الهجرة إلى أوروبا

“أريد أن أرى والديّ”..مناشدة من فتى سوري عالق على الحدود البولندية

: 5/4/24, 8:20 PM
Updated: 5/4/24, 9:14 AM
صورة رمزية لعائلة في دار إقامة للاجئين بولاية براندنبورغ الألمانية
صورة رمزية لعائلة في دار إقامة للاجئين بولاية براندنبورغ الألمانية

الكومبس – أوروبية: وسط “إطلاق رصاص في الهواء ورش غاز الفلفل والصراخ” على الحدود البيلاروسية البولندية، انفصل خالد* وياسمين* عن ابنهما أحمد* ذي الـ10 سنوات. وبينما وصل الوالدان السوريان إلى ألمانيا وطلبا اللجوء فيها، لا يزال ابنهما في مركز لإيواء الأطفال في قرية “بياوفيجا” البولندية الحدودية. وتناشد الأسرة الجمعيات الحقوقية لمساعدتها على لم شملها من جديد.

أجرى موقع مهاجر نيوز التابع للاتحاد الأوروبي اللقاء مع الطفل أحمد*، 10 سنوات، بعد موافقة والديه المتواجدين في ألمانيا، وبعد موافقة مركز القاصرين الذي يعيش فيه في “بياوفيجا”، في بولندا.

“قضينا في الغابة عدة أيام، لا أذكر عددها. وفي مساء أحد الأيام، مشينا نحو الغابة أنا وأمي وأبي وعمي وأشخاص آخرون، عبرنا الجدار المعدني، ثم وأثناء عبورنا السياج الشائك، وقعت الاحداث السيئة”، يجلس أحمد*، 10 سنوات، على شرفة مطعم صغير في قرية “بياوفيجا” البولندية، ويروي ما حدث معه أثناء محاولته عبور الحدود البيلاروسية البولندية قبل نحو شهر.

يتجنب الطفل في بداية الحوار الحديث عن تفاصيل “الأحداث السيئة” التي وقعت على الحدود، وينشغل بتناول البوظة مستمتعاً بالطقس الساحر لهذه القرية الحدودية. لا يخفي أحمد*، وهو الطفل الوحيد لأبويه، تشوقه للتحدث بالعربية، وينتقي كلماته بعناية شديدة، فـ”لا أحد يتحدث العربية في هذه القرية”، على حد تعبيره.

والتحق الطفل الذي قضى كل طفولته في مخيم الأزرق للاجئين في الأردن، بالمدرسة الابتدائية في قرية “بياوفيجا”، ويتشارك الفصل الدراسي مع 10 طلاب بولنديين، يصفهم بأنهم “محترمون، لكن التواصل معهم صعب، فهم لا يتحدثون العربية ولا الإنجليزية”، مفتخراً بأن “دروس اللغة الإنجليزية والرياضيات كانت المفضلة بالنسبة لي عندما كنت في الأردن، كنت الأول على الفصل لمدة ثلاثة سنوات على التوالي، لذلك أستطيع تحدث بعض الجمل بالإنجليزية. أما اللغة البولندية فهي صعبة جداً، الكلمات والأحرف مختلفة، ومع ذلك تعلمت بعض الأشياء مثل: مرحبا، وأعضاء الجسم، وكيف حالك”.

ووفقاً لأحمد*، فهو مشتت طوال الوقت، يقول “لا أستطيع التركيز، سواء في المدرسة أو في الملجأ (في إشارة لمركز القاصرين الذين يعيش فيه منذ نحو الشهر)، أفكر طوال الوقت في الذهاب إلى ألمانيا. لماذا؟ لأنها أفضل لمستقبلي، هذا ما قاله والداي”.

“حقيقة الغابة مختلفة تماماً عما قاله المهرب”

وفي اتصال هاتفي مع مهاجرنيوز، تحدث والدا أحمد* عن تفاصيل ما عاشوه على الحدود، وأسباب رحلتهم. فالأب خالد، كان يعيش في السعودية منذ تسعة أعوام، لكن بدون أوراق إقامة تسمح له باستقبال عائلته أو حتى السفر لرؤيتها، أما الأم ياسمين، فقضت الأعوام التسعة الأخيرة في مخيم الأزرق للاجئين في الأردن، مع ابنها الوحيد أحمد*.

يقول الأب “حاولنا بشتى الطرق أن نجتمع سواء في السعودية أو في الأردن أو في لبنان، لكن دون جدوى. لم يبق أمامنا سوى حل التوجه إلى ألمانيا. وبناء على صفحات المهربين المنتشرة على تطبيق تيليغرام، قال لنا أحدهم وهو سوري، إنه يعرف طريقاً مخصصا للعائلات بين بيلاروسيا وبولندا، بتكلفة 4000 دولار على الشخص الواحد، على أن نسير لأربعة كيلومترات فقط في الغابة”.

لكن الحقيقة على أرض الواقع كانت مختلفة تماماً، يتابع الأب “على الجانب البيلاروسي، تعرضنا للتوقيف من قبل حرس الحدود، وتعاملوا معنا كالعبيد، أمرونا بتقطيع الأخشاب وإشعال النار لهم، لا يمكن وصف الذل الذي يعيشه المهاجرون هناك قبل أن ينقلونا (حرس الحدود البيلاروسي) إلى المنطقة المحرمة، ويشرحوا لنا أنه يجب علينا التوجه إلى بولندا، وألا نحاول العودة مرة أخرى إلى بيلاروسيا”.

لا يتذكر أحمد* تفاصيل كثيرة مما عاشه في الغابة، وبحسب تعبيره “كنت متعبا طوال الوقت، أمي احتفظت لي ببعض المياه النظيفة للشرب، لأن المياه هناك غير صالحة للشرب، لكنها قالت لي ألا أشرب كثيراً، حتى لا تنتهي كل الكمية”.

بقيت العائلة، أحمد* وأمه وأبيه بالإضافة إلى أحد أعمامه، نحو خمسة أيام في هذه “المنطقة المحرمة”، قبل أن يطلب منهم شخص يعمل مع المهرب، يعرف باسم “الريبيري”، تحضير أنفسهم والتوجه إلى الحدود معه.

“صراخ وإطلاق نار في الهواء ورش غاز الفلفل.. كان قراراً لحظياَ”

يتذكر خالد* الأحداث التي وقعت على الحدود في نهاية آذار/مارس الماضي، قائلاً “عبرنا في البداية الجدار المعدني (يقوم المهرب بتوسيع المسافة بين قضبان الجدار باستخدام رافعة سيارات)، ولعبور حواجز الأسلاك الشائكة، كان علينا تسلق سلم وضعه الريبري، وقال لزوجتي أن تعبر في البداية، ثم تبعتها أنا على أساس أن يقوم أخي بمساعدة أحمد* على العبور، لكن السلم لم يكن متوازناً، وفي تلك اللحظة تم تطويقنا من قبل حرس الحدود البولندي”.

تختلف رواية أحمد* عن رواية أبيه ببعض التفاصيل الصغيرة، يتوقف عن تناول البوظة للحظات ويتذكر “لم يكن صعود السلم صعباً بالنسبة لي، كان بإمكاني اجتياز ذلك، لكن أصابتني أم الركب (عدم القدرة على الحركة بسبب الخوف الشديد)، ولا أتذكر كثيراً ما أصابني وقتها، لكنني لم أستطع الحركة أبداً”.

بمجرد وصول حرس الحدود إلى الموقع، بدأوا بإطلاق النار في الهواء وبرش غاز الفلفل، وبملاحقة المهاجرين، وفقاً لخالد، الذي يصف ما حدث بصوت مرتجف “اختلطت علينا الأمور في تلك اللحظة، أحمد* كان مع عمه على الجانب الآخر من الأسلاك الشائكة، ونحن كنا هدفاً سهلاً لحرس الحدود، كان قراراً لحظياً بأن نركض باتجاه الغابة في بولندا”.

ظن الوالدان في تلك اللحظة، أن ابنهما وعمه سيتعرضان لعملية دفع باتجاه بيلاروسيا، وعلى هذا الأساس، قررا العودة إلى بيلاروسيا، لكن المهرب قام بتهديدهما، يتابع خالد* “قال لنا إنه إذا عدنا إلى المنطقة المحرمة، سيبلغ كل المهربين (الريبيري) هناك بألا يعطونا أي طعام أو شراب، وأنهم سيعرضوننا للعنف. بالإضافة إلى أنه كان سيأخذ المبلغ الذي دفعناه. كان قراراً صعباً، زوجتي كانت تبكي بحرقة في الغابة، لكن المهرب كان يتصل بنا بشكل متواصل للتهديد، لذا قررنا في نهاية المطاف أن نتابع طريقنا إلى ألمانيا، على أساس أن أحمد* لا يزال مع عمه”.

مشى خالد* وياسمين* ثلاثة أيام في الغابات البولندية، ولم يعرفا مصير ابنهما إلا بعد يومين، وقتها علما أنه في مركز لإيواء الأطفال في “بياوفيجا”، وأن عمه في مركز احتجاز مفتوح في بولندا يبعد 300 كلم (غادره بعد ذلك بعدة أيام وتوجه إلى ألمانيا).

وبعد اليوم الثالث، وصلت سيارة المهرب ونقلتهما إلى ألمانيا، حيث يعيشان في مخيم لطالبي اللجوء. ومنذ ذلك الحين تحاول الأسرة أن يجتمع شملها من جديد.

“يتحدث طوال الوقت عن الذهاب إلى ألمانيا”

وأوضحت كريستينا دايستكيفيتش، مديرة مركز إيواء القاصرين في قرية “بياوفيجا” في بولندا، أن أغلب الأطفال يصلون إلى المركز بعد أن تقرر المحكمة سحبهم من عائلاتهم، لأسباب تتعلق بالعنف الأسري أو إدمان الآباء على الكحول. إلا أن أحمد* ليس الطفل المهاجر الأول الذي يصل إلى المركز، فمنذ بداية أزمة الهجرة في 2021، وصل 28 طفلا إلى مركزنا بعد أن عبروا الحدود وانفصلوا عن عائلاتهم، بالإضافة إلى طفلين أوكرانيين.

ويتحدر هؤلاء الأطفال من العراق وإيران وسوريا والصومال وأفغانستان والكونغو.

وأضافت “نعمل مع الدولة لتنسيق وصول الأطفال المهاجرين إلى المركز، لقد كنا على استعداد لاستقبال هذه الفئة من الأطفال لأنه كان شيئا متوقعا مع أزمة الهجرة. كما حدث مع أحمد، عادة ما يقوم حرس الحدود بتوقيف المهاجرين على الحدود، وعند وجود أطفال بدون والديهم، يتم وضعهم في مركز تابع لحرس الحدود تحضيراً لعرضهم على المحكمة التي تقرر إيواءهم في مركزنا”.

ويقدم المركز “كل شيء” للأطفال وفقاً للمديرة، من ملابس وطعام ونقود، وبفضل دعم بعض المتبرعين يتم تنظيم رحلات في بولندا أيضاً.

وشددت المديرة على أن “كل الأطفال (المهاجرين والبولنديين) يتلقون نفس المعاملة، ويذهبون إلى نفس المدارس”. لكنها عادت واستدركت “يستفيد الأطفال البولنديين من جلسات مع الطبيب النفسي، لكن من الصعب العثور على طبيب يتحدث العربية، ومع ذلك تواصلنا مع خبير نفسي في وارسو وننتظر أن يتفرغ”.

وعند سؤالها عن أحمد، قالت دايستكيفيتش إنه “من الواضح أن أحمد طفل مدلل في عائلته، يتحدث معهم بشكل يومي عبر الهاتف، ويفكر طوال الوقت في الذهاب إلى ألمانيا، عدا عن ذلك، فإنه يقضي وقته في لعب كرة القدم وركوب الدراجات الهوائية”.

أما ياسمين*، وفي اتصال مع مهاجرنيوز، فقالت “لا أستطيع النوم منذ شهر، ابني بعيد عني، وهذا شعور لا أتمناه لأية أم أخرى. طوال تسع سنوات، كنا نسعى إلى أن نجتمع مع زوجي، ونجحنا في ذلك، الآن أنا مع زوجي، لكن من دون ابني. أتمنى أن يساعدنا أحد في جلب ابننا إلى ألمانيا”.

وعند سؤاله عن أول شيء سيفعله عند الوصول إلى ألمانيا، أجاب أحمد* “سأطلب من أمي أن تحضّر لي حلويات القطايف التي أحبها، وأن آكل شاورما. كل شيء سيكون أفضل هناك، لماذا؟ لأنني سأكون مع عائلتي!”.

*أسماء مستعارة
موسى أبوزعنونة- مهاجرنيوز

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.