آراء مختلفة ومتضاربة في سوريا وعليها. مشاعر تمتزج بين التفاؤل والخوف، التفاؤل بمستقبل تتجاوز فيه البلاد واقعها المأسوي الذي خلفته الديكتاتورية والفساد والحرب، والخوف من إنتاج ديكتاتورية جديدة عنوانها الحزب الواحد والحكم المطلق. كل هذا طبيعي في بلد يتطلع للنهوض بعد سنوات عجاف خسر فيها الشعب ما خسر من أرواح وممتلكات. إنه حراك لا بد منه يجب أن تتصارع فيه الأفكار لا البنادق علّه ينتج مرحلة أفضل تتبعها مراحل.
وسط هذا الحراك يبدو المشهد الإعلامي في سوريا فوضوياً. أخبار وشائعات من كل صوب، معظمها موجّه، وقرارات تتسرب إلى وسائل التواصل شفهياً لا تجد من يؤكدها أو ينفيها. فيما ينبري معلقون كثر للهجوم على أي فكرة ناقدة، خوفاً من أن تكون عثرة في الطريق أو دفاعاً خفياً عن نظام أفل.
المخاوف مفهومة أمام معاناة طويلة عاشها الشعب السوري وكلفته مئات آلاف الضحايا والمفقودين والمعتقلين وملايين المهجرين والنازحين. غير أن التأسيس لسوريا الجديدة أياً يكن شكل الحكم فيها يتطلب بالضرورة أن يكون فيها إعلام حقيقي. لا إعلام يقرع طبول الحرب أو يكتفي بكتابة قصائد المديح.
الصحافة أداة المجتمع الأهم في الدفاع عن نفسه أمام السلطة أو الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان، أياً كان حجمها، وسواء كانت فردية أم ممنهجة. وبهذا المعنى فإن الصحافة ناقدة بالضرورة. والعمل الصحفي إنما مهمته الأولى رصد الأخطاء والسلبيات، لا بغرض استخدامها في الدعاية السياسية ضد هذا الطرف أو ذاك، بل بغرض منعها وتقويمها.
مراحل التأسيس تتيح أمام السوريين فرصة بناء إعلام حقيقي، سواء كان إعلام الدولة أم إعلاماً خاصاً. وهم لا يفتقرون إلى الخبرات اللازمة لذلك إن توفرت الإرادة وإن وعى الناس دور الإعلام في الدفاع عن مصالحهم.
تجارب كثيرة لدول تحول فيها الإعلام إلى سلطة رابعة حقيقية، ويمكن الاستفادة من هذه التجارب بما يتناسب مع الوضع السوري. في السويد مثلاً يموَّل إعلام الدولة (الخدمة العامة) من الشعب مباشرة ليكون صوت الناس لا صوت الحكومة. أما الأحزاب فلها أن تصدر من وسائل الإعلام ما تشاء وللصحف الخاصة أن تتبنى التوجه الذي يناسبها، في حين لا يسمح لإعلام الدولة بالدفاع عن توجه سياسي بمواجهة آخر. وأياً تكن الملاحظات على أداء الإعلام السويدي، العام والخاص، فإنه إعلام استطاع في المجمل أن يكون نداً للأحزاب والحكومة، مراقباً دؤوباً لكل خطأ أو هدر للمال العام، حتى لو كان بشكل تذكرة سفر لزوجة رئيس الحكومة.
الإعلام الناقد، والمعارضة، حجرا زاوية في أي بلد يتطلع إلى الأفضل ويتبنى التعددية والديمقراطية، ومن دونهما فإن المجتمع يتحول إلى جوقة تكرر الشعارات والأناشيد نفسها صباح مساء، كما حصل في سوريا على مدار خمسين عاماً، وكما يحصل في دول كثيرة غيرها.
على السوريين ربما أن ييدؤوا تعويد أنفسهم على سماع الآراء المختلفة معهم وألا يخافوا من الأصوات التي تنتقد الفريق السياسي الذي يؤيدونه.
قد يبدو ذلك تنظيراً حالماً أمام واقع يتسم بالاحتقان والكراهيات والمخاوف، لكن لا بد من بداية إذا كان الناس يريدون إعلاماً يعبّر عنهم. وفي سوريا وخارجها خبرات إعلامية كثيرة من السوريين تستطيع أن تطلق صحافة تمارس دوراً إعلامياً حقيقياً لا بروبغندا ترتدي ثوب الإعلام.
مهند أبو زيتون