حرب العراق 2003.. انتهاك القانون الدولي بحجج كاذبة!

: 3/20/23, 9:16 AM
Updated: 3/20/23, 9:16 AM
جندي أمريكي
جندي أمريكي

قبل عشرين عاما بدأت الولايات المتحدة غزوها للعراق، بحجة امتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، ظهر بعدها أنها لم تكن موجودة أصلا. حرب العراق خرق للقانون الدولي آثارها مازالت حتى اليوم ظاهرة للعيان في المنطقة والعالم.لا نهاية للقتل ولا حتى بعد 20 عاما، في شباط/ فبراير الماضي وحده قُتل ما لا يقل عن 52 مدنيا بإطلاق رصاص أو تمزقوا إربا بانفجارات قنابل.

أعمال العنف التي تستمر حتى اليوم كانت بدايتها مع الهجوم الذي بدأ ليلة 19/20 من آذار/ مارس 2003، يومها أطلقت السفن الأمريكية 40 صاروخاً على المباني الحكومية في بغداد. عسكريا، لم يكن لدى العراق ما يمكن ان يواجه به الغزو الواسع النطاق من قبل تحالف ضم الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وبولندا.

تمت الإطاحة بالديكتاتور صدام حسين بعد ثلاثة أسابيع. وبعد ستة أسابيع من بدء الحرب أعلن الرئيس جورج دبليو بوش نفسه منتصراً وانتهاء العمليات القتالية الرئيسية أمام خلفية عسكرية على حاملة الطائرات أبراهام لنكولن في الأول من أيار/ مايو 2003.

حتى ذلك الوقت، كان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة قد ألقى بالضبط 29166 قنبلة وصاروخا، بحسب دراسة عسكرية أمريكية. كان الكثير من البنية التحتية للبلاد في حالة خراب. ووفقا لمنظمة “عراق بودي كاونت” البريطانية غير الحكومية، فقد أكثر من 7000 مدني عراقي أرواحهم.

عدد استمر في الارتفاع بشكل هائل، إذ يتراوح العدد الإجمالي للقتلى في حرب العراق بين 200 ألف ومليون شخص حسب التقديرات. المجلة الطبية الموثوقة “لانسيت” أعلنت بالفعل أن عدد القتلى بلغ أكثر من 650 ألف “قتيل إضافي” حتى عام 2006. فقد كانت حرب العراق لم تنته بعد في ذلك الوقت ولم يكن من المفترض بالجنود الأمريكيين الانسحاب حتى عام 2011، لكن الانسحاب كان مؤقتا. إذ كان عليهم العودة لدعم العراق في القتال ضد تنظيم “داعش” الإرهابي الذي سيطر على ثلث العراق في عام 2014. وفي إطار التحالف الدولي لمقاتلة تنظيم “داعش” ما زال هناك 120 جنديا ألمانيا يتمركزون في العراق حتى اليوم، بحسب ما أكدت وزارة الدفاع الألمانية لـ DW.

ربح الحرب وخسارة السلام

بعد حين ظهر أن بناء عراق ديمقراطي جديد وفقا للأفكار الغربية كان مهمة أصعب بكثير مما رسمته الطبقة السياسية في الولايات المتحدة في أوراقها الإستراتيجية المزخرفة. إذ لم تظهر على السطح جزيرة ديمقراطية مزدهرة متأثرة بالغرب في الشرق الأوسط. فبدون التخطيط الكافي، طغت التصدعات العرقية والدينية المعقدة على الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة.

في 19 آب/ أغسطس 2003، قتل 22 شخصا في انفجار سيارة مفخخة أمام مقر الأمم المتحدة في بغداد، في بداية دموية لحركة تمرد وسنوات من الحرب الأهلية. حول هذا قال دان سميث، مدير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام لـ DW، إن الغزو الأمريكي كان “تصورا متكبرا لاعتقاد غربي بأن بإمكانهم إعادة تشكيل دولة ونظام إقليمي وفقا لرغباتهم”.

خافيير سولانا، الأمين العام السابق لحلف شمال الأطلسي وبعد ذلك مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أوضح الحصيلة المريرة: “إذا كانت المهمة هي تخليص العراق من الإرهاب، وإعادة بناء البلاد وزيادة الأمن على جميع المستويات، فقد كان فشلا مطلقا”.

خرق القانون الدولي

قبل كل شيء، كان الهجوم على العراق “استخداما للقوة في انتهاك للقانون الدولي وانتهاك لقوانين الأمم المتحدة”، كما أوضح الخبير الجنائي والقانون الدولي في جامعة غوتنغن كاي أمبوس لـ DW الذي يضيف في هذا السياق: “لم يكن غزو العراق بناء على قرار من مجلس الأمن الدولي. فكان الخيار الوحيد المتبقي هو تبرير استخدام القوة للدفاع عن النفس، باستخدام المادة 51 من النظام الأساسي للأمم المتحدة. ومن الواضح أن الأمر لم يكن كذلك في هذه القضية”.

ولهذا وصف حينها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي أنان حرب العراق بأنها انتهاك للقانون الدولي. ألمانيا رفضت من جانبها المشاركة في الحرب، ولكن من خلال توفير القواعد وحقوق التحليق للقوات الغازية، وفقا لأمبوس، “ساعدت برلين في عمل ينتهك القانون الدولي”.

بعد وقت قصير من بدء الحرب، لخص يورغن هابرماس، أحد أهم المفكرين الألمان، إحدى عواقب انتهاك القانون الدولي في حرب العراق في مقال بصحيفة “فرانكفورتر ألغيماينه تسايتونغ” الألمانية: “دعونا لا نخدع أنفسنا: السلطة المعيارية الأمريكية في حالة خراب”. وحذر الفيلسوف من أن الولايات المتحدة سوف “تشكل نموذجا مدمرا للقوى العظمى مستقبلا” بأفعالها غير القانونية.

تعذيب وجرائم الحرب

تضررت سمعة أمريكا بشكل أكبر بسبب جرائم الحرب والتعذيب، ففي ربيع عام 2004 انتشر اسم “أبو غريب” حول العالم، سجن سيء الصيت في عهد صدام حسين. تظهر فيه هذه المرة صور لجنود أمريكيين يعذبون أشخاصا آخرين.

بشكل متكرر كانت هناك مذابح ضد السكان المدنيين. كما في مدينة حديثة، حيث قتلت قوات المارينز الأمريكية 24 مدنيا من العزل في 2005. أو كما حدث في عام 2007 في ساحة النسور المزدحمة ببغداد، حيث أطلق عناصر من مجموعة “بلاك ووتر” وهم قوات خاصة من المرتزقة، النار بشكل عشوائي على حشد من الناس مستخدمة بنادق هجومية ورشاشات، مما أسفر عن مقتل 17 شخصا. أو كما هو الحال في فيديو “القتل الجماعي” الذي نشرته ويكيليكس: فيه تظهر طائرتا هليكوبتر مسلحتان تطلقان النار على مدنيين غير مسلحين بمدافع عيار 30 ملم، فقُتل ما لا يقل عن 12 شخصا بينهم صحفيان من رويترز، كما أصيب طفلان بجروح خطيرة.

انهيار سبب الحرب

كانت الولايات المتحدة قد أعطت سببين لعملية تغيير النظام: التهديد المزعوم الذي تشكله أسلحة الدمار الشامل العراقية والصلات المزعومة لصدام حسين بالقاعدة. ولم يكن أي منهما حقيقيا، إذ لم يتم العثور على أسلحة دمار شامل في العراق بعد الغزو. وثبت أن الدلائل على ارتباط الديكتاتور العراقي بإرهابيي 11 أيلول/ سبتمبر كاذبة، فقد تم انتزاعها تحت التعذيب.

ستيفن والت أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد أوضح في مقابلة مع DW أن المعلومات الاستخباراتية الخاطئة كانت السبب في ذلك. ويضيف بالقول: “لقد اتخذوا القرار بالفعل وكانوا يبحثون فقط عن الحجج. القرارات كانت مبنية على معلومات: لقد تلاعبوا بالمعلومات من أجل تبرير ما قرروه بالفعل”.

كانت ذروة الحملة لإقناع الجمهور المتشكك في الحرب خطابا تم تحضيره بعناية من قبل وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول في 5 شباط/ فبراير 2003 في الأمم المتحدة بنيويورك. قدم باول العديد من “الأدلة” المفترضة التي تفيد بأن الطاغية في بغداد يجب أن يمتلك بالفعل أسلحة بيولوجية للدمار الشامل ويعمل بشكل مكثف على صنع قنابل ذرية. بعد ذلك بعامين، وصف باول هذا الخطاب بأنه “قذى للعين” ونأى بنفسه. “أنا من قدم معلومات كاذبة للعالم نيابة عن الولايات المتحدة، وسوف يكون ذلك دائما جزءا من حياتي”، حين اعترف وزير الخارجية السابق منتقدا نفسه.

باقية في الأفق

لطالما كانت هناك دعوات في الولايات المتحدة لتغيير النظام في العراق. في عام 1998 أصبحت هذه الدعوة سياسة رسمية في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بقانون تحرير العراق. وحتى قبل أن يسقط إرهابيو القاعدة برجي التجارة العالمي في نيويورك في 11 أيلول/ سبتمبر 2001، كان الصقور في حكومة جورج دبليو بوش الفتية يدفعون باتجاه إسقاط صدام. يوضح المؤرخ الأمريكي وخبير السياسة الخارجية ستيفن ويرثيم ذلك في مقابلة مع DW: “لقد شكّل صدام تحديا للولايات المتحدة، ببساطة من خلال البقاء على قيد الحياة بعد حرب الخليج في عام 1991. كانت الولايات المتحدة تأمل في الإطاحة به، لكنه بقي في منصبه، وكان عقبة أمام ممارسة الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط”.

الحرب على الإرهاب التي أُعلنت بعد 11 أيلول/ سبتمبر أتاحت الفرصة لتنفيذ الخطط، لأن “الرئيس كان لديه الكثير من الفسحة لتوجيه الغضب العام وتشكيل رد الفعل”، كما يرى ويرثيم.

فبعد عقد من نهاية الاتحاد السوفيتي، شعرت الولايات المتحدة بأنها قد بلغت ذروة قوتها. لم تكن الإدارة الأمريكية تريد أن تكون مقيدة بقواعد ميثاق الأمم المتحدة في هذه اللحظة أحادية القطب. يصف ستيفن والت هذا الموقف: “يحب الأمريكيون التحدث عن النظام القائم على القواعد ومدى أهميته. لكنها قواعد يسعدنا كسرها عندما لا نشعر بالراحة في اتباعها”.

بدوره يعتقد كاي أمبوس أن هذا هو أحد الأسباب التي تجعل العديد من الدول من البرازيل إلى جنوب إفريقيا إلى الهند تبتعد عن إدانة الحرب العدوانية الروسية على أوكرانيا أو المشاركة في فرض عقوبات ضد موسكو. يقول خبير القانون الدولي من جامعة غوتنغن: “تلاحظ الكثير من الدول في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية المعايير المزدوجة الواضحة”. ويختم بالقول: “وهذا ما وصلنا إليه الآن”.

ماتياس فون هاين/ ع.خ

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.