الكومبس- خاص: “وصلتُ ليلاً بتوقيت العاصمة دمشق. وقفتُ دقائق قليلة لأتأمل باب منزلنا الذي تغّيرت ملامحه منذ أن ودعته قبل 11 عاماً. تذكرت بيت شعر لا أعلم من قاله لكنه يصف حالتي تماماً في تلك اللحظة وهو “يا طارق الباب رفقاً حين تطرقهُ فإنّه لم يعد في الدار أصحابُ”. بهذه الكلمات يصف محمد (يرغب بذكر اسمه الأول فقط) زيارته الأخيرة إلى سوريا بعد مجيئه إلى السويد منذ أكثر من 11 عاماً.

زيارة مليئة بمشاعر الحزن والفرح عاشها محمد خلال زيارة منزل عائلته في العاصمة السورية دمشق بعد مجيئه للسويد هرباً من الخدمة الإلزامية للجيش السوري السابق على حد تعبيره. محمد تحدث للكومبس عن “صدمته” بعدما اكتشف أنه كان مطلوباً للنظام السابق حيث قال” لست أنا فقط من حُرم رؤية عائلته طيلة هذه السنين بسبب إجرام نظام الأسد، لكنني كنت أظن أنني مطلوبٌ فقط لشعبة التجنيد في محافظة دمشق بسبب تخلفي عن الخدمة الإلزامية، لأكتشف مؤخراً أنني كنت مطلوباً أيضاً لأحد الأفرع الأمنية وذلك بعدما اطلعتُ على التسريبات التي نشرتها إحدى الصحف الإلكترونية التي نشرت أسماء أكثر من مليون ونصف شخص كان النظام السابق يحاول اعتقالهم” وفقاً لما قاله محمد.

وأضاف أن والده قد توفي قبل ثلاث سنوات، ولم يتمكن من السفر إلى سوريا رغم أنه كان يحق للسوري المتخلف عن الخدمة الإلزامية أن يزور سوريا تحت مسمى زيارة المغترب والتي نصّت على إمكانية الدخول والخروج من سوريا ضمن فترة 3 أشهر دون التعرض للمساءلة عما اذا كان هذا الشخص مطلوبٌ للالتحاق بصفوف الحيش السوري السابق أم لا، وذلك وفقاً للموقع الرسمي للسفارة السورية في ستوكهولم.

يقول محمد “كنت على وشك مراجعة السفارة من أجل ترتيب سفري إلى سوريا قبل 3 سنوات، لكن حصلت بعض الأمور التي منعت ذلك ولو أنني دخلت الحدود السورية آنذاك لكان النظام السابق اعتقلني بحجة أنني مطلوب لأحد الأفرع الأمنية”.

مي السمهوري إحدى أعضاء “جمعية سراج” في مدينة مالمو، كانت أيضاً من أوائل الأشخاص الذين زاروا مدينة دمشق بعد سقوط النظام السوري السابق. تحدثت السمهوري في مقابلة أجرتها الكومبس معها عن “اختلاف المعاملة على الحدود اللبنانية السورية” حيث قدم موظفو الهجرة والجوازات في الجانب السوري العديد من التسهيلات للقادمين إلى سوريا على حد وصفها. كما تحدثت مي عن “الجهود الكبيرة التي يجب بذلها لإعادة إعمار الحجر والبشر”، على حد وصفها.

مدينة حمص

محمود أيوب مقيم في مدينة يوتيبوري، زار مدينة حمص السورية مؤخراً، وتحديداً منطقة الرستن الواقعة في الريف الشمالي للمدينة. يذكر أيوب للكومبس أنه رأى للمرة الأولى أولاد أخيه وأخته بسبب مغادرته للرستن منذ العام 2014. ويقول “أصبحت عماً وخالاً وأنا في السويد وكانت فرحة لا توصف برؤيتي لهؤلاء الأطفال، هذه أول مرة أراهم على أرض الواقع ولا أعلم كيف أصف هذه اللحظات”.

ويضيف “والدتي كان لديها صعوبة في السير بسبب عملية أجرتها منذ بضعة أسابيع، لكنها تغلبت على آلامها عندما رأتني وأخي”.

وشارك محمود مع الكومبس اللحظات الأولى لزيارته مسقط رأسه بعد سنوات من اغترابه في السويد، كما شارك بعض الصور لآثار الدمار الذي لحق بمدينة حمص خلال سنوات الحرب في سوريا.

وعند سؤال محمود عن واقع الخدمات العامة في مدينة الرستن قال “المياه في الرستن حالياً متوافرة بشكل دائم، لكن هناك ارتفاع في الأسعار ولاسيما سعر الغاز الخاص بالاستخدام المنزلي حيث بلغت تكلفة تعبئة الأسطوانة الواحدة نحو 275 ليرة سورية تقريباً ما يعادل 20 دولاراً وهي تكلفة مرتفعة مقارنة بدخل السكان”.

وعما إذا كان يخطط للعودة إلى سوريا والاستقرار فيها، قال محمود “أنا أفكر بشكل جدي بالعودة إلى سوريا والاستقرار فيها، لكني مازلت أدرس الموضوع بشكل دقيق لكي أعود بشكل قويّ وأفتح مشروعَ عملٍ يناسبني”.

بنى تحتيّة مدمرة بالكامل

تيم ( يرغب بذكر اسمه الأول فقط) تحدث أيضاً عن زيارته بعض المحافظات السورية مثل حلب ودمشق، بعد أن غاب عن أهله أكثر من 12 عاماً، ليجتمع بهم بعد بضعة أسابيع من انهيار نظام الأسد في مدينة إعزاز الواقعة في شمال غربي محافظة حلب.

تحدث تيم عن الصورتين المتناقضتين اللتين عاشهما لحظة خروجه من سوريا ولحظة دخوله إليها، بالقول “هناك فرق كبير بين لحظة خروجي ودخولي إلى سوريا. في لحظة الخروج منذ أكثر من 12 عاماً كانت مشاعر القلق من المجهول والمشاعر السوداء هي السائدة، بينما الصورة الجديدة لسوريا يمكنني وصفها بالقول بأنها تحمل تفاؤلاً حذراً”. وأضاف “رأيت الفرح بأعين الناس الذين التقيت بهم، حيث كانوا متفائلين بالنصر الذي حققوه على النظام السابق لكنهم لايزالون ينتظرون تحسن الوضع في سوريا على أرض الواقع”.

تيم استقر في تركيا قبل قدومه للسويد، حيث أجرى تدريباً في السفارة السويدية في تركيا قبل قدومه إلى السويد التي حصل فيها على ماجسيتر في الإدارة العامة، وعند سؤاله عن تقييمه للواقع الخدمي في المدن السورية التي زارها قال “سوريا مهترئة بشكل كامل. القطاع الخدمي والطبي تحت الصفر والعديد من القطاعات تسلتزم الوقت والموارد لإعادة بنائها من جديد، والتعويل حالياً على الطاقات داخل وخارج سوريا. إذ يوجد العديد من المنظمات التي عملت في الشمال السوري وأصبح لديها خبرات واسعة في كيفية إعادة تأهيل وبناء المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام السابق، وبرأيي فإنها قادرة بمساعدة الأطراف الأخرى داخل وخارج سوريا من بناء مستقبل أفضل للذين عانوا الأمرّين طيلة فترة الحرب السورية”.

كما أضاف تيم “لايزال العديد من الأشخاص يعيشون في المخيمات بسبب عدم وجود إمكانية لعودتهم لمدنهم ومنازلهم المدمرة، هؤلاء الأشخاص لديهم الحق أيضاً في المشاركة في مستقبل سوريا”.

كما تحدث تيم عن “استغلال للمسافر السوري الذي يحمل جنسيةً أجنبيةً” في مطار الأردن، حيث وفقاً لروايته فإنه تم رفع رسم تأشيرة العبور إلى سوريا مروراً بالأردن من 40 ديناراً إلى 60 ديناراً أردنياً، مع وجود استغلال من قبل أصحاب سيارات الأجرة الذين طلبوا أسعاراً مرتفعة مقابل التوصيل لداخل محافظة دمشق، وفقاً لما قال تيم.

راما الشعباني

شادي فرح