زلزال سياسي في فرنسا قد يكون له تداعيات على أوروبا بأكملها. الفرنسيون قلبوا الطاولة تماماً على اليمين المتطرف خلال أسبوع واحد بعد تحشيد استنفر الفرنسيين على اختلاف توجهاتهم دفاعاً عن التعددية والانفتاح والحرية. استيقظ اليسار الفرنسي من سُبات طويل، وقف مجدداً على قدميه في حلبة صراع شرسة مع قوى اليمين المتطرف التي انتقلت خلال سبعة أيام من المركز الأول إلى الثالث.
نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الفرنسية المبكرة، أعطت الأمل لكثيرين ممن كان يتخوفون على حقوق الأقليات ومبادئ المساواة والديمقراطية. نتائج ربما تعطي الأمل لفرنسا ولأوروبا بأكملها بإمكانية الوقوف ضد قوى الشعبوية اليمينية، وتوجيه لكمات قوية لقوى استفادت كثيراً من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في نشر خطابها الأحادي المعادي للأجانب.
كان اليمين المتطرف الفرنسي قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى الحكم بنتائج الدورة الأولى، خصوصاً بعد تحقيق اليمين المتطرف عموماً تقدماً واضحاً في الانتخابات الأوروبية. حتى أن قياديه بدؤوا يعلنون أسماء من سيتولى رئاسة الحكومة، وسط مخاوف من أن تطبق الحكومة الجديدة وعيدها تجاه ذوي الأصول الأجنبية، غير أنه كان للفرنسيين الذين نزلوا إلى صناديق الاقتراع رأي آخر.
أسباب التغيير المفاجئ متعددة، منها زيادة نسبة المشاركة في الدورة الثانية مقارنة بالأولى، حيث أدرك الناخبون، وخصوصاً ممن هم من أصول مهاجرة أهمية هذه الجولة في تحديد التوجه السياسي للبلاد. وهنا قد يكون من المهم ذكر أن الناخبين المسلمين على سبيل المثال يشكلون حوالي 10 بالمئة من مجموع الناخبين. كما أن التحالفات والاستراتيجيات التي عقدتها أحزاب اليسار والوسط فيما بينها ساهمت بدعم المرشحين الأكثر حظاً في مواجهة حزب التجمع الوطني المحسوب على اليمين المتطرف، خصوصاً بعد انسحاب الأحزاب التي لم تحصد مراكز متقدمة في الجولة الأولى. الأصوات في الجولة الثانية تركزت حول مرشحين أقل عدداً، مما جعل المنافسة أكثر حدة واستقطابا بين القوى اليسارية واليمينية.
في انتظار النتائج النهائية التي من الواضح أنها لم تمنح اليسار أغلبية مطلقة لتشكيل الحكومة، من المتوقع أن تمر فرنسا بأزمة تعاني منها معظم الدول الديمقراطية في حال عدم حسم المعارك الانتخابية. الاحتمالات كلها مفتوحة أمام فرنسا لكن الواضح أن اليسار الفرنسي استطاع أن يوقف زحف اليمين المتطرف في البلاد، وأن ينعش آمال القوى التي تعمل على إصلاحات اجتماعية تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية للتطرف مثل الفقر والبطالة وعدم المساواة ومحاربة الكراهية والعنصرية في كل الدول الأوربية، ولعل انتصار اليسار البريطاني مؤخراً يأتي أيضا ضمن تعزيز هذا الآمال.