ظاهرة حرق القرآن بين “المثير” المتعصب و”الاستجابة” الواعية!

: 7/1/23, 11:08 AM
Updated: 7/1/23, 11:08 AM
ظاهرة حرق القرآن بين “المثير” المتعصب و”الاستجابة”  الواعية!

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

لقد كان في سلوك “حرق القرآن” استثارة فجة بقصد الاستفزاز والرهان على عاطفة الانفعال كسمة عامة تتصف بها الشخصية المسلمة عموما والعربية خصوصاً. أما الاستجابة التي اتصف بها أولئك الأفراد الذين شهدوا موقف “حرق القرآن” فقد كانت عفوية، ولكنها حققت للمتعصب الذي قام بهذا السلوك الهمجي ومن يقف خلفه الهدف الذي جاءوا هؤلاء من أجله. وكان يفترض بتلك الاستجابة أن تكون منسجمة مع ما أتى به القرآن من معنى حقيقي لكي يتم تطبيقه في مثل هذا الموقف، كان ينبغي للاستجابة أن تحقق جوهر ومضمون الآية الكريمة: “ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون” الآية 9 سورة الحجر.

وعندما يكون مثير المتعصب هو الاستفزاز العاطفي والرهان على انفعال الاخر، ينبغي على هذا الأخير أن يحافظ على هدوءه. لماذا إذاً لا تصبح الاستجابة عقلية، معرفية، أخلاقية واثقة مطمئنة عملاً بما تبشر به الآية: “ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”!

تحدث الكثير من التغييرات في عالمنا اليوم وتحيط بنا تحديات كبيرة وخطيرة بل تحاصرنا، تلك التحديات التي تتعلق بحاضرنا وبمستقبلنا. بدأت مع أزمة دائرة الشؤون الاجتماعية (السوسيال) ومشكلات الاندماج، ثم استمرت بافتعال أزمة أخرى بقيام العنصري راسموس بالودان بحرق القران والاستفزاز العاطفي المصاحب له ثم حذا حذوه متعصب آخر من أصل عربي. من جهة أخرى يبرز لنا واقع سلبي آخر يتعلق بالفرد المسلم عموما والعربي خصوصا قوامه النقص في المعلومات والقوانين، في الوعي الثقافي واللغوي وما يعقبه من مواجهة للعقل وللمكتسبات الثقافية من أجل التغيير. تلك الثقافة التي ورثها الكثير من الأفراد وظنوا بأنها (دون تمحيص) حقيقة أكيدة غير خاضعة للنقد أو النقاش، ومن ثم أطلقوا العنان للعاطفة أن تتحكم فيهم وكذلك الانفعال وما نتج عن ذلك من سلوك سلبي مؤثر.

كما يتعلق النقص المعرفي في تجاهل أو استبعاد أهمية المعرفة الدقيقة والمتفحصة لهذا الحزب أو ذاك من الأحزاب التي قد يظن الفرد أنها تعمل لمصلحته كمواطن من أصول قومية ودينية مختلفة، وكان الأحرى به أن يكون على دراية أكيدة بالحزب الذي يعمل ضده ويهدف إلى تشويه صورته واستبعاده فكرياً ووجودياً. وعلى الرغم من التحذير المتكرر لئلا يتم التصويت لصالح الحزب العنصري المعروف بمواقفه الكارهة للمهاجر لا سيما وأنهم لم يترددوا في إعلانهم صراحة لأهدافهم العنصرية في كل خطاباتهم السياسية، مع ذلك فقد حصل هذا الحزب مع أحزاب اليمين الأخرى على أصوات كان من بينها أصوات المهاجرين ذاتهم.

منذ بداية حكم هذا الحزب العنصري بعد فوزه بالانتخابات الأخيرة، بدأ فصل مؤلم من فصول معاناة الأسرة المهاجرة ومعاناة أفرادها. وبدأ تشجيع ظاهرة الإساءة المتعمدة باستغلال قانون حرية التعبير والرأي التي تسمح بانتقاد الأفكار والكتب بصرف النظر عن كونها مقدسة أو غير ذلك وهذا ما تم استغلاله من هؤلاء المتعصبين. وضع محرج حقاً للحكومة والمجتمع الذي يحترم القوانين ويتعامل معها بقدسية كامنة لا تتغير، مع الاخذ بنظر الاعتبار احترامه لكل أفراد المجتمع من خلال السماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية ومناسباتهم بل وحمايته لهم. مع ذلك يقف هذا القانون عاجزاً عن رد الإساءة ومنعها عن مواطنيه ممن يدينون بأديان وشرائع مختلفة. هذا القانون الذي يصعب تغييره في جانب عقيم يفتقر لروح القانون وجانبه الإنساني، إذ يسمح للمتعصبين بالإساءة لمواطنين من قوميات وأديان مختلفة من خلال الإساءة لرموزهم الدينية. ذاته القانون وفي ازدواجية مقيتة أصبح الحزب العنصري يجتهد في تقديم اقتراحات عديدة للبرلمان من أجل تغييره وفق ما يحقق له من مصلحة متطرفة تحارب المهاجر في وجوده وثقافته.

ومع استمرار ظاهرة حرق القرآن الكريم وما يصاحبها من سلوكيات تفتقر إلى احترام الآخر، أصبحت هناك أزمة حقيقية ليست في داخل السويد فحسب بل امتدت إلى علاقاتها الخارجية مع العديد من الدول الأخرى. فقد رفضت المجتمعات الإسلامية والعربية ما يحدث من اساءات متعمدة كالركل والحرق للقران الكريم فضلاً عن توجيه عبارات الإهانة الى نبي الإسلام ورسوله والإساءة إليه بعبارات نابية ومهينة وكذلك فيما يتعلق في محتوى النص القرآني. ومما لا يخفى على الكثيرين جهل هؤلاء المتعصبين وافتراءهم على وصف النص المقدس وفق فهم متعصب أحادي الجانب، يجهل أن “النص القرآني ثابت” أما فهمه أو تفسيره فمتغير بل أنها مجموعة أفهام تحاكي المعنى. باعتباره نص يتسم بالإعجاز فهو عالمي الرسالة لأنه يناسب كل إنسان في كل مكان وزمان، ولذلك يتسم بديناميكية الفهم وسعة المعنى وهذا ما يجهله المتعصبون.

ما الحل الذي نقدمه إذا؟!

أولاً- تجاهل الموقف تماماً طالما أنهم يستغلون القانون الذي يسمح لهم بممارسة هذا السلوك الهمجي. ولكن الذي يحدث تجمع المسلمون في كل مرة فيعطوا أهمية للموقف، وكأنهم جمهور في حلبة صراع ينتظرون من سينتصر في نهاية الأمر على خصمه. ومع الأسف الشديد كلنا يعلم أن المنتصر واقعاً هذا الخصم الذي يمسك القرآن بيد والرخصة القانونية باليد الأخرى. أعتقد أن الموقف أسفر عن ظاهرة نفسية واجتماعية مضطربة ولا أتردد في إطلاق مصطلح المازوخية النفس اجتماعية أي تعذيب الذات مع لجوء العقل الجمعي غير واعياً إلى التلذذ بهذه الإساءة وتعذيب الذات بانعدام القدرة على المجابهة أو الرد بنفس الأسلوب، فهذا الأسلوب الذي ترفضه بالتأكيد قيمنا الأخلاقية المستمدة من القرآن الذي يسيئون إليه. أشير في هذه المناسبة إلى أحد علماء الدين (العالم الديني كمال الحيدري) الذي أكد قوله بأن القيم الدينية عندما تتعارض مع القيم الإنسانية، حينها ينبغي أن تكون الغلبة للقيم الإنسانية، هذه إحدى مبادئ القرآن الذي يعتبره المسلمون وحي إلهي أرسل به النبي الأمي ليصبح إحدى الدلائل المهمة على نبوته. والسؤال المنطقي هنا: لماذا لا يستخدم المتعصبون وسائلهم التي عرفناها في مصادر التأريخ القديم عندما يدسون أحد جواسيسهم لكي يقوم بنفس سلوكهم المعيب مع التوراة بعهديه القديم والحديث؟ الإجابة واضحة ويعرفها أغلبنا فهم يعلمون بأن من يؤمن بالقرآن يتجنب الإساءة للكتب المقدسة الأخرى ولكان المسلمون تبرءوا منه ومن سلوكه. وهذا هو منطق القرآن وهذه أخلاق المؤمنون به، ألا يكفي هذا كل شعوب العالم وكل المجتمعات العالم أن تقف ضد هذا السلوك الهمجي.

ثانياً- أن الإصرار على هذه الظاهرة (حرق القرآن) سيدفع بعض الأفراد إن جاز لنا التنبؤ اجتماعياً (بعد فهم الظاهرة وتفسيرها وفق المنهج العلمي)، بدافع الفضول الى التعرف على ماهية هذا “الكتاب” الذي استدعى تحشيد كل هذه العنصرية وجهدها المدفوع بالتعصب والكراهية للإساءة إليه وحرقه. وقتها سيعلمون بأنه يتفرد في الايمان بكل الأنبياء والرسالات الإلهية، وهذا ما لا تجده في كتاب مقدس آخر لأنه خاتمة النصوص المقدسة.

ثالثا- لماذا لا تتم مواجهة هذه الظاهرة بالطرق القانونية والبحث في زوايا القانون الذي ينص على حرية التعبير والرأي وحماية من يقوم به طالما انه يتعلق بالأفكار وليس الأشخاص. أليس الركل والحرق يعدان استفزازاً لعاطفة المسلمين البالغين بشكل عام وإثارة مقصودة للمراهق المسلم الذي سينفعل وفقا للمرحلة النفسية وللتغيرات الهرمونية المصاحبة لهذه المرحلة الصعبة؟ وربما لاحظ البعض وقوف مجموعة من الناس بهدوء رغم الاستفزاز الذي تتعرض له. بينما اندفع مراهق بسلوك عفوي نتيجة لما يعنيه له كتابه المقدس الذي يشكل بالنسبة له هوية الذات ومعنى، ومنطقي أن يتصرف المراهق بعاطفة انفعالية تناسب مرحلته العمرية الحالية المرتبكة. فالسلوك الانفعالي الذي يقوم به هذا المراهق يعد جزء من شخصيته المؤقتة، لأنه شعر بالإساءة عندما شاهد القران يركل ويحرق فحدثت الاستثارة وهذا ما يريده هؤلاء المتطرفون. أن القران بالنسبة لهذا المراهق ولغيره ليس مجرد أوراق وسطور بل أنه يشكل هويتهم ومعنى وجودهم كما قلت، كما ان غلاف القرآن ورسمه وزخرفه تشكلت في عقله كصورة ذهنية ارتبطت بعاطفته وأناه الأعلى “ضميره” حتى أصبحت جزء لا يتجزأ من بنيته المعرفية وسمة جوهرية في شخصيته. السؤال المناسب هنا: أليس هذا القانون الذي يدافع عن حرية التعبير ذاته القانون الذي يحمي حقوق الطفل منذ ولادته حتى سن البلوغ “20 عام” فلماذا يعاقب الشرطة المراهقون كأطفال تعرضوا للاستثارة المتعمدة بإهانتهم من خلال حرق القران؟. ونتساءل: ألا يعد كيل الشتائم والسباب على المسلمين وعلى نبيهم إساءة يجرمها القانون؟!.

نخلص أخيراً إلى نتيجة مفادها أن هذه الظاهرة تتطلب ظهور إعلامي يتجه نحو المجتمع السويدي والمؤسسات المعتدلة المتحضرة، وليس الجاني او الأحزاب التي تجامل بعضها بحسب مصالحها. بل علينا ان ننفذ من حيث نفذ الاخر المتعصب والعنصري للقانون، واستخدمه كأداة يحاربنا من خلاله. أقول كفانا عاطفة يصعب علينا التحكم بها وكفانا انفعالات لا تجدي نفعاً، بل جرت علينا الكثير من المآسي في بلد يجعل من القانون حصراً كتابه “المقدس” كما جعل من الأنظمة جدران يصعب على الاخر ارتقاءها والنظر فيما وراءها إن لم يستخدم سلم المنطق والتقنية. فهي إذن معركة سلمية، علمية، معرفية والعلماء هم أبطالها الحقيقيون وكذلك المثقفون ممن يعتمدون مصادرهم الموثوقة، ثم ينطلقون بما لديهم من اختصاصات. كما ينبغي علينا المشاركة في مظاهرات سلمية لجذب انتباه الفرد والمجتمع السويدي لقيم القران الأخلاقية. يتجلى باحترامه لمقدسات الاخرين وبمحبته لكل الأنبياء كما يتجلى بتأكيده على تجنب اضطهاد أي انسان وإن كان ملحداً أو غير مؤمن بالخالق.

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.