الكومبس – خاص: ترتسم على شفتيه الصغيرتين ضحكة بمجرد سماع صوت الجهاز اللوحي، أو رؤية ألوانه، يمكنه الجلوس معه ساعات بعيداً عن العالم الحقيقي. ينصهر بالشخصيات التي تفعل كل ما بوسعها لجذب انتباه طفل تعلّم لتوّه نطق كلمة بابا أو ماما.
الطفل هادي (اسم مستعار) ذو العامين ونصف من سكان مدينة يوتيبوري قد تنغّصُ عليه صفو المشاهدة توصيات هيئة الصحة العامة (Folkhälsomyndigheten) التي تشدد بأن يتعرّض من في مثل عمره للشاشات الرقمية مُدةَ ساعة واحدة لا أكثر، ولكن ماذا تفعل الستون دقيقة أمام عطش التعرض للكم الهائل من برامج الأطفال؟ تتساءل الأم باحثة عن إجابة لسؤالها.
كيف يرى أولياء الأمور في يوتيبوري التوصيات؟
توصيات هيئة الصحة العامة التي صدرت الأسبوع الماضي، بعد تكليف من الحكومة، قيّدت المدة الزمنية لتعرُّض الأطفال للشاشات الرقمية حسب أعمارهم. وأكدت ضرورة منع الأطفال دون سن العامين من استخدام الشاشات تماماً، بينما يجب أن يقتصر وقت الشاشة للأطفال بين عامين وخمسة أعوام على ساعة واحدة يومياً. وللأطفال بين ستة واثني عشر عاماً، يُنصح بوقت شاشة يتراوح بين ساعة إلى ساعتين كحد أقصى، وللمراهقين بين 13 و18 عاماً يجب ألا يتجاوز وقت الشاشة ثلاث ساعات يومياً.
روان (30 عاماً) وزوجها أحمد (33 عاماً) من سكان منطقة هسنغن في يوتيبوري أعربا عن تأييدهما توصيات هيئة الصحة “لأنها تصب في صالح الأطفال أولاً وأخيراً”، خصوصاً مع وجود بعض الأثار الصحية التي ترافق الأطفال كثيري التعرض للشاشات، مثل مشاكل النظر وضعف النشاط البدني وغيرها، لكن على أرض الواقع قد يكون من الصعب حرمان لورا (14 شهراً) من مشاهدة التلفاز على سبيل المثال.
تقول روان “أمامنا تحدٍ كبير بأن نجد أنشطة بديلة تشجع على اللعب الحركي والتفاعل الاجتماعي بعيداً عن الشاشات”.
“أشعر أنني أم سيئة”
الكومبس سألت بعض الأهالي عن عدد الساعات التي يقضونها أمام الشاشات الإلكترونية على اختلاف أنواعها، بهدف معرفة ما إن كان الأطفال يقلدون الأهل، فأجاب محمد (39 عاماً)، وهو أبٌ لطفل سيبلغ الرابعة من عمره الشهر المقبل “أنا استخدم الكمبيوتر في المنزل لمدة لا تنقص عن 3 ساعات يومياً، لأنني أدرس الماجستير عن بعد وأغلب دراستي في الفترة المسائية، وطفلاي لونا وعمر في المنزل”.
يصيف محمد “لا أستطيع الدراسة في الصباح والأطفال في الروضة أو المدرسة لأنني أعمل أيضاً بدوامٍ كامل”.
هدى (29 عاماً)، زوجة محمد تقول “شعرت بالذنب عندما قرأت التوصيات باللغة العربية على موقع الكومبس، واعتقدتُ للحظات بأنني أم سيئة. المشكلة أننا اعتقدنا أن التلفاز يساعد لونا وعمر على تعلّم اللغة العربية الفصحى فليس لديهم كثير من الأصدقاء العرب في محيطنا.. الآن أنا حائرة كيف أضبط وقت المشاهدة لئلّا ينقلب السحر على الساحر كما يقال”.
“لا تلوموا الأهل فقط”
جواد يعمل طبيباً في مدينة يوتيبوري وزوجته عائشة تعمل في إحدى روضات المدينة اعتبرا أن توصيات هيئة الصحة العامة بشأن الشاشات، قابلة للتطبيق لكن هناك حاجة للاستثمار في النشاطات الأخرى التي قد تكون أكثر تكلفة من استخدام الأجهزة الإلكترونية عموماً”.
وبحسب خبرتها في العمل مع الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة، تقول عائشة “حتى في الروضات يُسمح لنا بتشغيل شاشة العرض ليتابع الأطفال بعض البرامج مثل (Babblarna) أو ما شابه. الأطفال يهدؤون عند سماع الموسيقى أو مشاهدة الرسوم المتحركة، لكن للأسف يزداد هذا الأمر عن حده عندما نعاني من نقص الموظفين في الروضة، وبالتالي لا تتوافر “مساحة أمان” كافية لينهمكَ جميع الأطفال في النشاطات الأخرى”.
يعقّب جواد بالقول “إذا التزمت المؤسسات المعنية بنشاطات الأطفال بمسؤوليتها الاجتماعية، فمن الأفضل أن تخفِّض أسعار الاشتراك معها، وبالتالي يتمكن العديد من الأطفال وبينهم طفلاي (نور وريما) من زيادة نشاطهما، فوفق التوصيات لا يسمحُ لهما بأكثر من 3 ساعات يومياً أمامَ الشاشة. الأمر الذي يَصعُب الالتزام به أيام العطل”.
انتقادات للتوصيات
وفي ردود الفعل على توصيات هيئة الصحة العامة، أعرب عالم الاجتماع هنريك بالين في مقال نشرته صحيفة “يوتيبوري بوستن” عن استيائه من التوصيات لأنها “تستند إلى أساس علمي ضعيف”، في إشارة إلى قلة الأبحاث العلمية المُثبتة التي تعالج الموضوع بصورة موضوعية.
وقال بالين “إذا كنت تعاني من زيادة الوزن، فإنك تجلس بشكل أكثر ثباتاً، كما أنك تميل أيضاً إلى الاستمرار في استخدام الشاشة، لكن ليس بالضرورة أن يكون وزنك زائداً بسبب انشغالك بالشاشة، وبالتالي لا يمكن ربط زيادة الوزن بزيادة التعرض للشاشات دائماً”.
ولفت بالين إلى أنه لم يتم حتى الآن تخفيض قوائم الانتظار لمراجعة “مراكز الطب النفسي للأطفال” (BUP)، التي تُعتبر أهم جهة يمكنها مساندة الأهالي في رحلة تخفيف ساعات التعرض للشاشات، أو إلغائها تماماً.
بينما وجهت عالمة النفس فاني بلومي نصيحة للأهالي عبر راديو P4 Dalarna بالقول “يجب على الآباء والأمهات إشراك الأطفال في عملية تحديد عدد الساعات المسموحة للتعرض للشاشات،وليس فرض الأوامر فرضاً، بهدف إعلامهم أن هذا الأمر يصب في صالحهم أولاً وأخيراً”.
(هادي اسم مستعار للطفل الذي التقته الكومبس، تم تغيير الاسم بطلب من الأهل)
(تعود تسمية التلفاز بـ””الشيطان الأنيق”” للعالم ” إليس كاشمور” مؤلف كتاب (And there was television).
المزيد حول “تقليل وقت الشاشات”:
راما الشعباني
يوتيبوري