الكومبس – خاص: أميمة عكاشة وابنتها نايا لم تفترقا يوماً واحداً، بسبب حالة الابنة المرضية، لكن الآن تضع موظفة الخدمات الاجتماعية الأم تحت خيارِِ تعجيزي، إمّا أن تذهب للمدرسة بدوام كامل وتترك ابنتها المقعدة لوحدها أو أن تقطع عنها المساعدة التي تشترط حضورها في مدرسة تعلم اللغة.

جاءت أميمة مع طفليها إلى السويد في العام 2006 بعد معاملة لم شمل قام بها الأب الذي سبقهم إلى السويد بأربع سنوات. في الفترة الأولى كانت أميمة تعاني من مشاكل نفسية إثر بقائها لهذه الفترة وحدها مع الأطفال في سوريا وتحملها المسؤولية وحيدة، الأمر الذي جعل عملية تعلم لغة جديدة والانخراط في مجتمع جديد صعباً، حسب ما تقول الأم .

عندما جاءت العائلة إلى السويد كان عمر نايا تسع سنوات وبصحة لا بأس بها، لكنها بعد سبع سنوات أصبحت مقعدة كلياً.

البوادر الأولى لوجود مشكلة صحية في جسد نايا ظهرت حين كانت في سوريا لكن دون أي قلق طبي. كانت حركتها بطيئة لكنها كانت تمارس حياتها بشكل طبيعي. أما في السويد فثقلت حركتها لدرجة أنه كان يصعب عليها المشاركة في حصص الرياضة واللعب مع أقرانها.

عندما تفاقم الوضع ذهبت أميمة بابنتها إلى المستشفى وبعد إجراء عدة فحوصات لم يتوصل الأطباء إلى أي شيء يفسّر حالتها.

كانت حالة نايا في تدهور مستمر حتى أصابتها انتكاسة في 2014 جعلت حركتها شبه مستحيلة وقدرتها على الأكل ضعيفة وباتت تسعل بشكل مستمر، حتى إنها اضطرت لترك المدرسة. حينها توصل الطب إلى تشخيص لحالة نايا، التي تبيّن أن لديها ضمور في المخيخ، لكن التشخيص لم يغير من الوضع شيئاً.

تتذكر أميمة كلام الأطباء جيداً: “قالوا لي إن نسبة الشفاء أو حتى التحسن تختلف من حالة إلى أخرى لكن حالة نايا ميؤوس منها. لا شفاء مرجو بل حذروني أن حالتها قد تزداد سوءاً مع الوقت”.

نايا تبلغ من العمر اليوم 25 عاماً منذ العام 2014 وهي مقعدة ووالدتها هي الوحيدة التي تعتني بها

بعد أن أصبحت نايا مقعدة ولا تقوى على فعل أي شيء أثر مرضها على التركيز والذاكرة. وتشير الأم إلى أن ابنتها تنسى أحيانا أنها أخذت الدواء بعد دقائق من تناوله.

ماذا كان شعورك حين أخبروك بأنه مرض دائم؟

“أنا أم وشعوري كشعور أي أم يصيب أولادها شيء كهذا. كان أملي أن تصبح نايا طبيبة أطفال. في لحظة تحطمت كل آمالي المستقبلية. كنت استثمر في أولادي ومستقبلهم. من المؤلم رؤيتها عاجزة والأكثر صعوبة هو إحساسها الدائم بأنها عالة وبأنها تشعرني بالعجز معها”.

بعد عامين من تشخيص حالة نايا انفصلت أميمة عن زوجها وانتقلت إلى مدينة جديدة، ما يعني تواصلاً جديداً مع مكتب الخدمات الاجتماعية (السوسيال). طوال الفترة السابقة كانت أميمة في المنزل تعتني بابنتها وكانت الخدمات الاجتماعية تعيلها على هذا الأساس.

وبعد عامين من الانتقال إلى البلدية الجديدة بدأ الفصل بين الأم وابنتها، فقد طلبت الخدمات الاجتماعية كثيراً من التقارير الطبية لحالتها الجسدية والنفسية وكان يبدو للأم أميمة، أن المساعدة التي تحصل عليها كانت تختلف من مسؤول لآخر.

مسؤول جديد في كل مرة

تقول الأم “كانت الأمور تسير على ما يرام إلى العام 2018. حينها جاء مسؤول جديد وكان في كل اجتماع يكرر أن علي الذهاب إلى المدرسة وإلّا قطع راتبي الشهري”. كان الحل الأخير الذي قدمه المسؤول هو الدراسة من المنزل والاعتناء بنايا في نفس الوقت.

كان ذلك الحل في حينها مناسباً. درست أميمة مستوى اللغة السويدية الـB والـC لكن حالة نايا بدأت تتدهور من جديد. هذه المرّة اكتشف الأطباء أن معها ضغط في الرأس وأن عليهم تغيير الأدوية، الأمر الذي كانت له تبعات كثيرة.

تغير المسؤول ولم تتغير الشروط، بل زادت صعوبة. الآن يشترط عليها الحضور في المدرسة لأنه يصعب التدرب على النطق من المنزل، حسب ما كتبت مدرسة اللغة. بعد غيابات عدة، أرسلت المدرسة إنذاراً بفصل أميمة وبالتالي عدم حصولها على أي مساعدات مالية.

تقول الأم إنه يستحيل عليها التوفيق بين الدراسة والاعتناء بابنتها في الوقت نفسه. وتضيف “ليس لدي الوقت أو القدرة على الدراسة. كل متطلبات ابنتي مسؤوليتي من أكل وشرب إلى دخول الحمام والنظافة الشخصية. هي مقعدة مئة بالمئة ومتعلقة بي بطريقة مرضية. جربنا أن نبعدها عني تدريجياً وأقصى حد وصلناه هو 55 دقيقة. عندما أخرج لفترة قصيرة جداً أعود فأجدها تبكي وبحالة سيئة جداً”.

لا أمل في المساعدة الخاصة

تفهمت المدرسة وضع أميمة وطلبت منها أن تبقى مع ابنتها حتى يصبح لها حق في الحصول على دعم لذوي الاحتياجات الخاصة، لكن أميمة تفقد الأمل تقريباً في الحصول على هذا الدعم المعروف بالـ LSS حيث أنها قدمت في أكثر من مناسبة طلباً لهذه المساعدة، وفي كل مرة يأتيها الرفض تلو الآخر.

في الوقت نفسه تطلب مسؤولة أميمة في مكتب الخدمات الاجتماعية أن يكون لها نشاط دراسي أو تدريبي يتطلب البعد عن ابنتها وإلا فإنها لن تحصل على دخل.

“قالت لي بالحرف الواحد إذا كنت أريد أن يكون لي دخل فيجب علي الحضور في المدرسة، وإذا كنت أستطيع تدبر أموري دون دخل منهم فيمكنني البقاء مع ابنتي ما شئت. نحن نحتاج للمال بالفعل لكني لن أترك بنتي لوحدها مهما كان الثمن”.

مرّ على وجودك في السويد أكثر من 16 سنة، لماذا لم تتعلمي اللغة السويدية حتى الآن؟

ترد أميمة “قبل أن آتي إلى السويد كنت أعتني بطفلي لوحدي. كان حملاً ثقيلاً جداً. كنت لا أنام الليل خوفاً عليهم وعندما جئت إلى السويد شعرت بتبعات الأمر، وبمجرد أن تحسن وضعي بدأت حالة ابنتي تسوء”.

أميمة: قد نكون بحاجة النقود بالفعل لكن لن أترك ابنتي وحدها مهما كان الثمن

نايا ترافق أمها في أغلب اجتماعاتها مع مكتب الخدمات الاجتماعية وهي التي تقوم بإرسال الرسائل باللغة السويدية أحياناً في حال تغيب الأم عن اجتماع ما بسبب وضع الابنة الصحية. في آخر حديث بين الأم ومسؤولتها، كانت نايا تلعب فيه دور المترجمة، تأثرت نايا لدرجة أنها بدأت البكاء. نفس الدموع كانت حاضرة حين استذكرت الابنة كلام المسؤولة التي وضعت والدتها في هذا الخيار الصعب.

عبرت نايا في حديث مقتضب مع الكومبس عن مشاعرها إزاء موقف العائلة بهذه الكلمات “إنه شعور صعب جداً. لدي أفكار انتحارية. أحياناً أتمنى لو لم أكن موجودة. أشعر أنني أجعل حياة والدتي صعبة. إنهم لا يظهرون أي تعاطف ولا يأخذون وضعي في عين الاعتبار إطلاقاً”.

ماذا تقول الخدمات الاجتماعية؟

لسماع وجهة نظر مكتب الخدمات الاجتماعية المسؤول عن العائلة تواصلت الكومبس مع مسؤولة أميمة في البلدية ريبيكا إيسبيري التي قالت إنها لا تستطيع التعليق على حالات خاصة بسبب السرية. وجاء ردها كالتالي “أنا لا يمكنني التعليق على الحالات الفردية بسبب السرية، لكن بشكل عام هناك قوانين ولوائح نتعامل معها وهم (العائلة) على دراية بها. هم يعرفون كيف تجري الأمور وكيف نقوم بالتقييم”.

يذكر أن آخر رسالة وصلت أميمة وابنتها من الجهة المعيلة هي رفض لطلبهما المساعدة لشهر أبريل. وكان تفسير الخدمات الاجتماعية هو افتقار الطلب لتقارير حضور من المدرسة. والآن تقول أميمة إنها لا تعرف كيف ستتمكن من دفع إيجار المنزل والفواتير الأخرى لكنها رغم ذلك لا تفكر في ترك ابنتها.

هديل إبراهيم