معركة على الحجاب ولكن بدون المسلمين

: 12/10/22, 7:17 AM
Updated: 12/10/22, 4:27 PM

خلال الأيام القليلة الماضية نشرت الصحافة مقالين متعارضين عن الحجاب، الأول ينادي بمنعه، باسم الديمقراطية والحرية، والثاني يدافع عنه أيضاً باسم الديمقراطية والحرية. مما يعكس جانباً من معركة إعلامية وسياسية تدور حول المسلمين في السويد، ولكن بدونهم، فكتاب المقالين ليسوا عربا أو مسلمين، بل هم من المجتمع السويدي تفاعلوا مع قضية تهم المسلمين مباشرة. فهل ترك المسلمون كما يبدو رواد التيكتوك لكي يمثلونهم ويتحدثون باسمهم؟ أهلا بكم

مقالان عن الحجاب نشرتهما الصحف السويدية خلال الأيام القليلة الماضية، مقال كتبه ستة نواب عن حزب المحافظين الموديرات في صحيفة الأفتونبلادت، طالب بحظر الحجاب في المدارس السويدية، مستغلاً ما يحدث في إيران، من احتجاجات تمزق خلالها النساء الحجاب لتعميم رفضه وإسقاط ذلك على الواقع في السويد “الحجاب ليس قطعة ملابس عادية، بل هو رمز لقمع المرأة” حسب المقال، الذي أضاف أنه بينما نحن ندعم نضال المرأة من أجل الحرية في بلدان أخرى، فمن باب أولى أن يكون لدينا القدرة على دعمها هنا في السويد” انتهى الاقتباس

طبعا نحن لا نعلم من اشتكى لهؤلاء النواب الستة الذين كتبوا هذا المقال ولا نعلم من طلب منهم أن يصبحوا ثوريين ومناضلين من أجل حرية المرأة المحجبة في السويد؟

هذا عن المقال الأول، أما المقال الثاني عن الحجاب فقد استشهد أيضاً بما يحدث في إيران ولكن يشبه من ينادون بخلع الحجاب في السويد بالنظام في إيران، ويعتبر المقال الثاني أن فرض منع الحجاب، كما ينادي بعض الشعوبيين من غلاة اليمين في السويد، منافي تماماً للديمقراطية ويتعارض مع حقوق المرأة، تماماً كما أن فرض الحجاب في إيران هو منافٍ للديمقراطية أيضاً ولحقوق المرأة.

ويؤكد المقال الثاني وهو للدكتور السويدي هاريس آجيك المختص بالإنثربولوجيا الاجتماعية، أو علم الانسان الاجتماعي، يؤكد هذا المختص أن هناك اتجاهاً شعبوياً عنصرياً لقمع المرأة المسلمة في السويد، فهم، هؤلاء العنصريون ”يريدون أن يقرروا عن المرأة المسلمة ويختاروا لها الملابس التي يمكنها ارتداؤها”

اللافت من خلال هذا الجانب من معركة الحجاب الإعلامية والسياسية، هو غياب المسلمين أنفسهم عنها، تماماً كما كانوا غائبين عن التأثير الإعلامي وعن تعبئة الرأي العام أو التأثير عليه في مواقع ومناسبات أخرى تخصهم مباشرة، مثل محاولات منع ختان الذكور وتداعيات حرق المصحف، وقبلها حرق بعض المساجد والآن في حملة التشهير التي تقول إن السويد تخطف أطفال المسلمين، الحملة التي لا تستهدف السويد بقدر ما هي تستهدف المسلمين فيها.
الخطورة أن الأمور تبدو وكأن المسلمين في السويد تركوا أمر التحدث باسمهم لرودا التيكتوك ولبعض نشطاء السب والشتم والتحريض بل والتهديد أيضاً، وكأن الأمر يتعلق بتفريغ شحنات غضب غير مجدٍ أو لحصد الشهرة لصالح نفوس أقل ما يمكن وصفها بأنها نفوس مريضة.

كلنا يعرف أن الطبيعة تكره الفراغ، وطالما أن هناك فراغاً بغياب من المفترض أن يتكلم ويؤثر حول أمور المسلمين والعرب في السويد، فكان من السهل ترك الساحة للمسيئين الذي يزيد خطرهم يوماً بعد يوم على الجميع.
العمل بطريقة تراكمية باستخدام لوبيات و مجموعات ضغط وخطط تعبئة للرأي العام وكسب الصحافة وتوظيف المؤثرين، طريقة يجدها البعض مملة أو صعبة أو غير مقنعة، ولكن إذا لاحظنا عبر المقال الأول كيف حاول ستة نواب من المحافظين البدء بالترويج لحظر الحجاب في المدارس وباستخدام تعابير الحرية والدفاع عن حقوق المرأة إضافة إلى استحضار مشاهد قمع المتظاهرين في إيران، نعلم أن القوانين تبدأ بالتبلور بهذه الصورة في السويد وفي المجتمعات الغربية عموماً. وفي حال لم يجري التصدي لها بنفس الطريقة تصبح قوانين نافذة عندها تكون الفأس قد وقعت بالرأس.
تبدأ الأمور بحملات صحفية على شكل مقالات رأي ومن خلال التركيز الإعلامي، قبل أن تتحول إلى اقتراح لمشروع قانون ثم تصبح قانوناً. وعندما تصبح قانوناً ويفرض على المجتمع عندها فقط يبدأ التذمر ويأتي رواد التيكتوك للندب والتحريض وعرض العضلات بوعود تغيير القوانين ومحاسبة المؤسسات المنفذة وربما وعود أيضاً بتغيير المجتمع واستبداله

تماماً كما يحدث الآن من وعود بتغيير قانون الحضانة القسرية للأطفال ووعود بمحاسبة ومعاقبة مؤسسات الدولة وبـ ” تحرير الأطفال المخطوفين” من براثن السوسيال حسب قولهم طبعاً. المشكلة أن هؤلاء يكلمون ويناقشون أنفسهم على مبدأ “على بال مين يلي بترقص بالعتمة” يرقصون بالعتمة ولا يخرج منهم سوى رائحة الكراهية.
إذا راجع أي عاقل نتائج  هذه الحملة ضد السوسيال وضد السويد التي استعرت مع مطلع العام الحالي إلى الآن، يرى أن النتائج كارثية، أكثر فئة تضررت من وراء هذه الحملة هم العائلات التي باسمها تتحدث الحملة، العائلات التي لهم قضايا عادلة فعلاً مع السوسيال، هم أول المتضررين، لأن هذه الحملة جعلت السوسيال وموظفي السوسيال والمجتمع كله يقف مواقف على الأقل غير متعاطفة مع حقوق هؤلاء، والدليل أن قانون رعاية الأطفال قد تم تشديده فعلاً خلال هذا العام.
الفئة الثانية التي تضررت هم أيضاً عائلات لديها أطفال وأصبحت تخاف عليهم، دون أن تدري كيف تتعامل مع القوانين ومع الموظفين ومع الإجراءات، بعض هؤلاء العائلات وتحت ضغط حملة التضليل والكذب غادروا فعلاً السويد، وهناك من يفكر جدياً بمغادرتها، وهناك قسم لا يزال يعيش تحت وطأة الخوف ورهبة الشائعات والتحريض ويفقد ثقته أكثر وأكثر بالمجتمع ومؤسساته.

قائمة المتضررين من هذه الحملة تطول وتطال النسيج الاجتماعي برمته وتعمل على زيادة عزلة الناس وتقوقعها على ذاتها، والخاسر هنا هو السويد والمجتمع السويدي والمهاجرين وخاصة المسلمين منهم.
وطالما يوجد خاسرون، يوجد دائما رابحون من وراء هذه الحملة، والرابح هنا هما جهتان، الجهة الأولى اليمين المتطرف الفرح والمرتاح لأن البعض يهاجر هجرة عكسية والبعض الآخر خائف من المجتمع أو حاقد على مؤسساته ويبتعد أكثر وأكثر عن الاندماج

ليأتي عندها هؤلاء المتطرفون ويقولوا للمجتمع:” تفضلوا نحن قلنا لكم إن السويد يجب أن تعود لثقافة القطب الواحد الطاغية والمسيطرة وهي ثقافة البيض …ولا وجود لشيء اسمه تعددية ثقافية، وبالتالي تنتصر أيديولوجية اليمين المتطرف.

هناك أيديولوجية متطرفة أخرى تشعر أنها تنتصر إذا انهزم النموذج الغربي للتسامح والديمقراطية، هناك من يريد فعلاً إنشاء مجتمع مواز في السويد يرفض كل القيم الغربية المعادية بالنسبة له، هؤلاء للأسف ومع أنهم قلة لكنهم يجيدون استخدام الخطاب الديني بشكل مؤثر.

إذاً أين أصوات المسلمين العقلانية التي تخاطب المجتمع السويدي باللغة التي يفهمها، بعيداً عن لغة التيكتوك التي لا تصل إلا إلى آذان البسطاء ممن جذبتهم حملات التضليل، لأن الإنسان الواعي والذي يملك القدرة على البحث عن المعلومة وتقييم صحة مصادرها لا يستطيع أحد أن يضلله. هو على الأقل يعرف أن المعلومة الصحيحة في مجتمع مثل السويد هي سلاح يحمي به الإنسان نفسه وعائلاته من خطر الشائعات وعلى أساس هذه المعلومة يستطيع التصرف بالشكل الصحيح، حتى لو طرق السوسيال بابه.

من يكتب ويشرح للسويدي العادي بأن الحجاب هو خيار للمرأة المسلمة، بل هو جزء من عادات وتقاليد لباس العديد من الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية، وحتى لو ألغت إيران الآن الإجبار على ارتداء الحجاب، فمن الممكن أن يبقى أكثر من 90 بالمئة من الإيرانيات متمسكات بحجابهن.

ومن يكتب للسويدي العادي بأن القرآن يعني الكثير للمسلمين وأن ردات الفعل العنيفة من قبل بعض الشبان واحراق سيارات الشرطة، أعمال لا تمثل المسلمين وليست هي الرد المناسب على جرح مشاعرهم الدينية. ومن يقف الآن مع هؤلاء الشبان الذين وجدوا أنفسهم وراء القضبان، ويمكن أن يضيع مستقبلهم بسبب ساعة تهور وطيش غير محسوبة. المحرضون تركوهم لوحدهم يواجهون مصيرهم.

ومن يكتب للسويدي العادي وباللغة التي يفهمها مجموعة مقالات مثلاً تنادي بوضع مفاهيم تعامل جديدة للإجراءات التي تسبق سحب طفل من عائلة مهاجرة، وكي يذكر السويديين بأن هذا القانون أخذ أكثر من 10 سنوات عند إقراره بداية السبعينيات حتى ترسخ وانهضم لدى العائلات السويدية التي كانت تضرب وتسيء معاملة أطفالها في البيت وفي المدرسة، بينما تأتي عائلات من مجتمعات وبيئات لا تزال ربما تعيش في خمسينات القرن الماضي، وتريد السويد فرض القانون عليها مباشرة دون تمهيد وتدريب وتعريف بما يجب أن يقوموا به ويتصرفوا على أساسه؟
طبعا أنا لا أقصد أي إساءة للعائلات القادمة من أي مجتمع كان، ولكن أنا استخدمت مقارنة العيش بالسبعينات والخمسينات من أجل تقريب الفكرة فقط للسويديين.

لأنني أنا وعلى المستوى الشخصي لا أومن على الإطلاق بأن هناك فروقاً حضارية بين الشرق والغرب، الفروقات موجودة وأسبابها وتصنيفاتها عديدة مثل تخلف وسائل الإنتاج الاقتصادي والتبعية الاستعمارية والديكتاتوريات ومشاكل الفقر وقلة التعليم وغيرها.
وهذا كله ليس له علاقة بالحضارة، خاصة أن الشرق هو فعلاً منبع الحضارات.

في العودة لموضوعنا الرئيسي نود هنا فقط أن نعيد الفكرة بشكل مختصر، نحن نعيش في مجتمع منفتح وطالما كانت أي مجموعة تعتبر أن لها هوية دينية أو ثقافية خاصة ضمن مفهوم المواطنة الشاملة، ومن حقها أن تدافع عن هذه الهوية وتحافظ عليها، يفترض أن تنظم نفسها أفضل بشكل يقبله المجتمع ويستمع له، أما الاعتماد على التيكتوك ورواده في تعبئة الفراغ فهذا فعلاً يسمى انحطاطاً، كل النخب الدينية والثقافية والسياسية والمجتمعية التي ترى خطر هذا الانحطاط عليها وعلى الأجيال المقبلة يجب أن تكون مشاركة بوقف المهزلة وبتوعية الناس وبالانفتاح على الصحافة وتشجيع العمل المجتمعي المنظم.

الجاليات العربية والإسلامية والشرقية إجمالا أعطت وتعطي للمجتمع السويدي مساهمات حيوية اقتصادياً ومالياً وثقافياً وعلمياً، وأبناء هذه الجاليات من الجيل الجديد لهم مكانة مميزة نراهم في الجامعات وفي مضامير العمل بكل أنواعه، لذلك نحن نستحق أكثر من مجرد ناطقين باسمنا على التيكتوك، نحتاج إلى ما يليق ويناسب حجم ومكانة وجودة ما تقدمه جالياتنا العريقة

وللحديث بقية ولكن إلى اللقاء

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.