تطبيق “NO Thanks” أو “لا شكرا” يدعو إلى مقاطعة وعدم شراء منتجات الشركات التي “تدعم” إسرائيل. فهل يعتبر هذا شكلا من أشكال الاحتجاج المشروع أم معاداة للسامية؟ DW تحدثت مع صاحب التطبيق وخبراء في أبحاث معاداة السامية.يعمل التطبيق بشكل بسيط جدا: يمكن للمستخدم مسح شيفرة (كود) منتَج ما أو إعطاء اسمه للتطبيق ليظهر له خلال ثوان إلى أي حد “تدعم” الشركة المنتجة إسرائيل، ثم تظهر عبارة “No Thanks/ لا شكرا”، وهي دعوة لعدم شراء منتج ما.
وفي فيديوهات منشورة علي موقعي “تيك توك” و”X” (تويتر سابقا) تظهر شركات مثل كوكا كولا ونستله ضمن قائمة الشركات التي يدعو التطبيق لمقاطعة منتجاتها.
وقد تم إصدار هذا التطبيق في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر. وتم تنزيله أكثر من 100 ألف مرة حتى الآن، وحسب تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي هناك اهتمام بالتطبيق من قبل المستخدمين في مختلف أنحاء العالم، سواء في الهند أو بلجيكا علي سبيل المثال.
لم يعد متوفرا في متجر تطبيقات غوغل “Playstore”
منذ أن شنت حركة حماس هجومها الإرهابي على إسرائيل وقتلت 1200 شخص وخطفت 240 رهينة، تم التصعيد بشكل كبير بين إسرائيل وقطاع غزة. وحسب أرقام وزارة الصحة التابعة لحماس في غزة، قتل أكثر من 15 ألف شخص في الغارات الإسرائيلية على القطاع. ومنذ ذلك الحين هناك استقطاب واصطفاف عالمي إلى جانب إسرائيل أو الفلسطينيين أو حماس، التي هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية. وتطبيق المقاطعة “No Thanks” تم تحميله بشكل خاص من قبل المؤيدين للفلسطينيين.
في الأثناء لم يعد التطبيق متوفرا للتحميل في متجر تطبيقات غوغل “Playstore”، وحسب بحث واستقصاء DW لم تكن هناك نسخة خاصة من التطبيق لنظام تشغيل iOS لأجهزة آبل حتى الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2023. ولكن لا يزال يمكن تحميل التطبيق بطرق ملتوية غير مباشرة. لكن من يقف وراء هذا التطبيق؟ وما هو هدفه بالضبط؟ ولماذا لم يعد متوفرا للتحميل في متجر تطبيقات غوغل للأجهزة التي تعمل بنظام أندرويد؟
“لقد فقدت أخي”
حسب معطيات التطبيق نفسه، فإن مطوره يدعي أحمد بشباش، الذي يعيش حاليا في المجر، وفي رسالة إلى DW كتب بشباش أنه فلسطيني من غزة، وقال في رسالته إنه فقد شقيقه في “هذه المجزرة” وأن أخته توفيت عام 2020 لأنها لم تتلق الرعاية الطبية في الوقت المناسب من إسرائيل. وأضاف أن هدف المقاطعة هي “لمنع حدوث ما حدث له لفلسطيني آخر”، حسب ما جاء في رسالته إلى DW.
أما قائمة الشركات التي يزعم أنها تدعم إسرائيل، فقد وضعها بمساعدة موقعي: “Boycotzionism” و”Ulastempat”. وموقع “Boycotziionism/ مقاطعة الصهيونية” الذي يرفع شعار “فلسطين ستصبح حرة من النهر إلى البحر”، والذي يتم تفسيره جزئيا معاديا للسامية، ويرى البعض هذا الشعار ضد حق إسرائيل في الوجود.
وعلى قائمة الموقع للشركات التي يدعو إلى مقاطعتها، هناك العديد من الشركات العالمية المعروفة مثل أديداس وماكدونالدز، وشانيل ونتفليكس وآبل، وهي تضم شركات من مختلف القطاعات. وقد تم إدراج بعض الشركات في القائمة لأنها نظمت حملات إدانة لهجوم حماس الإرهابي على إسرائيل، وأعلنت عن رفضها لكل أشكال الكراهية ومعاداة السامية، أو لأن بعض الشركات لها استثمارات في شركات إسرائيلية ناشئة أو أنها “تمول سرقة الأراضي الفلسطينية”.
انتقاد لسياسة إسرائيل أم معاداة للسامية؟
يقول أحمد بشباش في رسالته لـ DW إن سبب حذف التطبيق من متجر تطبيقات غوغل هو هذه الجملة التي كانت على واجهة التطبيق: “هنا يمكنك رؤية فيما إذا كان هذا المنتج الذي بين يديك يدعم قتل الأطفال في فلسطين”. وفي الأثناء تم تبديل هذه الجملة بالجملة التالية: “هنا يمكنك رؤية فيما إذا كان المنتج مدرجا على قائمة المقاطعة أم لا”. ولكن لا يزال هناك في وصف التطبيق أنه “يساعد في معرفة المنتجات التي تدعم قتل الأطفال في فلسطين”.
هذه الجملة، حسب الخبراء، يمكن تفسيرها على أنها معادية للسامية، كما يمكن تفسيرها على أنها تنتقد إسرائيل. فقد كانت هناك في العصور الوسطى كذبةٌ معاديةٌ للسامية تعرف بـ”فرية الدم”، والتي ادّعت “أن اليهود قتلوا الأطفال لاستخدام دمهم في صنع خبز بيساخ (عيد الفصح اليهودي)”، حسب ما جاء في حوار ميرون مندل، مدير مركز آنه فرانك التعليمي مع DW. ويقول أوفا ينزن، نائب مدير مركز أبحاث معاداة السامية، إن هذا التعبير يمكن أن يكون أقرب إلى معاداة السامية لأنه يعكس صورة إسرائيل كقاتل أطفال.
وحسب مندل يمكن تفسير الجملة من ناحية أخرى بالاستناد إلى أنه في الواقع يُقتل أطفال أيضا خلال الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة. لكن وحيث أن هؤلاء الأطفال لا يقتلون بشكل متعمد، وإنما في سياق الحرب؛ فإنه يمكن للمرء أن يفسر جملة “إن منتجا ما يدعم قتل الأطفال في فلسطين” على أنه جدلية مبالغ فيها “كوسيلة لإثارة العواطف”، يوضح مندل. ومن جهته يضيف ينزن بأن حماس هي التي قتلت الأطفال الإسرائيليين أثناء هجومها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وبالتالي فإن “جملة كهذه تأتي في هذا السياق وهي مثيرة للجدل بشكل كبير”. وطبعا مات أطفال في غزة أيضا.
ما هو هدف المقاطعة؟
وأهم سؤال بالنسبة لمدير مركز آنه فراك التعليمي، ميرون مندل هو السؤال التالي: ما هو الهدف بالضبط من مقاطعة منتج محدد؟ فمنذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول واضح أن هدف الجميع ليس واحدا: “فهناك من يطالبون بدولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل، وهناك آخرون يرغبون في إبادة دولة إسرائيل. وهنا يجب التمييز بين هاتين المجموعتين”، يقول مندل لـ DW. ويضيف بأن “المقاطعة الاقتصادية هي قرار فردي، فعدم شراء منتج ما هو مشروع مبدئيا”. كما أن المقاطعة العربية لإسرائيل ليست بالأمر الجديد، حيث أنها موجودة منذ سبعينيات القرن الماضي. وحسب الباحث أوفا ينزن هناك أقلية يسارية، من اليهود المنتقدين لإسرائيل، يدعمون مثل هذه المقاطعة. ومن خلال المقاطعة هناك دعاية مضادة لإسرائيل أيضا. وهكذا يجب التمييز ومعرفة فيما إذا كان الأمر يتعلق بانتقاد إسرائيل أم أنه معاداة للسامية، يقول مندل.
المقارنة مع دعوات النازية أمر “إشكالي”!
هناك مستخدمون كثيرون لمواقع التواصل الاجتماعي في ألمانيا، حين يفكرون بمثل هذه الدعوات للمقاطعة، يتذكرون دعوات النازيين عام 1933 لمقاطعة اليهود: “لا تشتروا من اليهود”. لكن مقارنه كهذه هي مقارنة إشكالية، لأن ذلك ينطوي على خطر التقليل من شأن النازية. “هذا يعني أنه كان هناك سبب محدد لمقاطعة النازيين لليهود وأنه قبل عام 1933 كان الألمان اليهود والألمان غير اليهود طرفي صراع. وطبعا هذا غير صحيح تاريخيا”، يوضح مندل.
كذلك يرى ينزن أنه من الصعب المقارنة مع دعوات النازية، ويقول “عالميا هناك العشرات من إجراءات المقاطعة”، ويشير مثلا إلى مقاطعة جنوب أفريقيا لعدة عقود حتى تسعينيات القرن الماضي بسبب نظام الفصل العنصري. من ناحية يمكن المقارنة بين هذه الدعوات، ومن ناحية أخرى تختلط دعوات المقاطعة ضد إسرائيل بمحتويات معادية للسامية.
الأضرار الاقتصادية غير واردة!
المشكلة بالنسبة لإسرائيل مع دعوات المقاطعة ليست الأضرار الاقتصادية، وإنما المشكلة في المقاطعة الثقافية والعلمية، يقول مندل، ويضيف: “القوى التقدمية في إسرائيل في المجال العلمي والفني وحركة السلام، وأيضا في أوروبا وأمريكا الشمالية يتم تهميشها وإقصاؤها. هذا التصعيد تم الوصول إليه جزئيا من خلال هكذا إجراءات أيضا. وعلى العكس من ذلك يجب أن يكون الهدف العام هو دعم القوى التقدمية السلمية في الجانبين.
وفي الوقت نفسه فإن هدف أحمد بشباش هو أولا إعادة تطبيق “NO Thanks” إلى متجر تطبيقات غوغل. والتطبيق مجاني والأرباح التي يحققها من خلاله يتبرع بها للمنظمات الفلسطينية، التي تساعد الناس في غزة، حسب ما يوضحه في التطبيق.
أعده للعربية: عارف جابو
ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW