الكومبس – خاص: تثير مقاطعة البضائع الإسرائيلية الانتباه في السويد، وازداد الجدل حدة ودخل في التفاصيل القانونية حين قررت بلدية يوتيبوري المقاطعة رسمياً. وهو قرار لم يبصر النور أكثر من بضعة أشهر بعدما أعلنت المحكمة الإدارية مؤخراً “أن بلدية المدينة ارتكبت خطأً بهذا القرار”.

يبدو أن الجدل القائم حول قرار المجلس البلدي لا يكمن في فكرة المقاطعة نفسها، إنما بمصدر البضائع المُراد مُقاطعتها، وهو في هذه الحالة إسرائيل، لأن غالبية عناوين الأخبار التي انتشرت عقب إسقاط قرار البلدية ركزت على البضائع الإسرائيلية، بينما يشمل قرار المقاطعة الذي تبناه الائتلاف اليساري الذي يحكم المدينة (تحالف الحمر الخضر) لا يضم فقط إسرائيل بل يشمل روسيا والمغرب أيضاً.

جدلٌ لم تشهده كثيراً حملات المقاطعة السابقة على صعيد مؤسسيّ داخل السويد، إذ لم يظهر على الساحة أي حكم قضائي بين جهتين رسمييتين في السويد عند إعلان عدة محافظات مثل سكونا وستوكهولم ومدينة يوتيبوري، مقاطعة شركة مونداليز ومنتجاتها، بما فيها شوكولا “مارابو” بسبب امتلاكها مصانعَ في روسيا، وذلك عقب الهجوم الروسي على أوكرانيا العام 2022.

ما الثغرة القانونية في قرار المقاطعة الذي تبنته البلدية؟

وفقاً للمحكمة الإدارية في يوتيبوري (Förvaltningsrätten i Göteborg) فإن قانون الحكم المحلي لا يسمح للبلديات بالاهتمام بالمسائل المنوطة بالدولة فقط، مثل السياسة الخارجية، كما أن إظهار عدم الموافقة على تصرفات دول معينة في قرار المقاطعة هو مثال للتعبير عن الرأي في مجال السياسة الخارجية الذي يعود إلى الدولة القيام به.

وتخلص المحكمة إلى أن “قرار المقاطعة يقع خارج نطاق اختصاص البلدية ويجب إبطاله”.

يذكر أن أحزاب المعارضة في المدينة (ديمقراطيو السويد والليبراليون) هي التي استأنفت قرار المقاطعة أمام المحكمة الإدارية، ولهذا وافقت المحكمة على قرار الاستئناف بدعوى أن المقاطعة يمكن أن تكون لها “عواقب وخيمة على المصالح الفردية والعامة” على حد تعبيرها.

بعض البضائع الإسرائيلية مُعفاة من الجمارك

التبادل التجاري بين السويد وإسرائيل ليس جديداً، حيث يذكر الموقع الرسمي للسفارة الإسرائيلية في ستوكهولم أن التاريخ التجاري بينهما ممتد منذ أكثر من ثلاثين عاماً، وذلك في إطار اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ولكن ما تعنيه هذه الاتفاقية هي أن جميع العمليات التجارية التي تتخذ إسرائيل جانباً فيها- سواء الواردات أو الصادرات – معفاة من الرسوم الجمركية، خصوصاً المنتجات الصناعية، في حين أن عدداً قليلاً فقط من المنتجات الزراعية يتمتع بالامتياز الجمركي نفسه.

كما يذكر موقع السفارة أيضاً أن إسرائيل تصدِّر للسويد المنتجات الهندسية والمواد الغذائية والمنتجات الكيماوية في المقام الأول، بينما تستورد إسرائيل منها الشاحنات والورق والكرتون والاتصالات والصلب والحديد.

قرار المحكمة مُتوقع.. والمقاطعة ليست جديدة

أميرة خليل، رئيسة الهيئة الإدارية سابقاً في “جمعية البيت الفلسطيني في يوتيبوري” (Palastinska huset i Göteborg) قالت للكومبس إن قسماً كبيراً من الجالية العربية وحتى بعض الجاليات من دول أخرى حول العالم، مقاطعة لجميع البضائع الإسرائيلية في السويد منذ زمن بعيد، وليس منذ بدء الحرب الأخيرة على غزة العام الماضي. وعلى صعيد شخصي فهي مقاطعة للبضائع منذ العام 1986، لحظة وصولها للسويد.

تقول أميرة “قرار المحكمة الإدارية في يوتيبوري لا يؤثر على إرادتنا، وأصبح من المكشوف أن بضائع الكيان الصهيوني (ملاحظة المحرر: تسمية يطلقها ناشطون فلسطينيون على إسرائيل) الموجودة هنا يتم تغيير الكود الخاص بها للتكتم على بلدها المنشأ في بعض الأحيان”.

مسألة تغيير الكود أثيرت مراراً من قبل ناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي، غير أنه لا يوجد بعد ما يؤكد ذلك من قبل متاجر المواد الغذائية أو مصلحة الأغذية.

وتضيف أميرة “يقع على عاتق الشباب اليوم مسؤولية كبيرة بنشر التوعية حول مفهوم المقاطعة وكيفية تحويلها لأداة ضغط فعالة في المجتمع، وفئة الشباب في يوتيبوري يقومون بالفعل بجهد كبير لاستكمال رسالتنا حول القضية الفلسطينية”.

بلدية يوتيبوري: قررنا سابقاً تجميد المشتريات من الشركات التي لها نشاط في روسيا

وفقاً لقرار المحكمة الإدارية، فإن للجنة المشتريات في بلدية يوتيبوري الحق في الاعتراض على إسقاط قرارها بمقاطعة المنتجات الإسرائيلية في المدينة خلال 3 أسابيع من تلقيها قرار إلغاء المقاطعة. الكومبس تواصلت مع يوحنا عازار (Johanna Azar)، النائبة عن حزب البيئة في لجنة المشتريات في يوتيبوري للاستفسار عن الإجراءات التي ستتخذها اللجنة بعد قرار المحكمة وعما إن كانت قد قدمت بالفعل استئنافاً للمحكمة، فجاء الرد كالتالي: “لم نقرر بعد ما إن كنا سنستأنف القرار أم لا. البيان أدناه يلخص جيداً ما قلناه حول القرار حتى الآن”.

البيان الذي تشير إليه النائبة:

نسخة من البيان الذي حصلت عليه الكومبس حول رد بلدية يوتيبوري على قرار المحكمة الإدارية حول وقف شراء البضائع الإسرائيلية

النسخة العربية من البيان:

“بيان من إدارة (الحمر الخضر) في يوتيبوري بشأن إلغاء المحكمة الإدارية قرار وقف شراء البضائع من الدول التي تمارس احتلالاً غير قانوني لولايات أخرى.

يأسف مجلس (الحمر الخضر) في يوتيبوري لحكم المحكمة الإدارية. تشتري مدينة يوتيبوري السلع والخدمات بحوالي 29 مليار كرون كل عام. إن التوقف عن شراء السلع والخدمات من الدول التي تمارس العنف وتنتهك حقوق الإنسان يتماشى مع نظرتنا لدور البلديات في سياسة الشراء والمشتريات.

وكانت مدينة يوتيبوري قررت سابقاً تجميد المشتريات من الشركات التي لها نشاط اقتصادي في روسيا، وكان ذلك أوسع نطاقاً من تجميد الشراء من قبل الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والسلطات الحكومية. نعتقد بأن قرار وقف المشتريات من جميع الدول التي تمارس احتلالاً غير مشروع يتماشى مع حق البلديات في تحديد المتطلبات الأخلاقية في الشراء والتوريد، مثل أهداف شراء نسبة معينة من الأغذية العضوية، ومتطلبات شروط العمال أو متطلبات المركبات ضمن فئات بيئية محددة أثناء النقل.

كتبت المحكمة الإدارية في حكمها أن الغرض من القرار هو التعبير عن رأي في السياسة الخارجية. لقد كان هدفنا، وسيظل كذلك، هو التأكد قدر الإمكان من أن أموال الضرائب في يوتيبوري لا تذهب إلى الشركات التي لديها شروط تتعارض مع قانون العمل، أو ظروف إنتاج تتعارض مع حقوق الحيوان أو تمول انتهاكات للقانون الدولي. لقد تصرفنا بناءً على المسؤولية التي نتحملها تجاه أموال الضرائب لمواطني يوتيبوري.

ستقوم اللجنة بتحليل الحكم عن كثب والعودة إلى مسألة الاستئناف المحتمل في مرحلة لاحقة.

جوناس أتينيوس (اشتراكي) رئيس مجلس بلدية يوتيبوري.
دانييل برنمار (يسار) نائب رئيس مجلس بلدية يوتيبوري.
كارين بليجيل (حزب البيئة)، ومستشارة البلدية المسؤولة عن المشتريات والتوريدات”.

وفقاً للبيان أعلاه، فستحلل لجنة المشتريات في المدينة مع الأحزاب الحاكمة حكم المحكمة الإدارية والبت لاحقاً في مسألة استئناف حكمها، فهل ستعود أموال دافعي الضرائب في يوتيبوري إلى تمويل جهات تحتل دول أخرى؟ أم أن البلدية ستستغل حقها القانوني بالاستئناف قبل فوات الأوان؟

راما الشعباني

يوتيبوري

المزيد حول “مقاطعة المنتجات”: