيها، إذ اعتنقت فريدريكسن منذ 2019، سياسات الهجرة التقييدية باسم حماية دولة الرفاهية، ولم تحيد كثيرًا عن سياسة اليمين الصارمة، حتى من قبل دخولها الحكومة.

إذ أيدت الحكومة الائتلافية اليمينية بأكثر تشريعاتها المناهضة للهجرة في تاريخ الدنمارك، وتحت قيادتها، دعا حزبها إلى وضع حد أقصى “للمهاجرين غير الغربيين”، واتباع النموذج البريطاني، لإرسال طالبي اللجوء إلى رواندا، وإجبار جميع المهاجرين على العمل 37 ساعة في الأسبوع مقابل الحصول على مزايا.

كذلك صوت حزبها لصالح قانون يسمح بتجريد اللاجئين من المجوهرات، وحظر البرقع والنقاب، وفي فبراير/شباط 2021، دعمت فريدريكسن ما وصفه حزبها بأنه “نقلة نوعية”، للتشجيع على العودة إلى الوطن، بدلاً من الاندماج، كهدف لسياسة اللجوء.

لكن كل هذا لم يكن مجرد أخبار بالنسبة لدانة، الشابة السورية، 29 عامًا، التي تعيش بالدنمارك منذ 8 سنوات، وتدرس بالجامعة هناك. تقول دانة لـ”مهاجر نيوز”: “منذ وصولي لم أعلق لوحة بمنزلي أو حتى صورة لي، لأني أشعر بأني سأغادر بأي لحظة، ليس لدي شعور بالأمان أو الاستقرار، لا أشعر أن حياتي على أرضٍ صلبة، كل يوم هناك قانون جديد قد يقلب حياتي رأسًا على عقب”.

وتتابع دانة: “رغم إقامتي لـ8 سنوات، لم أتمكن من الحصول على جنسية أو حتى إقامة دائمة، أنا أدرس هنا، لكن هذا لم يغير شيء بوضعي القانوني، لكن أسوء ما حصل لي كان إصابتي بالاكتئاب منذ ثلاث سنوات، ولا زلت أتعالج حتى اليوم، وكلما اعتقدت أن وضعي بدأ يتحسن، يصدر قانون جديد، يعيدني للقاع مجددًا، أعيش خوفًا دائمًا، لا شعور بالأمان، ولا أمتلك شعور المنزل”.

وصلت دانة إلى الدنمارك بتأشيرة لم شمل، حيث تعيش والدتها وأختها مع زوجها الدنماركي، لكن وضع أختها القانوني جعل دانة تشعر بالإحباط أكثر، فبالرغم من زواجها من مواطن دنماركي وعيشها بالدنمارك وعملها ودفعها الضرائب منذ أكثر من 11 عامًا، ولديها ابنة دنماركية، لم تتمكن من الحصول على إقامة دائمة بعد، وتشرح لـ”مهاجر نيوز”: “وضع أختي القانوني أسوء مني بألف مرة، وبسبب قوانين حكومة فريدريكسن وقبلها لم تحصل على إقامة دائمة، أختي زوجها دنماركي وابنتها دنماركية ودرست بالدنمارك وتعمل هنا منذ 11 سنة، لذلك اعتبر حالتها مثال يشعرني بالخوف الدائم على مستقبلي”.

الأجانب “كرهوا الكراهية ضدهم”

عندما وصلت دانة إلى الدنمارك هربًا من الحرب في سوريا، حاولت تغيير مكان إقامتها، لكن الأمر لم يكن سهلًا، لكنها اليوم ترى أنها لو كانت ببلدٍ آخر بالتأكيد كان وضعها سيكون أفضل، وتقول: “أعيش من سنين دون استقرار، لا أشعر أن هنا بلدي ولا سوريا بلدي، الأحزاب تلعب لعبة سيئة، فهم يستغلون الكبار العنصريين، ويسمعونهم ببرامجهم الانتخابية ما يريدون لكسب أصواتهم على حسابنا”. وتضيف: “للأسف، لا أرى مستقبل لي بالدنمارك، الشيء الوحيد الذي يبقيني هنا هو عائلتي، لكني أبحث عن فرصة بأي دولة أوروبية أخرى”.

وتشرح دانة: “الشباب بعمري يجب أن يكونوا قد بدؤوا بشق طريقهم، أنا مستقبلي ضبابي، حتى أني فقدت الشغف، كنت منفتحة وفرحة ولدي طاقة، الآن ابذل جهد لأكمل يومي، أو أكمل دراستي بسبب القوانين، وصلت لمرحلة أتساءل لماذا أدرس، عمري 29 بلا انجاز، لست صغيرة وهذا عمر بناء المستقبل أشعر وكأنني أدور في حلقة مغلقة”.

على دانة الذهاب لمكتب الأجانب من أجل تجديد إقامتها بالدنمارك خلال شهر، وهي حاصلة على إقامة “لم شمل” من قبل والدتها، لكن نظرًا لكونها قد تجاوزت الـ25، تخشى أن تؤدي زيارتها لمكتب الأجانب إلى صدور قرار بفصل ملفها عن ملف والدتها، ما يعني اضطرارها لتقديم طلب لجوء، والذي بالغالب سيتم رفضه، بسبب سياسة الحكومة “صفر لاجئين”، وهذا يعني بالنسبة لها: “الترحيل”.

من جهته يؤكد عضو إدارة منظمة فنجان الاجتماعية بالدنمارك عاصم سويك أن حالة دانة ليست فردية، فالكثير من المهاجرين هم بقلق دائم وخوف، خاصة لأن بمثل هذه الأجواء تكثر الإشاعات، لذلك ومنذ وصول فريدريكسن غادر العديد من السوريين الدنمارك، حتى دون تبليغهم بالمغادرة، او مع عدم وجود مشاكل بملفاتهم، لكنهم بحسب ما يقول لـ”مهاجرنيوز”: “كرهوا الكراهية ضدهم”.

خلال حملتها الانتخابية الأخيرة، طرحت فريدريكسن فكرة تشكيل حكومة ائتلافية بين اليسار واليمين بقيادتها، ومع تأمين الأغلبية اليسارية، أكدت فريدريكسن أنها تأمل في تشكيل حكومة واسعة.

كان التحالف الأحمر قد تشكل من تجمع حزب فريدريكسن “الاشتراكيين الديمقراطيين” (يسار وسط)، و”الليبراليين الاجتماعيين” ، و”حزب الشعب الاشتراكي” (يساري) ، و”التحالف الأحمر والأخضر” (يساري) ، و”حزب فارو الاجتماعي الديمقراطي” ، و”جرينلاند سيوموت”.

برأي عضو إدارة منظمة فنجان الاجتماعية بالدنمارك عاصم سويك فإن المشكلة ليست بفوز فريدريكسن وحزبها، أو عودتها للحكومة، بل تكمن المشكلة بتراجع شعبية الأحزاب المؤيدة للهجرة، والداعمة لبقاء اللاجئين بالبلاد، فأحد الأحزاب اليسارية المتحالفة مع فريديكسن، فقد نصف مقاعده، كذلك حزب “القائمة الموحدة “فقد 4 أعضاء، لذلك فإن المشكلة تكمن بقوة نفوذ فريدريكسن مقابل الأحزاب الداعمة للهجرة.

ويضيف سويك لـ”مهاجر نيوز”: “رغم ذلك أتوقع ان تبقى الأمور على ما هي عليه بالسنوات القادمة، ففريدريكسن لديها أغلبية بفارق مقعد واحد فقط، وحتى لو كانت أقوى كتلة بالبرلمان بخمسين نائب، لكن لتقود البلاد لا يمكنها سن قوانين أصعب على المهاجرين، وإذا ما أرادت العودة لتشكيل كتلة حمراء، عليها إرضاء شركائها بالكتلة ومنهم من هم داعمين لسياسات الهجرة”.

ويرى سويك أن الحل لتتحسن أمور المهاجرين بالدنمارك هو بتشكيل حكومة “كتلة حمراء”، إذ يعتقد أن “الدنمارك لن تعود إلى ما قبل 2019، بل ربما قد تكون أفضل قليلًا فيما يخص أمور الهجرة، أو على الأقل ستبقى الأمور على ما هي عليه، فحكومة فريدريكسن وصلت حدها بالتشديدات بامور الهجرة، ولا يمكنها الذهاب أبعد من ذلك.

ويشرح سويك: “اليوم لو أرادت فريديكسن التشديد أكثر بسياسة الهجرة، عليها الانسحاب من اتفاقيات أوروبية مع الاتحاد الأوروبي، الذي يرفض معظم السياسات التشديدية، كما فعل برفض إرسال اللاجئين إلى رواندا مثلًا، لذلك لن يكون الأمر سهلًا، كذلك فإن الذين يغادرون الدنمارك يذهبون لدول أخرى كهولندا وبلجيكا، ما سيخلق مشكلة للدنمارك مع جيرانها، وهذا غير مستحب”. ويقول: “الإعلام تحدث كثيرًا ضد سياسة إعادة السوريين التي أقرتها الحكومة، واليوم بدأ يتحسن المناخ العام اتجاه اللاجئين السوريين بالدنمارك ووقف وصفهم بانهم لا يعملون ويستغلون خيرات الدنمارك”.

بينما تتخوف دانة من انتصارات اليمين، التي قد تنعكس بطريقة أسوء على المهاجرين، وليس فقط فوز فريديكسن.

فيما يرى عاصم بحديثه لـ”مهاجر ينوز”: “لا أعتقد أن شيء سيتغير للأحسن أو الأسوء، لكن على الناس التعود على أنه هذا هو الوضع، نحن غير مرحب بنا هنا، ولكننا يجب ألا نصغي لهذا، لكن هذا سيخلق مجتمعات مغلقة وموازية، لذا أعتقد أن الحل يحتاج لسنوات، ومن الجيد لإنقاذ الوضع الحالي أن تتشكل حكومة حمراء مرة تانية، لأن الأحزاب المؤيدة للهجرة ستكون جزء من القوانين والنقاش، كحزب القائمة الموحدة”.

راما الجرمقاني-مهاجر نيوز

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.