قرر عدد متزايد من دول الاتحاد الأوروبي إنشاء ضوابط لجوازات السفر وحرس الحدود، برغم أن منطقة شنغن في أوروبا يفترض أن تكون حرة ومفتوحة بحدود وطنية “غير مرئية”. ما يشير إلى أن حلم أوروبا بلا حدود ربما على وشك التخلي عنه، كما نشرت الصحيفة السويدية SvD.

أعادت ألمانيا مؤقتاً فرض الضوابط على الحدود قبل بطولة كرة القدم الأوروبية هذا الصيف، مشيرة إلى أن البطولة قد تجتذب ليس فقط مثيري الشغب في كرة القدم، بل أيضاً الإرهابيين وغيرهم من المجرمين إلى البلاد.

ومن المسموح حاليا لدول الاتحاد الأوروبي أن تضع ضوابطاً حدودية في ظل ظروف خاصة، على الرغم من مبدأ وجوب أن تكون الحدود غير مرئية والسفر حراً. وتشمل الظروف الخاصة التهديدات الإرهابية والفعاليات السياسية أو الرياضية الكبرى، مثل مؤتمرات القمة المناخية أو بطولات كرة القدم، حيث يمكن توقع حشود صاخبة. ويمكن أيضاً فرض ضوابط على الحدود عند وصول عدد كبير جداً من المهاجرين خلال فترة زمنية قصيرة.

ولكن عندما غادرت فرق كرة القدم الأجنبية ومشجعيها ألمانيا بعد بطولة أوروبا في منتصف يوليو، اختار الساسة الألمان جعل الضوابط الحدودية المؤقتة دائمة. مشيرة إلى أن البلاد يجب أن تكون قادرة على السيطرة على الهجرة إلى البلاد، وإبعاد الإرهابيين.

ألمانيا ليست الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي ترغب في إعادة كتابة قواعد منطقة شنغن. ويعود الاسم إلى بلدة شنغن الصغيرة في لوكسمبورغ حيث قررت دول الاتحاد الأوروبي في عام 1985 طمس الحدود المادية وإزالة جميع ضوابط الدخول والخروج فيما بينها. وتوجد اليوم جميع دول الاتحاد الأوروبي باستثناء أيرلندا وقبرص في منطقة شنغن.

وفي عام 2011، هدد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي آنذاك بسحب بلاده من منطقة شنغن بالكامل، لأن القواعد جعلت من الصعب السيطرة على الهجرة إلى فرنسا.

لوبان: “سيطروا على الحدود”

من جهته، كرر اليمين المتطرف الفرنسي في حزب الجمعية الوطنية، الذي روجت زعيمة حزبه السابقة مارين لوبان في ثلاث حملات انتخابية رئاسية أن فرنسا يجب أن “تسيطر على حدودها” وترفض اتفاقية شنغن.

ووفقاً لقواعد شنغن، يتعين على الدولة التي ترغب في فرض ضوابط حدودية أن تتقدم بطلب للحصول على إذن من المفوضية الأوروبية في بروكسل، ولمدة ستة أشهر فقط في المرة الواحدة. لكن لوبان انتقدت خلال فترة جائحة كورونا حقيقة أن المفوضية الأوروبية لم تسمح للدول التي تريد إغلاق حدودها، قائلة “إن ذلك يظهر مدى قوة هوس زعماء الاتحاد الأوروبي الأيديولوجي، الديني تقريباً، بالحدود المفتوحة”.

ولكن هذا لم يعد صحيحاً. منذ الهجمات الإرهابية في باريس في يناير وديسمبر 2015، فرضت فرنسا ضوابطاً حدودية دائمة على مدار العام مع الدول المجاورة لها.

كما أعادت النمسا فرض الضوابط على الحدود مع المجر وسلوفاكيا في عام 2015، وهو العام الذي وصل فيه عدد قياسي من طالبي اللجوء إلى وسط الاتحاد الأوروبي عبر البلقان بشكل رئيسي. على الرغم من أن محكمة العدل الأوروبية حكمت على النمسا بإزالة الضوابط الحدودية على الفور، إلا أنها رفضت.

السويد لا تزال لديها الضوابط

أدخلت السويد أيضاً عمليات فحص الحدود الداخلية والهوية للمسافرين من الدنمارك خلال عام الهجرة 2015. واليوم، بعد مرور تسع سنوات، ما زالت موجودة. كما أعادت كل من إيطاليا وسلوفينيا فرض الضوابط على الحدود مع جيرانهما.

ووفقاً للصحيفة فإن حلم أوروبا بإمكانية السفر بحرية ودون عوائق على الطرق يبدو أنه لم يعد حياً تماماً – رغم أنه ليس ميتاً تماماً أيضاً.

وقال الباحث البريطاني نيكولاس آيلوت لـ SvD “ربما يكون من السابق لأوانه إعلان وفاة اتفاقية شنغن والحدود المفتوحة. لكن من الواضح أن هذا الشكل من التعاون يواجه تحدياً خطيراً اليوم بسبب ظاهرة الهجرة، وربما لن ينخفض”.

“ضعف العصر الليبرالي”

ويرى آيلوت أن ما يمكن أن نطلق عليه بشكل تقريبي “العصر الليبرالي” في التعاون الأوروبي قد ضعف؛ وهذا العصر هو الذي كان فيه كبار الساسة الأوروبيين، سواء من الساسة المحافظين الأكثر إلهاما من رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، إلى الليبراليين والاشتراكيين الديمقراطيين، يشتركون في اعتقاد أساسي مفاده أن الحدود والضوابط الحدودية للدولة القومية القديمة قد عفا عليها الزمن. وأنه سيتم تعزيز الرخاء في أوروبا من خلال التنقل والتخصص في سوق حرة ومفتوحة بلا حدود.

وأضاف “لكن هذا الافتراض القديم، هذا العصر الليبرالي، ضعف في السنوات الأخيرة بسبب الحرب وعودة الدولة القومية، ليس أقلها في المجال الأمني، ولكن أيضاً بسبب الهجرة”.

المصدر: www.svd.se