أوروبا..مبادرات للاهتمام بالشأن الروحي للمسلمين وتقبل أكثر لثقافتهم

: 4/1/23, 8:31 AM
Updated: 4/1/23, 8:31 AM
الرئيس الألماني خلال مأدبة إفطار
الرئيس الألماني خلال مأدبة إفطار

الكومبس – أوروبية: حل رمضان هذه السنة بألمانيا في نفس توقيت في أغلب البلدان العربية والإسلامية، وبذلك يتزامن صوم المسلمين في البلد مع صوم أهاليهم في البلدان أخرى. لكن هل من مبادرات تعنى بالشأن الروحي لهذه الفئة من المواطنين في ألمانيا؟ وما مدى انعكاسها عليهم خلال شهر الصيام؟

خلال شهر رمضان، يعيش المسلمون أجواءاً روحانية وطقوسا تميزه عن باقي أشهر السنة، وهو ما قد تفتقده الجاليات المسلمة في بلدان المهجر. ولتفادي ذلك، تقوم المساجد والمؤسسات الإسلامية في أوروبا بالترتيب لفعاليات دينية خلال شهر الصيام من ضمنها تنظيم صلاة التراويح، وفعاليات ثقافية كالإفطارات الجماعية ومسابقات في مجال حفظ القرآن وتجويده للأطفال.

تظافر للجهود في سبيل تأطير مسلمي ألمانيا روحيا!

بعض البلدان الإسلامية تقوم بتنسيق مع مختلف المراكز والمجالس الإسلامية في أوروبا لأجل التحضير لشهر رمضان وتخص جالياتها برعاية خاصة، تهدف هذه المبادرات لمساعدة مختلف الأجيال على استحضار الجانب الروحي والطابع الخاص بشهر رمضان.

ومن بين المؤسسات الألمانية التي تعنى بتنظيم ما له علاقة بالجانب الروحي للمسلمين خلال شهر رمضان، المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا الذي تأسس سنة 1987، وأوضح أمينها العام عبد الصمد اليزيدي، في تصريح لمهاجر نيوز أن المجلس “يستقبل خلال رمضان كل سنة مقرئين من بلدان مختلفة مثل مصر والجزائر والبحرين وتونس والأردن والكثير من البلدان الإسلامية، ويكون هناك حضور لمختلف القراءات القرآنية في المساجد خلال شهر الصيام”.

ومن بين هذه المبادرات، بعثة المملكة المغربية التي دأبت على بعثها منذ عشرات السنين إلى أوروبا عبر مؤسساتها الدينية لتأطير الجالية المسلمة خاصة المغربية منها. فقد أعلن المغرب هذه السنة عن قدوم وفد مكون من 144 مقرءاً ضمن البرنامج الرمضاني لمؤسسة الحسن الثاني للمغاربة المقيمين بالخارج (مؤسسة رسمية)، سيتواجدون في كل من بلجيكا وإسبانيا وهولندا والسويد وسويسرا والنرويج وكندا والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا.

واعتبر اليزيدي أن الهدف الأسمى لهذه المبادرات التي تصل إلى أوروبا بتنسيق بين القنصليات والمراكز الإسلامية المتواجدة في هذه البلدان، هو إنشاء تواصل روحي للجالية المسلمة في بلدان المهجر خلال رمضان مع علمائهم.

من جهته، اعتبر محمد بنوه، رئيس المجلس المركزي للمغاربة بألمانيا – وهي المنظمة المشرفة على استقبال البعثة – أن الفكرة “صارت عادة سنوية تشمل عدة دول أوربية وبعض دول أمريكا الشمالية حيث تتواجد جالية مغربية مهمة، إطار عملها الأساسي يتركز في التأطير الديني المعتدل وفق القيم الدينية المغربية التي تعتمد على المنهج الوسطي الاعتدالي المتسامح والمحترم لجميع الأديان وخدمة الإنسانية ونشر المحبة والسلام”.

واعتبر المتحدث أن إشراف المجلس المركزي للمغاربة بألمانيا على المبادرة يتمثل في استقبال هذه البعثة سنويا بطريقة قانونية ويشرف على برنامجها التأطيري طيلة شهر رمضان، باعتباره هيئة دينية تنظم عمل عشرات المساجد في مختلف مدن ألمانيا على الصعيد الفيدرالي.

تنوع المبادرات يثري المشهد الديني خلال رمضان!

الشيخ محمود حسن يوسف، يشارك لأول مرة ضمن بعثة جمهورية مصر نحو مختلف بلدان العالم خلال شهر رمضان، ويؤدي مهمته في أحد مساجد مدينة جيسن الألمانية، اعتبر في حديثه لمهاجر نيوز أن “مصر من خلال الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف تتوخى من هذه البعثات الدينية الإسهام في التأطير الروحي للمسلمين في مختلف الدول خلال شهر رمضان، في إطار نموذج ديني يقوم على التسامح والتعايش والابتعاد على الغلو والتشدد، ويقوم بهذه المهمة مقرئين وأئمة قادرون على تأطير المسلمين خلال الصلوات وما بعدها”.

ويقول المتحدث في وصف تجربته “وأنا في جيسن كأنني في بلدي الثاني، الأجواء خلال هذا الشهر روحانية داخل المسجد، إذ يتوافد المصلون من جميع الجنسيات ومن كل الفئات العمرية”، ولاحظ المتحدث أن “غالبية المسلمين هنا يتحدثون ويفهمون اللغة العربية، وبالتالي يكون التواصل معهم وتأطيرهم يسيرا”. ومقارنة بأداء المهمة ذاتها في بلده مع تجربة التأطير الديني في ألمانيا، يرى الشيخ محمود حسن أن “النفع هنا مضاعف، إذ تتجلى بوضوح قيمة أكبر للمهمة التي يقوم بها الإمام، إذ يؤطر مسلمين من مختلف الجنسيات في دولة أخرى”.

انعكاس روحي وتواصل بين الثقافات!

وفي حديثه عن انعكاس مثل هذه المبادرات على الجالية المسلمة في ألمانيا، فقال الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين، اليزيدي، إن “لها أثراً جد إيجابي على المواطنين المسلمين، لأن المسلم في هذا الشهر يكون متشوقا لسماع أصوات متميزة مختلفة من دول متنوعة، وقدوم هؤلاء الأئمة والمقرئين وحضورهم في المساجد وفي الإفطارات التي تقام خلال الشهر الكريم والصلاة الجماعية، يسعد الجاليات المسلمة. إنها مبادرات تسهم في الرفع من الروحانيات لدى الجاليات في بلدان المهجر”.

أما محمد بنوه فاعتبر أن انعكاس المبادرة المغربية التي يقوم بتنسيقها يتجلى واضحا على الألمان من أصول مغربية أو المسلمين في ألمانيا عموما، ” مثل هذه المبادرات، خاصة البعثة المغربية الشهيرة بالتكوين المعتدل لأئمتها وعلمائها على مستوى الاتحاد الأوروبي، يسهم في إضفاء أجواء من البهجة على الفئة المستفيدة”.

وهو ما أكدته ملاحظة من الشيخ المصري محمود حسن الذي قال “إن الأجواء الروحانية في المسجد تنعكس على نفسية المسلمين في دول الهجرة، حيث يستمتعون بهذا التغيير الذي يحصل باستقبال مؤطرين دينيين خلال هذا الشهر العظيم بالنسبة لهم، ويتغلبون على رتابة الحياة اليومية وضغوط العمل بالتواجد في مكان يوفر لهم ما يفتقدونه على مدار السنة، وهو التأطير الروحي وأداء العبادات بشكل جماعي”.

لكن للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا تصور لبلورة هذه المبادرات، خاصة منها المغربية جاء على لسان أمينه العام في حديثه لمهاجر نيوز، يتمثل في “التركيز على جلب المقرئين”.

ويضيف المتحدث قائلا أما موضوع الإرشاد “فنحن نرى أن يقوم به الأئمة المقيمون في ألمانيا، لأن الخطاب الديني يجب أن يتأقلم مع المكان والزمان. لدينا أئمة مغاربة ومن جنسيات مختلفة هنا في ألمانيا، متمكنين ومؤهلين، وتأهيلهم يشمل الجانب الشرعي إضافة إلى المعرفة بالواقع، ويستطيعون تقديم خطاب ديني معتدل وفي الوقت نفسه يجيب على الأسئلة الراهنية لدى الجالية خاصة الشباب، باللغة الألمانية أو باللغات الأجنبية في البلدان الأوروبية الأخرى”.

كما يقترح المجلس أن يتواجد القراء المغاربة خاصة في المساجد المختلفة، وأن لا يقتصر وجودهم فقط في المساجد المسيرة من طرف المغاربة، معتبرا “أن هؤلاء القراء هم على مستوى عالي من التكوين وسفراء للمغرب ونمط تدينه المعتدل وتواجدهم وسط مسلمين من جنسيات أخرى سيساهم في انتشار هذا النمط المتفرد”.

ترحيب ألماني واعتراف بالتنوع!

يتفق كل من اليزيدي وبنوه أن هناك انفتاحا كبيرا من الجانب الألماني على الثقافة الإسلامية، على الرغم من تشويش الخطاب اليميني الذي يتخذ من الإسلاموفوبيا سلاحا للوقوف أمام التنوع الديني والثقافي الذي تعيشه ألمانيا. وقد ذكر اليزيدي في حديثه لمهاجر نيوز بأنه “كان من دواعي الفخر والاعتزاز للمسلمين المغاربة في ألمانيا أن خطاب رئيس الجمهورية الألمانية، فرانك فالتر شتاينماير، قد أثنى بوضوح على التأطير الديني داخل المملكة المغربية ضمن خطاب بعثه للملك محمد السادس بداية العام الماضي، في إطار تقوية العلاقات بين البلدين”.

رئيس حكومة نوردراين-فيستفالن NRW، “هندريك فوست” نظم حفل إفطار رمضاني شارك فيه عبد الصمد اليزيدي، الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، يوم الثلاثاء 27 مارس في عاصمة الولاية “دوسلدورف”. المصدر: المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا.
رئيس حكومة نوردراين-فيستفالن NRW، “هندريك فوست” نظم حفل إفطار رمضاني شارك فيه عبد الصمد اليزيدي، الأمين العام للمجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا، يوم الثلاثاء 27 مارس في عاصمة الولاية “دوسلدورف”. المصدر: المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا.

كما أوضح اليزيدي أن “هناك قبولا كبيراً وتسهيلات في تعامل السفارات والقنصليات المتواجدة في البلدان الإسلامية التي يأتي منها وفود القراء والعلماء، وتعاون من جانب السلطات الألمانية”. وهو ما أكده بنوه في حديثه عن “تسهيلات وزارة الداخلية الفيدرالية والموقف الإيجابي للحكومات الجهوية في التعامل مع المسلمين عموما خاصة في مثل هذه المناسبات، معتبراً أن “إشراكنا أيضا في معالجة مختلف القضايا المرتبطة بالدين والهجرة والاندماج، علامة على احترام الاختلاف”.

من جهة أخرى، أشار اليزيدي أنه من نماذج انفتاح الألمان على الثقافة الإسلامية، الإفطارات التي تنظم في المساجد والتي صارت عرفا ألمانيا. لقد صار المسؤولون الحكوميون يدعون المسلمين لمثل هذه المناسبات خلال شهر رمضان”. ومن بين من قام بهذه المبادرات أو شارك فيها، الرئيس شتاينمار والمستشارة السابقة ميركل.

وذكر اليزيدي أن من بين من قاموا بهذه المبادرة خلال رمضان هذه السنة، رئيس حكومة ولاية شمال الراين ويستفاليا، الذي جمع خلاله شخصيات من مختلف الديانات. كما أشار اليزيدي أن كلمة إفطار دخلت القاموس الألماني، وهذا شيء يظهر حسبه “أن الألمان المسلمون تمكنوا من جعل ثقافتهم جزءا من المجتمع الذي يعيشون فيه وهو أمر إيجابي للغاية”.

ماجدة بو عزة – مهاجر نيوز

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.