كيف نساعد السويد على تغيير نفسها لتحقيق الاندماج

: 7/26/20, 11:07 AM
Updated: 7/26/20, 11:07 AM
د. محمود آغا تصوير حنا ورد
د. محمود آغا تصوير حنا ورد

المقال يعبر عن رأي كاتبه وليس عن رأي الكومبس

منبر الكومبس: هل يكفي أن ننتقل ونعيش في السويد ونحصل على إقامة بها، وعلى جنسيتها أيضا حتى نفهم هذا البلد ونستطيع القول إننا على الأقل ندرك أين نحن نعيش؟ الواقع للأسف يبين أن هناك جزء لا بأس به منا نحن المهاجرون، يعتقدون أنهم يفهمون السويد، لأنهم فقط يعيشون فيها، بغض النظر عن المدة التي قضوها هنا، وربما بغض النظر عن الوظيفة أو العمل الذي يزاولونه.
مشاهدات ودلالات عديدة ومؤلمة تظهر بشكل واضح، أن هناك أشخاصاً يعيشون في السويد، لكنهم بعيدون فعلا، عن فهم واقع هذا البلد وكيف تسير الحياة به. وهذه للأسف حقيقة هي أخطر من مجرد سوء فهم بيننا وبين المجتمع الذي نعيش به. لأن تصرفات وأقوال وردود فعل البعض منا تظهر عدم إدراك كلي لأهم أعمدة وأسس بناء المجتمع الذي نعيش به.

ما معنى أن تسأل شخص، يعيش هنا في السويد، عن رأيه بموضوع يهمه ويهم عائلته وأطفاله، يكون جوابه، أنا اقامتي مؤقته لا اريد ان أقول شيء يمكن ان يؤثر على منحي إقامة دائمة؟ وما معنى أن يشعر شخص آخر يحمل الجنسية السويدية منذ سنوات بأنه ضيف على السويديين، أصحاب البلد، كما يقول، لذلك، ولأنه ضيف فقط عليه أن يكون مؤدباً؟ وهنا لا نعرف ماذا يقصد هذا الشخص بالتأدب، وهل التأدب أن تشعر بأنك أقل شأنا من سويدي أشقر بعيون زرقاء؟

وما معنى أن يستغرب البعض ما يصفونه بقسوة السويد وسطوة قوانين هذا البلد الصارمة، عند أول صدام في تعاملهم مع مؤسسات الدولة، مثل مكتب العمل، وصندوق التأمينات الاجتماعية أثناء وبعد خطة الترسيخ، أو مع مصلحة الهجرة في معاملات لم الشمل، أو مع مصلحة الضرائب وغيرها من المؤسسات، بالنسبة لمن يبدأ حياته العملية.
فبعد أن رسم البعض ممن اختاروا السويد مجبرين أو مخيرين، صورا وردية في مخيلتهم عن هذا البلد تشبه الجنة وعن حياة سهلة ورغيدة وعن شعب مبتسم وساذج، يتفاجؤون بأنهم أمام آلة أو حتى وحش بيروقراطي، ليس له قلب ومجرد من العواطف.
في خضم التواصل شبه اليومي مع مؤسسات الدولة، يعتقد البعض أنهم يتعاملون مع أشخاص يمكن أن يلينوا أو يحنوا أو يتعاطفوا معهم، مع التقليل من أهمية استخدام الحقائق واللغة القانونية في هذه التعاملات.
ولعل تطور وازدهار مهن المحامين والحقوقيين، هو بسبب درايتهم بالتعامل مع جهاز الدولة ودوائرها، ولأنهم يستطيعون التكلم مع هذا الجهاز باللغة التي يفهمها ويتفاهم بها.

المسافة كبيرة وهائلة بين البعض وبين حقيقة المجتمع الذي نعيش فيه

وكيف يمكن تفسير حكم شخص على ما تقوم به السويد من إجراءات لمواجهة أزمة كورونا، من نوع: تعمد قتل كبار السن، وتسخيف ما تقوم به مؤسسات السويد لحد الاستهزاء، فهذا دليل على أننا لا نعرف السويد.
المشاهدات عديدة ومؤلمة، على المسافة الكبيرة والهائلة بين هؤلاء وبين حقيقة المجتمع الذي نعيش به.

عملية التفاعل والتفاهم في المجتمع السويدي، عملية ليست بالسهلة، لأن من وضعوا أسس بناء هذا البلد، كانوا يفكرون حسب معطيات وبيانات خاصة بالشعب السويدي وثقافته، وليس بما يتناسب مع تفكيري وتفكيرك، ومع ذلك تحاول السويد تغيير تفكيرها وقوانينها لتلائم حاجاتها من الانفتاح على الآخرين، وحاجتها لاستقبال مهاجرين جدد، أو لالتزامها الأخلاقي باستقبال لاجئين يحتاجون للحماية.
السويد تحاول وربما تنجح وربما تتأخر بالنجاح لتلائم نفسها مع معطى جديد اسمه المهاجر أو اللاجئ، ولكن هل كل اللاجئين والمهاجرين نجحوا في أن يفهموا مجتمعهم الجديد لكي يساهموا في تقريب مسافة التباعد من هدف الاندماج ؟

نعم عملية فهم السويد ليست بالأمر السهل، لأنها تحتاج إلى جهد وإرادة، للحصول على معرفة تتراكم كل يوم من خلال المتابعة واستخدام المنطق والواقع في الحكم على الأمور.

هناك من أيقن منذ اليوم الأول لوصوله إلى السويد أنه لا يعرف الكثير عنها، لذلك قرر أن يفهم المجتمع ويدرسه .. وهناك من قرر منذ اليوم الأول أنه يعرف السويد وفق مسلمات وأفكار مسبقة

هناك من أيقن منذ اليوم الأول لوصوله إلى السويد أنه لا يعرف الكثير عن هذا البلد، وأدرك أنه سيعيش بمجتمع جديد، لذلك قرر أن يفهم المجتمع ويدرسه ويتعرف على الإمكانيات المتاحة له، وعلى حقوقه وواجباته، هؤلاء حققوا قصص نجاح بفترات زمنية قصيرة، وهناك من قرر ومنذ اليوم الأول أنه يعرف السويد ورسم صورتها بذهنه حسب مسلمات وأفكار مسبقة، لذلك فهو ومع مرور سنين طويلة لا يزال يجهل محيطه، ممكن لمثل هذا الشخص أن يعرف كيف يحصل على بعض حقوقه وأن يتعامل مع المجتمع ضمن تسيير امور يومية، ولكن في الحقيقة هو بعيد عن هذا المجتمع حتى وان كان كجسد موجودا به. يعني هناك من يحكم على السويد من الساعات الأولى لوصوله، أو يمكن أن يطلق أحكامه وهو على الطريق من مطار أرلاندا إلى مركز المدينة.
أغلب هؤلاء لا يعرفون مثلا، أن السويد تجدد وتعدل ما بين 300 إلى 400 قانون سنويا، أي بمعدل قانون جديد في كل يوم، كما توجد مؤسسة حكومية اسمها مكتب الإحصاء المركزي SCBمختصة بإجراء الإحصاءات عن كل شيء يهم سكان السويد وتقدم بالتالي الأسس الصحيحة التي تعتمد عليها دوائر صنع القرارات، مؤسسة الإحصاء هذه فيها 1300 موظف وميزانية سنوية تقارب مليار كرون، كل ذلك من أجل انتاج أرقام وبيانات ومنحنيات، تساهم في ألا تكون القرارات على أي مستوى كان، قرارات اعتباطية، ومستندة فقط على مزاج صاحب القرار وحدسه، بل تكون قرارات تستند إلى أرض صلبة من الحقائق والواقع. هذا فيما تلتزم 28 سلطة حكومية بتقديم إحصاءات للحكومة لدعم دوائر القرار .

من هنا تأتي أهمية المعلومة الصحيحة والكاملة والصادقة عن السويد ومجتمعها، ومن هنا تأتي أهمية متابعة وسائل الإعلام ذات المصداقية، ولا يهم هنا بأي لغة نتابع لكي نحصل على معلومة تتميز بالجودة، المهم أن نضمن بأننا نفهم المعلومة ونكون على يقين بأننا استفدنا منها في حياتنا اليومية.

د. محمود آغا

رئيس تحرير مؤسسة الكومبس الإعلامية

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.