مع استمرار الحرب بين حماس وإسرائيل، تمضي الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا قدما في استغلال الصراع للترويج لخطابها المناهض للمهاجرين، لكن خبراء يقولون إنه رغم ذلك، فإن انقسامات ظهرت داخلها.
عقب هجوم حماس المصنفة إرهابية في الغرب على إسرائيل في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي، اتسم موقف البرلمان الأوروبي بالوحدة حيث أجمع كافة أعضاء التكتل من مختلف الأطياف السياسية على إدانة أعمال العنف ووقفوا دقيقة صمت حدادا على الضحايا.
بيد أنه خلال الأسابيع التي تلت الهجوم، بدأت حالة من الجدل تأخذ حيزا من الشأن الأوروبي خاصة مع خروج مظاهرات في الشوارع وشعور الفئات المسلمة واليهودية بأنها باتت مستهدفة بشكل متزايد.
ومع تزايد حدة النقاش، سعت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا إلى الاستفادة من الوضع الراهن لتعزيز نفوذها السياسي.
وفي ذلك، تقول مارتا لوريمر، خبيرة الشؤون الأوروبية بـ “كلية لندن للاقتصاد” في لندن والمتخصصة في شؤون حركات اليمين المتطرفة، إن “اليمين المتطرف يسعى إلى تعزيز وجوده في أوقات الأزمات إذ يمكن لأحزاب اليمين إيجاد طريقة لجعل الأمر يصب في صالح اساسياتها”.
في المقابل تقول سارة دي لانغ، الباحثة في شؤون الحركات الشعبوية في أوروبا وأستاذة العلوم السياسية في أمستردام، في مقابلة مع DW إن اليمين المتطرف “ليس في حالة وحدة حيال ذلك، بل يعاني من انقسامات”.
وتضيف “طيف الأحزاب اليمينية المتطرفة الذي يعتبر إسرائيل بؤرة الديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط، أعرب عن دعم مطلق لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها وعن توغلها في غزة، لكننا رصدنا بعض أحزاب اليمين المتطرف الشعبوية قد انحرفت بالفعل على مدار السنوات الماضية صوب المزيد من الأعمال التي تندرج تحت فئة معاداة السامية”.
وفي ذلك، قامت DW بتسليط الضوء على أبرز مواقف الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا إزاء الصراع بين حماس وإسرائيل.
ويشار إلى أن حركة حماس جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنف في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية. كما حظرت الحكومة الألمانية جميع أنشطة الحركة في ألمانيا.
اليمين المتطرف في ألمانيا: وقف المساعدات إلى الفلسطينيين
عقب السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي، دعا حزب “البديل من أجل ألمانيا” اليميني الشعبوي الذي جرى تصنيف أحد فروعه كـ “كيان متطرف”، إلى خفض المساعدات والدعم المالي المقدم إلى الجانب الفلسطيني.
وقدم الحزب مقترحات للبرلمان الألماني تدعو إلى وقف التبرعات المالية الممنوحة إلى وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، لكن هذه المقترحات باءت بالفشل.
بدوره، اتهم الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب المستشار أولاف شولتس الذي ينتمي إلى اليسار الوسط، “البديل” اليميني الشعبوي باستخدام هجوم حماس الإرهابي للتحريض على الإسلاموفوبيا.
الجدير بالذكر أن رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين قد أعلنت زيادة مساعدات الاتحاد الأوروبي إلى سكان غزة ثلاث مرّات إلى 75 مليون يورو فيما وصف مسؤول المساعدات الإنسانية في التكتل الأوروبي، الوضع الإنساني في القطاع بـ “الكارثي”.
فرنسا: التجمع الوطني يعود إلى الواجهة
وفي فرنسا، يقول مراقبون إن مارين لوبان، تسعى منذ سنوات إلى دفع حزبها “التجمع الوطني” اليميني المتطرف إلى مصاف الأحزاب الرئيسية في البلاد في موقف يتناقض مع موقف والدها، جان ماري لوبان، الذي أسس الحزب، وأدين بالتحريض على الكراهية والعنصرية بسبب تصريحاته المعادية للسامية.
وفي تعليقها، تقول الباحثة مارتا لوريمر إن تزايد وتيرة التوترات الداخلية وارتفاع عدد الحوادث المعادية للسامية كان بمثابة فرصة أمام لوبان “للمضي قدما في عملية الإبراء”.
وأضافت أن مشاركة لوبان في المسيرة الباريسية الحاشدة ضد حوادث معاداة السامية جعلها تكتسب احتراما وباتت وكأنها تخاطب ود الناخبين اليهود الفرنسيين، لكن الأمر لم يحقق سوى “نجاحات محدودة”.
الدنمارك: اليمين المتطرف يتشدق بمعارضة الهجرة
وفي الدنمارك، صعد حزب الشعب الدنماركي اليميني المتطرف المناهض للهجرة من خطابه المحرِّض على المهاجرين منذ السابع من أكتوبر / تشرين الأول الماضي.
وفي ذلك، زعم أندرس فيستيسن، القيادي في الحزب وعضو البرلمان الأوروبي، في تغريدة على موقع إكس – تويتر سابقا- وجود ارتباط بين الهجرة ومعاداة السامية، لكن دون ذكر أي دليل يؤكد زعمه.
وفي التاسع من الشهر الجاري، كتب تغريدة جاء فيها: “لم تسفر هجرة المسلمين إلى الدنمارك إلا عن عنف وكراهية لليهود ودعاية إسلاموية ومجتمع منقسم.”
وترد جولي باسكويت، المسؤولة في الشبكة الأوروبية لمناهضة العنصرية، بالقول إن هذه المزاعم عارية عن الصحة وتحمل في طياتها تمييزا.
وتضيف باسكويت أنّ “الحجج التي تزعم أن المسلمين والمهاجرين يمثلون مشكلة في أوروبا لا أساس لها من الصحة على الإطلاق. فالمسلمون والمهاجرون يهاجرون إلى أوروبا لأسباب مختلفة تماما. إنهم يعيشون في أوروبا ويقدمون مساهمات داخل المجتمعات والدوائر الاقتصادية في أوروبا.”
وترى باسكويت مقابلة مع DW أن اليمين المتطرف يستغل التوترات الأخيرة في أوروبا باعتبارها “فرصة للترويج لزعمه أن المسلمين أو الأشخاص من أصل عربي هم أصل المشكلة”.
إيطاليا: حماس أعلنت الحرب على الغرب
وفي إيطاليا، يقول مراقبون إن حزب الرابطة الإيطالي قدم تعهدات بخفض عمليات تدفق المهاجرين فيما أقام الزعيم اليميني المتطرف ماتيو سالفيني علاقات وثيقة مع إسرائيل.
وأثار سالفيني انتقادات العام الماضي بتعهده بنقل سفارة إيطاليا في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس في حالة فوزه بالانتخابات.
وفي هذا الصدد، مضى السياسي في الحزب ماركو زاني وهو أيضا نائب في البرلمان الأوروبي، قدما في التأكيد على دعم الحزب القوي لإسرائيل إذ قال في بيان عقب السابع من أكتوبر / تشرين الأول، إن هجوم حماس يحمل في طياته “إعلانا بأن المتطرفين الإسلاميين قد أعلنوا الحرب على الغرب بأكمله”.
يشار إلى أن الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي يؤكد أن إسرائيل ضمت القدس الشرقية بشكل غير قانوني في عام 1980.
بولندا: انتقادات بسبب بيانات مناهضة لإسرائيل
وفي بولندا، انتقد السفير الإسرائيلي حزب “الكونفدرالية” اليميني المتطرف الذي لجأ إلى موقع أكس – تويتر سابقا – لنشر صورة تظهر لافتة تحمل شعار الحزب مع وضع إسرائيل فيما يبدو في مواجهة المصالح البولندية.
وفي ردها، اعتبرت المفوضية الأوروبية أن مثل هذه الرسائل تحمل في طياتها معاداة للسامية، وقالت: “بعض الروايات المعادية للسامية الأكثر شيوعا تشمل الادعاءات بأن اليهود يسيطرون على الحكومة أو وسائل الإعلام أو البنوك لأغراض خبيثة”.
روزي بيرتشارد – بروكسل / م. ع
ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW