المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس
الكومبس – رأي: سخر البعض مني عندما كتبت مقالاً في مستهل فبراير الماضي طالبت فيه الحكومة الحالية و البرلمان بسن قانون يحظر حرق الكتب المقدسة، قبل أن تبلور الدنمارك الفكرة نفسها التي توجت قبل أيام بقرار تاريخي من البرلمان الدنماركي يقر بحظر حرق الكتب الدينية المقدسة. لكن للأسف، إلى متى وماذا تنتظر السويد وما الذي يمنعها من تشريع حظر حرق الكتب المقدسة؟ وذلك في وقت يعاني فيه المجتمع السويدي من التشظي والانقسامات بسبب التطرف والتحريض على الكراهية في واضحة النهار وتنامي النزعات العنصرية التي استغلت الديمقراطية غير المحصنة والثغرات القانونية الموجودة في قانون حرية التعبير من أجل تمرير خطابات عنصرية وشعبوية بالاعتداءات اللفظية والمعنوية على حريات وحقوق المجموعات الأخرى في المجتمع، وهو نفس السيناريو الذي انتهجه هتلر عندما وصل الى السلطة عن طريق الديمقراطية غير المحصنة وحرية التعبير المفتوحة على مصراعيها.
إن الديمقراطية غير المحصنة يمكن أن تقنع الشعب في نتائج الانتخابات وعقليات القطيع لكنها لا تقدم أفضل الخيارات والاختيارات، بل ليست نظاماً مثاليا لقيادة وتدبير وإدارة الشعوب والدول لأنها قابلة للاختراق من مناهضي الديمقراطية. وأكبر دليل على ذلك هو وصول SD إلى أعلى هيئة تقريرية مؤثرة تتمثل أساساً في البرلمان الذي من خلاله بدؤوا بالفعل بتقويض الديمقراطية من خلال اتفاق تيدو وتغيير القوانين والحبل على الجرار …. لكن من سينتصر على من في النهاية؟ مؤيدو الديمقراطية أم إعداؤها؟ أنصار الحريات الأساسية والسلام الاجتماعي أم المحرضون على الكراهية والانقسام في المجتمع السويدي؟
السلوك البذيء غير المحترم لكل من سلوان وبالودان المؤسس على حرق”المصحف” والتحريض على الكراهية والاستفزاز والإهانة والاحتقار للمقدسات والحريات الدينية للآخرين، كلف السويد الكثير وشوه سمعتها التي استغرقت في بنائها سنوات وسنوات. وبسبب هذين الاثنين دخلت السويد أزمات اجتماعية وأمنية حادة داخلياً وخارجياً و لا تزال تعاني من تبعات هذا التصرف المستفز الذي كانت له عواقب وخيمة هددت السلام الاجتماعي والتعايش والتسامح والتماسك الاجتماعي، ناهيك عن الأزمات الدبلوماسية والأمنية والعسكرية خاصة المتعلقة بتأخر انضمام السويد إلى حلف الناتو، إضافة إلى الخسائر الاقتصادية والمالية لتأمين هذا النوع المقزز من الاحتجاجات التي لا علاقة لها بحرية التعبير، بل تعد تعدياً وانتهاكاً و إساءة لحرية التعبير في حد ذاتها ومن ثم الحريات الأساسية للأخرين كحرية الدين والمعتقد والكرامة الإنسانية والسمعة.
حرية التعبير في الأساس مرتبطة بالفكر والأخلاق والسمعة والكرامة و الإنسانية والدفاع عن الحريات الأساسية بما في ذلك حرية الدين. وحرية الدين والمعتقد وحرية التعبير هي حقوق وحريات مترابطة ومتداخلة وتعزز بعضها، بل هي متجذرة في المادتين 18 و19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. بالتالي فحرية التعبير حق أساسي، لكنه ليس مطلقاً، بل له توازن وحدود تتوقف عند احترام حريات الآخرين وحقوقهم الأساسية الأخرى.
حرية التعبير لا تعتبر تعدياً على حقوق الآخرين في مشاعرهم أو قيمهم المقدرة ”الكرامة الإنسانية والمساواة والعدالة والتعايش السلمي والاحترام” أو تشويه سمعتهم كأفراد أو أقليات أو مجموعات، أو الاستهتار بدياناتهم ومقدساتهم التي قد تتجاوز قيمتها الاعتبارية والتقديرية قيمة وجودهم الشخصي في الحياة. وكلمة سمعة لها دلالات ومعانٍ عميقة، ولعلها التعبير الوحيد المذكور في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وتكمن قيمة حرية التعبير في مقاومتها لكافة أشكال العنصرية والكراهية وليس استغلالها للتحريض والإساءة للآخرين. ولذلك فإن هذا السلوك السيئ لا علاقة له بحرية التعبير، خصوصاً أن الشرطة قبل مدة رفضت منح رخصة الاحتجاج لحرق المصحف، الشيء الذي يؤكد أن هناك ثغرات قانونية في قانون حرية التعبير فيما يتعلق بحرق الكتب الدينية التي يجب إعادة النظر فيها من قبل السلطة التشريعية (البرلمان).
استناداً على الحجج أعلاه، فإن الصورة أصبحت مكتملة بكل أبعادها القانونية والحقوقية و الأمنية والعسكرية والسياسية والدبلوماسية والإنسانية والاجتماعية والثقافية، في أن هذا السلوك الشنيع لا علاقة له بحرية التعبير، الشيء الذي يؤكد أن لدينا ثغرات في قانون حرية التعبير يجب ملؤها حتى لا يستغلها الديماغوجيون والشعبيون و اعداء الديمقراطية و الأغبياء الذين بدؤوا بالفعل تفكيك المجتمع وتقسميه الى فصائل متحاربة. ومن خلال تعديل أو سد هذه الثغرة يمكن تحقيق السلام الاجتماعي من جديد والذي يعتبر نتيجة وأحد أهم مكونات الديمقراطية المبنية على العدالة و التسامح واحترام القيم الأساسية لحقوق الإنسان، الأمر الذي سينعكس تلقائياً وبشكل إيجابي على سمعة السويد في العالم على المستويات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية.
مرة أخرى أقترح على البرلمان والحكومة الحالية وقف هذه الفوضى من خلال تشريع وسن قانون يحظر حرق الكتب الدينية المقدسة ويعاقب كل من يحرق كتاباً مقدسا لديانة بموجب القانون، لكي نخرج من هذه المعضلة الداخلية ونتفادى فوضى ونكسة ديمقراطية ليس فقط في السويد بل في العالم كله. ومن خلال تشريع هذا الاقتراح نكون بذلك قد حافظنا على سمعة السويد دولياً وضمنا ديمقراطية محصنة بالعدالة وحقوق الإنسان توفر وتخلق السلام الاجتماعي الذي من شأنه تعزيز التماسك الاجتماعي الذي ينبع منه كل شيء إيجابي للشعب والدولة.
آمل أن تستمع الحكومة الحالية إلى ندائي وأن تتحلى بالإرادة السياسية اللازمة لتحذو حذو الدانمارك في إنهاء هذه المهزلة التي ابتزت السويد وشعبها على دفع فاتورة باهظة الثمن… وإلا فإننا سنتأخر عن الركب حتى تجبرنا الظروف الداخلية والدولية والتحديات الأمنية والمجتمع المدني والمؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي على اتخاذ قرارات كنا سنكون أول من اتخذها من باب الحكمة والحنكة السياسية.
الأحداث السياسية الدولية في تسارع وتغيير جذري في كل أصقاع العالم، وميزان القوى مختل بسبب تنافس الدول القوية على المربع الأخير، بينما حكومة كريسترشون، مازالت تغرد خارج السرب للأسف الشديد، لم تبرح المربع الأول للعبة أو انها خارج اللعبة تماماً لأنها لا تعرف المبادئ العامة للعبة والممارسة السياسية في المنطق القاسي للعلاقات الدولية.
أحمد مولاي حمة
متخصص في دراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعضو في الحزب الاشتراكي الديمقراطي السويدي