الكومبس – ستوكهولم: كشف معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام “سيبري” لأبحاث السلام عن زيادة نفقات التسليح في أوروبا حتى قبل غزو روسيا لأوكرانيا، فما سبب مخاوف أوروبا؟ ويرى خبراء المعهد أن حرب أوكرانيا ستؤثر بشكل كبير على أوروبا وعلاقات روسيا مع الناتو والتعاون بينهما.
مع استمرار التوغل العسكري الروسي في أوكرانيا، أعيدت إلى الواجهة مرة أخرى صفقات الأسلحة والأرقام الخاصة بمقدار التسليح على مستوى العالم. وفي هذا الصدد، أجرى معهد “سيبري” مقارنة بين بيع وشراء السلاح في الفترة ما بين عامي 2017 و2021 وصفقات تجارة السلاح قبل ذلك بخمس سنوات.
وأظهرت الدراسة زيادة التوتر في كافة أنحاء القارة الأوروبية حتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا. حيث أشار تقرير المعهد عن الدراسة إلى أنه في الوقت الذي انخفضت فيه تجارة الأسلحة على مستوى العالم بنسبة 4.6 بالمئة، زادت مشتريات الأسلحة في أوروبا بنسبة 19 بالمئة.
وهذه الزيادة هي الأعلى عالمياً، وهو ما دفع بيتر ويزمان الباحث في المعهد السلام وأحد المشاركين في الدارسة، إلى وصف ذلك بأنه “مثير للقلق”.
بدوره، قال إيان أنتوني، مدير برنامج الأمن الأوروبي في المعهد، إن هذه الأرقام الخاصة بتزايد صفقات الأسلحة في أوروبا تعكس رد فعل القارة على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم العام 2014 وأيضاً العدوان الروسي في إقليم دونباس شرق أوكرانيا.
وأضاف في مقابلة مع DW أنه على وقع هذه التطورات، سارت دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) عكس اتجاه خفض ميزانيات الدفاع، و”ما نراه الآن من أرقام تعكس إلى حد كبير إجراءات تنفيذ هذا القرار”.
روسيا.. تراجع صادرات الأسلحة
وشهدت تلك الفترة انخفاضاً بنسبة 26 بالمائة في صادرات الأسلحة من روسيا التي تعتبر ثاني أكبر مصدر للأسلحة في العالم بعد الولايات المتحدة فيما يمكن إرجاع الأمر إلى تراجع صفقات التسليح من الهند وفيتنام.
وتوقع معهد السلام في ستوكهولم أن تعود الهند إلى استئناف شراء الأسلحة من روسيا في غضون السنوات المقبلة.
أما ألمانيا التي تعد أكبر خامس مصدر للأسلحة في العالم، فقد تراجعت صادراتها من الأسلحة بنسبة 19 بالمئة خلال السنوت الخمس الماضية.
في المقابل وخلال الفترة ذاتها، تزايدت صادرات الأسلحة من الولايات المتحدة بنسبة 14 بالمئة ومن فرنسا 59 بالمئة لتحل فرنسا في المرتبة الثالثة للدول المصدرة للسلاح بعد الولايات المتحدة وروسيا.
جيران الدب الروسي يشترون مقاتلات أمريكية
رغم أن الدراسة التي أجراها معهد ستوكهولم لأبحاث السلام “سيبري”، تكشف عن أرقام صفقات الأسلحة حتى نهاية العام الماضي أي قبل اندلاع الصراع في أوكرانيا، فإن الغزو الروسي لأوكرانيا من شأنه أن يلقى بظلاله على التسليح في القارة الأوروبية.
وفي هذا الصدد، أوضح ويزمان أن “التدهور الكبير في العلاقات بين معظم البلدان الأوروبية وروسيا، لعب دوراً رئيساً في زيادة واردات الأسلحة إلى أوروبا خاصة بين الدول التي لا تستطيع سد احتياجاتها (من الأسلحة) بشكل كامل عن طريق إنتاجها المحلي”.
ولم يتوقف الأمر عند هذا المستوى، إذ لعبت صفقات الأسلحة دوراً يتسم بقدر كبير من الأهمية في “العلاقات الأمنية عبر الأطلسي” فكانت الولايات المتحدة مورد الأسلحة الرئيسي للبلدان الأوروبية خاصة عند الحديث عن التسليح الجوي والمقاتلات.
وربما كانت الأرقام الأوضح في هذا الصدد، أن بريطانيا والنرويج وهولندا طلبت إجمالاً قرابة 71 مقاتلة أمريكية من طراز إف 35. وخلال الفترة بين 2020 و 2021 ارتفعت طلبات شراء هذه المقاتلات من قبل الدول التي تشعر بالتهديد الروسي، إذ تقدمت فنلندا وبولندا لشراء 64 و 32 مقاتلة إف 35 على التوالي. تزامن هذا مع طلب ألمانيا اقتناء خمس طائرات من طراز “بوسيدون بي-8” الأمريكية المضادة للغواصات.
انخفاض صادرات الأسلحة إلى أوكرانيا!
ورغم التهديدات الروسية، فإن أوكرانيا استوردت أسلحة على نحو محدود للغاية في الفترة بين 2017 و2021 وهو الأمر الذي أرجعته دراسة “سيبري” بشكل جزئي إلى محدودية موارد البلاد المالية. ورغم ذلك لا يمكن تجاهل حقيقة أن أوكرانيا لديها قدرات خاصة في تصنيع وإنتاج الأسلحة وتمتلك ترسانة كبيرة من الأسلحة التي تعود في الغالب إلى الحقبة السوفيتية.
وأشار تقرير المعهد إلى أن تزويد أوكرانيا بالأسلحة بشكل محدود كان بشكل عام ذا بعد وأهمية سياسية أكثر من الطابع العسكري، مضيفاً “قام العديد من مصدري الأسلحة الرئيسيين بحلول فبراير الماضي بتقييد مبيعات الأسلحة إلى أوكرانيا خشية تأجيج الصراع (مع روسيا)”.
واقتصر شراء أوكرانيا من الأسلحة على 12 طائرة مسيرة مقاتلة تُعرف باسم بيرقدار من تركيا و 540 صاروخاً من منظومة “جافلين” المحمولة المضادة للمدرعات من الولايات المتحدة و87 مركبة مدرعة و56 قطعة مدفعية من التشيك.
وأشارت مقاطع مصورة إلى ظهور الطائرات المسيرة التركية وأيضا صواريخ جافلين في الصراع الدائر حالياً في أوكرانيا.
وذهب إيان أنتوني، مدير برنامج الأمن الأوروبي في المعهد، إلى القول بأنه لا يوجد “أي نظام تسليح سيكون قادراً وحده على حسم نتيجة الحرب الحالية”. وأضاف أن “تركيز روسيا ينصب على حصار المدن كسلاح، فضلا عن استخدام المدفعية الثقيلة والقصف الجوي غير الدقيق. وهذه التكتيكات تؤكد ضرورة الحذر عند الحديث عن تقنيات جديدة قد تحسم المعركة”.
وتوقع أنتوني أن تتجاوز تداعيات الصراع في أوكرانيا حدود مبيعات الأسلحة والتسليح خلال السنوات المقبلة، مضيفاً “بدأت الحرب في أوكرانيا في إحداث تغيير جذري في مجال الجغرافيا السياسية والعسكرية للقارة الأوروبية”. وأضاف “توارت الأوهام حيال التعاون مع روسيا في إطار مفهوم أمني شامل كما كان الأمر في تسعينيات القرن الماضي، إذ لا يمكن أن تكون روسيا شريكاً إلى أجل غير مسمى”.
وفي هذا الصدد، يرى أنتوني أن الهجوم الروسي على أوكرانيا يبرر لحلف الناتو التخلي عن التزاماته السابقة لروسيا في بلدان الحلف في أوروبا الشرقية، ويضيف أن “الناتو قد تخلى عن الالتزام الذي تعهد به إلى روسيا بشأن قضية نشر وحدات قتالية كبيرة بشكل دائم في تلك الدول”.
كريستوف هاسلباخ
ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية وDW