“بصمتك الكربونية”.. هل أنت مسؤول عن تغير المناخ؟

: 1/8/22, 1:46 PM
Updated: 1/8/22, 1:46 PM
تظاهرات للمطالبة بمحاربة ظاهرة التغير المناخي نظمتها  حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل"
تظاهرات للمطالبة بمحاربة ظاهرة التغير المناخي نظمتها  حركة "أيام الجمعة من أجل المستقبل"

الكومبس – تقارير: هل تسهم القرارات الفردية في محاربة ظاهرة الاحتباس الحراري؟ أم أن الدعوات الرامية لتغيير نمط حياة الأفراد ليست سوى وسيلة لتشتيت الانتباه عن الحلول الحقيقية لمكافحة الاحتباس الحراري؟ وما دور الشركات الكبرى في ذلك؟

مع تفاقم ظاهرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدلات قياسية، ومع نشوء ظواهر مناخية خطيرة، دعا البعض إلى تغيير نمط الحياة العامة والأفراد مثل ترشيد استهلاك الطاقة وتقليل تناول اللحوم وتقليل السفر بالطيران.

وتزايدت هذه الدعوات على مدار العقد الماضي في محاولة لتخفيض “البصمة الكربونية” للأفراد، استناداً على قول مفاده: إذا قام سكان البلدان الغنية بتغيير نمط حياتهم فسيسهمون في الحد من انبعاث غازات الاحتباس الحراري.

غير أن خبراء في المناخ وحماية البيئة يرفضون بشكل متزايد التركيز على تحميل الأفراد والعامة مسؤولية خفض البصمة الكربونية لأنها ليس سوى وسيلة لتشتيت الانتباه عن الحلول الحقيقية، وفق اعتقادهم.

في المقابل، يرى كثير من العلماء أن تغيير نمط الحياة الفردية من شأنه أن يكون خطوة جيدة في مجال محاربة ظاهرة التغير المناخي، ما يثير تساؤلات حول مدى أهمية ما يفعله الفرد تجاه حماية المناخ؟

البصمة الكربونية؟

في تسعينات القرن الماضي صاغ باحثان كنديان مصطلح “البصمة الكربونية” الذي يعني مقدار ثاني أكسيد الكربون المنبعث في الغلاف الجوي سواء الناجم عن أنشطة الأفراد أو المنظمات أو الدول.

وبعد عشر سنوات وفيما كان الغموض يكتنف مصطلح “البصمة الكربونية”، دشنت شركة “بي بي” العملاقة للنفط والغاز حملة تسويقية سنوية بتكلفة مئة مليون دولار من أجل تعميم المصطلح.

وشملت الحملة إعلانات في صحف كبيرة مثل نيويورك تايمز، ووضع ملصقات في المطارات حول العالم وعرض إعلانات تجارية على شاشات التلفزيون كان مفادها طرح تساؤلا على العامة: “ما هو مقدار بصمتك الكربونية؟”

بل شمل الأمر تدشين طريقة لحساب ما يصدره الفرد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

ويقول خبراء المناخ إن الهدف من وراء الحملات الإعلانية تحميل العامة والأفراد مسؤولية الضرر الناجم عن “البصمة الكربونية” وما تصدره من انبعاثات ضارة بالبيئة، فيما كانت الشركة وغيرها من شركات النفط تمضي قدماً في استخراج ملايين البراميل من النفط يومياً.

وقال جيفري سوبران، الباحث في جامعة هارفارد الذي يعكف على دراسة كيف ضللت شركات النفط العامة بشأن تغير المناخ، إن مقارنة البصمة الكربونية الخاصة بالأفراد بالبصمة الكربونية للشركات ليست سوى محاولة “لتحريف المفهوم الحقيقي للتحديات المناخية”.

السجائر والبلاستيك؟

تقوم شركات النفط والوقود الأحفوري بالترويج لفكرة مسؤولية الفرد عن البصمة الكربونية وما يقوم به الفرد من تقليل انبعاثات الكربون في الوقت الذي تضغط فيه هذه الشركات ضد وضع قوانين أو تشريعات أو اتفاقيات للحد من التلوث الناجم عن أنشطتها النفطية.

ويبدو أن محاولات الشركات للتركيز على قضية البصمة الكربونية على مستوى الفرد ليست وليدة اللحظة إذ تعود لفترات زمنية بعيدة.

في سبعينيات القرن الماضي، دشنت منظمة تدافع عن البيئة تحمل اسم “حافظوا على جمال أمريكا” حملة إعلانية تنتقد العامة لإلقاء النفايات وتشجعهم على إعادة تدويرها، بيد أن تمويل هذه المنظمة كان يأتي من شركات تصنيع الزجاجات البلاستيكية التي كانت تقف وراء وضع قواعد لحل أساس المشكلة.

ولم يقتصر الأمر على صناعة البلاستيك بل امتد إلى صناعة التبغ إذ عمدت شركات التبغ على النأي بنفسها عن الأضرار الصحية التي يتسبب فيها التدخين من خلال التشكيك في الدراسات العلمية وتدشين حملات إعلانية تقوم على فكرة أن التدخين “حرية شخصية”.

وعندما رفع أطباء دعاوى قضائية ضد شركات التبغ بسبب الأضرار الصحية الكبيرة الناجمة عن التدخين، قالت شركات التبغ إن الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والرئة بسبب التدخين، يتحملها المدخنون لشرائهم السجائر.

وكشفت دراسة شارك فيها جيفري سوبران أن شركة النفط العملاقة “إكسون موبيل” تستهدف الأفراد في الوقت الذي تقوم به الشركة بالتقليل من جوهر حقيقة قضية التغير المناخي.

وأضافت الدراسة أن ما تقوم به الشركة يشبه “الأساليب الاستراتيجية لشركات التبغ بتحويل المسؤولية بعيداً عنها وتحميل المستهلكين المسؤولية رغم أن هذه الشركات باعت عن عمد منتجاً قاتلا”.

هل هذا خطأ الشركات الكبرى؟

ورداً على سؤال هل تلقي صناعة النفط اللوم على المستهلكين بعيداً عن تحملها أي مسؤولية إزاء ظاهرة التغير المناخي، ردت “إكسون موبيل” في بيان أُرسل إلى DW بقولها إنها ملتزمة بالعمل على إزالة الكربون من القطاعات عالية الانبعاثات عبر ضخ استثمارات في التقنيات التي تساعد المجتمع على تحقيق مستقبل خالٍ من الانبعاثات.

وأضاف بيان الشركة “ستكون هناك حاجة في نهاية المطاف لإحداث تغييرات في استهلاك المجتمع والأفراد للطاقة إلى جانب تطوير ونشر تقنيات منخفضة الانبعاثات بأسعار معقولة”.

ولم ترد شركتي “بي بي” أو “شل” على طلب للتعليق.

يذكر أن دراسة نشرتها مجلة “بحوث الطاقة والعلوم الاجتماعية” في سبتمبر الماضي ذكرت أن الشركات الثلاث، مع عملاق النفط الفرنسي توتال، مسؤولة بشكل غير مباشر عن 11 بالمئة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري بين العامين 1965 و 2018.

وأشارت الدراسة إلى أن سبع شركات أخرى من بينها شركات نفط حكومية في السعودية وروسيا مسؤولة عن 20 بالمئة من الانبعاثات الكربونية.

مدى مساهمة الأفراد في تدمير المناخ

في خضم النقاش الدائر حول مسؤولية الفرد عن “البصمة الكربونية”، تتوقع وكالة الطاقة الدولية أن خفض 40 بالمئة من انبعاثات الكربون من الاقتصاد العالمي بحلول العام 2050 سيكون نتاج سياسات لا تتعلق بالمرة بالأشخاص أو الأفراد، مثل توليد المزيد من الكهرباء من الطاقة المتجددة أو استخدام تقنيات خضراء في التصنيع.

في المقابل، قالت الوكالة إن خفض انبعاثات الكربون بمعدل 4 بالمئة فقط يُتوقع أن يأتي من تدابير فردية مثل تقليل السفر بالطيران أو تقليل استخدام السيارات.

وشددت الوكالة أن النسبة 55 بالمئة المتبقية ستأتي جراء مزيج من إجراءات حكومية وإجراءات فردية لحماية البيئة مثل تقديم إعانات حكومية تمكّن الأفراد من شراء سيارات كهربائية أو تركيب مضخات حرارية لتقليل الانبعاثات الناتجة عن التدفئة أو التبريد داخل المنازل.

وفي نوفمبر الماضي، كشفت دراسة نشرتها مجلة Nature (الطبيع) أن هذه الحلول يمكن أن تخفض انبعاثات الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري إلى النصف بحلول 2050، مضيفة أن مثل هذه الحلول ستسهم أيضاَ في تحسين جودة الحياة.

كذلك، فإن طرق اختيار الأفراد للطعام والمواد الغذائية أو تغيير النمط الغذائي قد يكون له تأثير على حماية البيئة، إذ ذكرت دراسة قام بها باحثون من جامعة إلينوي الأمريكية أن إنتاج الغذاء العالمي يتسبب في أكثر من ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري.

وقال ستيوارت كابستيف، نائب مدير مركز تغير المناخ في جامعة كارديف بالمملكة المتحدة، إن “الأشخاص العاديين يقولون إن أفعالهم لحماية البيئة ليست سوى قطرة في محيط وأن النظام بحاجة إلى التغيير”. وأضاف “ما سأقول لهم: كيف يمكن تغيير النظام؟ الشعوب هي من تدفع الأنظمة إلى التغيير”.

أجيت نيرانجان

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية وDW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.