زلزال سوريا وتركيا

تركيا بعد عام من الزلزال.. لا حياة طبيعة في “مدن أشباح”!

: 2/6/24, 1:40 PM
Updated: 2/6/24, 1:40 PM
رغم مرور عام على كارثة الزلزال في تركيا لم تعد الحياة إلى طبيعتها في هاتاي
رغم مرور عام على كارثة الزلزال في تركيا لم تعد الحياة إلى طبيعتها في هاتاي

بعد مرور عام على كارثة الزلزال في جنوب تركيا، لا يزال عشرات الآلاف يعيشون في ظروف صعبة ضمن مساحات ضيقة في مساكن مؤقتة. وعملية إعادة البناء تسير ببطء شديد. وفي الأثناء أدار ظهره للمنطقة وغادرها كل من استطاع ذلك.

في السادس من شهر شباط/ فبراير 2023 ضرب زلزال عنيف جنوب تركيا وشمال سوريا، وحسب الأرقام الرسمية أدى الزلزال إلى مقتل أكثر من 50 ألف شخاص وإصابة أكثر من125 ألف آخرين. وبعد مرور عام على الكارثة لا تزال مشاكل الناجين من الزلزال قائمة حتى الآن.

ففي محافظة هاتاي القريبة من الحدود السورية والتي كانت أكثر تضررا بالزلزال، أفاد ناجون لـ DW بأنه لم يتم القيام بما هو مطلوب رغم مرور عام، ولم تعد الحياة إلى طبيعتها حتى الآن.

وفي حيي، دفني وسامان داغ، بمدينة أنطاكية أحدث الزلزالدمارا هائلا، وبعد مرور عام لا تخطر على بال المرء هنا سوى عبارة “مدينة أشباح” مباشرة. هذان الحيان يبدوان وكأنهما فارغان تماما، فالأنقاض التي تمت إزالتها بقي مكانها فارغا تماما ولم يتم تشييد أي شيء.

تحول المساكن المؤقتة إلى دائمة!

هاجر الكثير من الناس إلى مدن أخرى بعد الزلزال، وأغلب من بقوا تم إيواؤهم في حاويات “مساكن جاهزة”، كان من المفترض أن تكون مساكن مؤقتة. وهناك اليوم حوالي 200 تجمع لهذه الحاويات في هاتاي، تأوي نحو 187 ألف شخص.

المكان هنا ضيق، وفي الكثير من الحاويات تقطن أكثر من عائلة واحدة، فالمعلمة سراب سلجوق، مثلا تقطن مع طفليها وخمسة أشخاص آخرين في حاوية. وقالت لـ DW إنها طالبت بحاوية أخرى، لكنها لم تتلق أي رد، وأضافت بأن “ظروف الحياة صعبة جدا. أنا وأطفالي نعاني من مصاعب بكل معنى الكلمة”

السيدة مريم كاراتاس تعيش الآن في حاوية بمدينتها أنطاكية، وتقول “الحياة صعبة، لكننا نحاول التأقلم مع المصاعب”. فالحاوية ضيقة جدا، وأغلب الأحيان لا تتوفر المياة والكهرباء، تقول كاراتاس الأم لثلاثة أطفال.

هناك مخاوف أمنية أيضا!

في الأيام الأولى بعد الزلزال كان يقدم للناجين الطعام والمواد الغذائية مجانا، لكن اليوم لا يوجد شيء من ذلك. ويقول هؤلاء إن الماء والكهرباء والبنية التحتية هي أكبر المشاكل والمصاعب التي يعانون منها، إذ لا تتوفر شبكة كهرباء ومياه ثابتة ودائمة في المنطقة، وهي مشكلة كبيرة. والكثير من الشوارع في مركز المدينة لا تزال متضررة ولا يمكن استخدامها، وتزداد المشكلة صعوبة حين يكون الجو ماطرا.

وغياب الأمن أيضا يعتبر مشكلة بالنسبة للكثيرين، فالمعلمة سراب سلجوق تطالب بالمزيد من الأمن في تجمع الحاويات الذي تقيم فيه. في السابق كان هناك تواجد للشرطة والحراس الذين كان يوفرون الأمن، “لكن اليوم ليس هناك أي تواجد لرجال الأمن. هناك فقط بعض كاميرات المراقبة. ومؤخرا تعرض شخص لهجوم مسلح. ليس لدينا أمن أبدا” تقول سلجوق.

إنجاز بناء 25 شقة فقط!

أعمال إعادة البناء تسير ببطء شديد، والدولة تريد بناء منازل للمتضررين من الزلزال. هناك حوالي 45 ألف شقة في طور البناء، 2665 شقة منها سيتم الانتهاء من بنائها قريبا. وحسب المصادر الرسمية فإنه تم حتى الآن تسليم 25 شقة فقط ويقيم فيها أصحابها.

لكن بالنسبة للسيدة كاراتاس وعائلتها فإنها لا تريد الانتقال إلى هذه الشقق التي يتم بناؤها في أحياء أخرى غير حيّها الأصلي الذي كانت تعيش فيه قبل الزلزال. وتقول “لم يتم الانتهاء من بناء الشقق بعد والشوارع المحيطة بها موحلة، وهي بعيدة جدا بالنسبة لي”.

وعلاوة على ذلك لا تقوم الدول ببناء ما يكفي من الشقق السكنية، تؤكد كاراتاس، وتضيف أن “عدد الشقق المزمع بناؤها لا يمكن مقارنتها مع عدد الشقق التي دمرها الزلزال. ولا يمكن إيواء جميع المتضررين في هذه الشقق”.

بالضبط مثل السيدة كاراتاس يشتكي كثيرون، ولا يريدون ترك أحيائهم التي كانوا يعيشون فيها قبل الزلزال. “لم أترك مدينتي بعد الزلزال. لكن الدولة تركت هاتاي تواجه مصيرها لوحدها” يقول مصطفى باير الذي يعيش في حاوية صغيرة مع عائلته المكونة من ثمانية أفراد.

كما يشتكي المتضررون من عدم وجود ما يكفي من المساعدات الحكومية، فالمعلمة سراب سلجوق حصلت حتى الآن على حزمتين فقط من المساعدات

التي تقدمها هيئة الكوارث الحكومية “آفاد/ AFAD”، التي تم اتهامها بعيد كارثة الزلزال بأن مساعداتها لم تكن بالسرعة الكافية وخاصة في مدينة هاتاي.

انتقاد وثناء!

لكن رغم الانتقادات، هناك من المتضررين الشاكرين للدولة أيضا. “كانت مساحة شقتنا 195 مترا مربعا، والآن علينا الإقامة في مساحة لا تتجاوز 21 مترا مربعا” يقول عبد الصمد بولات (70 عاما) الذي يشكر الدولة رغم كل شيء على ما قامت به حتى الآن، ويضيف “ليبارك الله دولتنا. بفضلها لم نتعرض للجوع والعطش، ودائما كان هناك سقف يحمينا”.

يقيم بولات في حاوية مع زوجته التي أصيبت بكسور خلال الزلزال، وتم إجراء عملية لها بعد الزلزال في مدينة إزمير. وفي البداية أقاما في سكن جامعي بمدينة صمصون في شمال تركيا قبل العودة إلى مدينتهما الأصلية هاتاي، يقول بولات، ويضيف “سأذهب إلى حيث ترسلني الدولة وأستحق من وجهة نظرها. لكن إذا أمكن، أفضل الذهاب إلى حيث كنت أعيش من قبل”.

الكثير من المباني التاريخية أيضا تضررت بسبب الزلزال، ولا تزال أعمال الصيانة والترميم جارية في الكثير منها، وخاصة في مسجد حبيبي نجار الذي بني في القرن السابع. وفي البازار التاريخي الطويل، فقط بعض المحلات أعادت فتح أبوابها.

الكثيرون لا يعودون

بعد عام من الكارثة، لم تعد الحياة الاقتصادية أيضا في المدينة إلى طبيعتها، ففي المنطقة الصناعية انهار 95 بالمائة من المباني، حسب إفادات المتضررين.

الخباز أدهم إيجر، يخبز في مبنى متضرر، ويخبز يوميا ألف رغيف فقط، بدل أربعة آلاف رغيف قبل الزلزال. والسبب: تراجع عدد السكان في هاتاي ولم يعد هناك عدد كبير من الزبائن كما سابقا. واليوم يعمل لوحدة في المخبز بعد أن كان عدد العاملين فيه سبعة أشخاص سابقا، ويشتكي من عدم حصوله على مساعدات حكومية قائلا: “الكل يقول إن الحياة عادت إلى طبيعتها في هاتاي، لكن هذا ليس صحيحا”.

الميكانيكي لاوند إنايجه أيضا يشتكي وينتقد الدولة، ويقول “لم نحصل على أي مساعدة من الدولة”. وأكد أن أصحاب المحلات في المنطقة الصناعية كما باقي الناس عليهم أن يكافحوا بمفردهم من أجل العيش. وقد دمر الزلزال ورشته أيضا التي كان يديرها لمدة عشرين عاما. “لقد نسيتنا الدولة” يقول إنايجه، ويضيف بأن الكثيرين يريدون العودة إلى العمل، ولكن لا يتم دعم ذلك بما يكفي من قبل الدولة. ويوضح بأن هناك نقص كبير في الأيدي العاملة المتخصصة في القطاع الاقتصادي، بقوله “كان لدينا هنا الكثير من العمال المهرة الموهوبين. لقد ذهبوا ولم يعودوا. وهذه خسارة كبيرة”.

سائق التاكسي أركان أوزتورك أيضا، غير متفائل بمستقبل الاقتصاد في مدينته. قبل الزلزال كان هناك 15 سائق تاكسي في المركز الذي يعمل فيه، والآن هو الوحيد الباقي هناك. وعبر عن تشاؤمه بالقول “يقول كثيرون إن كل شيء عاد إلى طبيعته هنا، هذا ليس صحيحا أبدا. أقول التالي: أتمنى لو أنني متُّ خلال الزلزال، ولم أر ما أراه اليوم”.

أعده للعربية: عارف جابو

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.