الكومبس – تقارير: أسئلة كثيرة طرحها إعلان زعيم حزب العمال الكردستاني (PKK) عبدالله أوجلان، أمس الخميس، الذي دعا فيه أنصار حزبه المسلح إلى إلقاء السلاح وحل المجموعة المسلحة، المدرجة على لوائح التنظيمات الإرهابية في كل من تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
الكومبس استطلعت آراء بعض الصحفيين السوريين داخل سوريا وخارجها حول هذا التطور. ومدى تأثيره على المسألة الكردية، وعلى المفاوضات بين الحكومة السورية وقوات سوريا الديموقراطية (قسد).
أوسي: إعلان استسلام

دعا زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، حزبه، إلى إلقاء السلاح وحلّ نفسه، في إعلان يمكن اعتباره تاريخياً والذي صدر في إسطنبول بعد 40 عاماً من الصراع ، مؤكدا أنه “يتحمل المسؤولية التاريخية عن هذه الدعوة”.
الكاتب السوري المتخصص بالشؤون الكردية هوشنك أوسي، المولود في مدينة الدرباسية في الحسكة، والمقيم حالياً في اوستند البلجيكية، قال إن تصريح أوجلان أمس كان من المفترض أن يكون مصوراً في فيديو، وقد جرى تصويره بالفعل، وأُرسل إلى قيادة الحزب في أوروبا، وجبال قنديل، “لكن يبدو أن قيادة حزب العمال الكردستاني، حرصت أن يكون التصريح بشكل مكتوب، الأمر الذي قد يخفي اعتراضات من قيادة الحزب على الفيديو المرسل من أوجلان”.
تأسس حزب العمال الكردستاني العام 1978، وأطلق تمرداً مسلحاً ضد أنقرة العام 1984 لإقامة دولة كردية. وخلف هذا الصراع حتى الآن، ما يزيد على 40 ألف قتيل.
هوشنك أوسي اعتبر التصريح “إعلان استسلام لأوجلان، ومطالبه لحزبه ايضاً بالاستسلام، تحت مسميات، ومسوّغات مختلفة ينظّر لها ضمن النص الذي صدر (أمس)، واطلع عليه الرأي العام عبر مؤتمر صحفي عقد في اسطنبول”.
وكانت قيادة الحزب العمالي الكردستاني ذكرت في تصريحات سابقة أن “مسألة نزع السلاح ليست هينة وبسيطة، إنما ينبغي أن يكون هناك خارطة طريق واصلاحات من الجانب الآخر (التركي)”.
فيما تساءل أوسي “كيف يمكن لآلاف المقاتلين الأكراد أن يلقوا أسلحتهم، وأين يلقوا أسلحتهم، وكيف سيصار إلى تسوية ملفاتهم داخل تركيا”، معتبراً أنه يجب أن يكون هناك تنازلات من الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني، حتى يصار إلى نزع السلاح وحلّ الحزب الذي كان له تصريحات سابقة بهذا الشأن كردّ استباقي على إعلان أوجلان أمس”.
وكان قائد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) مظلوم عبدي رحّب بدعوة أوجلان، وأكد أن قواته غير معنية بهذه الدعوة. ورأى أن “الموضوع يتعلق بحزب العمال الكردستاني (..) ولا يتعلق بقواتنا في شمال شرق سوريا”.
وقال هوشنك أوسي إن “انعكاس الدعوة ستكون واضحة على موقف “قسد”، وفي تقديري هذا الإعلان سيعزز الجناح السوري داخل “قسد”، وسيضعف، إلى حد ما جبال قنديل أو جناح جميل باييك، داخل قسد، لكن هذا لا يعني أن قسد ستبدي مرونة كبيرة وستسلم سلاحها لوزارة الدفاع السورية”، بل بالعكس سيصار إلى فصل قرار “قسد” عن حزب العمال الكردستاني، وهذا ما يريده التحالف الدولي وتريده فرنسا والولايات المتحدة، وهو التحالف الذي تشكل لمكافحة تنظيم داعش الإرهابي، وبالتالي فإن أي ضعف أو أي تراجع لقبضة جبال قنديل على قسد، سيكون في مصلحة الأميركيين، والفرنسيين، وسيكون في آخر المطاف في مصلحة التيار السوري، داخل قسد والذي يمثله مظلوم عبدي”.
جرادات: تخرج الأكراد من دائرة التوظيف

الكاتب الفلسطيني والباحث في علم الاجتماع السياسي موسى جرادات المقيم في إسطنبول اعتبر أن إعلان أوجلان متوقع منذ أشهر، مشيراً إلى أن الحديث اليوم يدور حول كيف سيكون تأثير الإعلان على كثير من التيارات داخل حزب العمال الكردستاني، باعتبار أوجلان مغيّب في السجن منذ ربع قرن، وجرت تحولات كثيرة في حزبه، وهناك ارتباطات، ومصالح متشعبة.
وقال جرادات إن “الدعوة بحد ذاتها تاريخية وسيكون لها تأثيراتها في الداخل التركي، على صعيد رسم علاقة جديدة بين طرفي الصراع، مبنية وفق أسس وقواعد، يُحترم فيها النظام السياسي القائم”.
كما أن الدعوة، وفق جرادات، تخرج الأكراد من دائرة التوظيف الإقليمي والدولي، وتعيد الاعتبار إلى مشكلتهم باعتبارها مشكلة محلية، يمكن حلها سلمياً.
وأضاف جرادات “من المبكر الحديث عن أثر هذه الدعوة سواء على الصعيد الداخلي، والإقليمي، لكنها بداية مختلفة قد تساعد على مأسسة العمل الكردي وفق قواعد جديدة”.
واعتبر جرادات “أن هناك اعتباراً شخصياً لصاحب هذه الدعوة، فهو يفتح كوّة نور في جدار حريته، بعد أن استنفد سني حكمه الطويلة في السجن. ومن الصعب أن يلعب هو شخصياً دوراً مستقبلياً، بعد أن تجاوز من العمر 75 عاماً”. ورأى جرادات أن الدعوة التي أطلقها أوجلان لها مساران، “أولهما شخصي ينفك فيه من الإرث التاريخي، والرمزي لشخصه. والثاني مرتبط بتقنين الزعامة داخل تركيا. أما على الصعيد التركي الرسمي فإن هذه الدعوة، تمثل إحدى نقاط الارتكاز، في السياسة التركية الداخلية، والإقليمية. فإذا كان الأصل قد دعى إلى نزع السلاح فكيف بالحالة السورية الكردية، التي سارع فيها مظلوم عبدي إلى تحييد نفسه وجماعته”.
غير أن هذا التحييد برأي جرادات “سيعطي الشرعية للجانب التركي للانقضاض على قسد”، مضيفاً “بالمنطق السياسي، يعتبر رفضُ الدعوة مأزق حقيقي، لرافض الدعوة، وليس للداعي”.
وكانت وكالة بلومبيرغ كشفت أن موقف أوجلان يتزامن مع محادثات تركية أمريكية حول سوريا.
شيروان ابراهيم: مظلوم عبدي سيزور كردستان

الكاتب والباحث الكردي المقيم في ألمانيا شيروان ابراهيم اعتبر دعوة أوجلان “رسالة تاريخية، أو بداية لمرحلة جديدة في تاريخ المنطقة فيما يخص عملية السلام”.
وقال إبراهيم “لأول مرة يدعو أوجلان إلى ترك السلاح بعد أكثر من أربعة عقود من الحرب لذلك تعتبر الخطوة تاريخية بالنسبة إلى المنطقة، في خطوة قد توقف الحرب التي كان لها تأثيراتها على دول المنطقة عموماً”.
واعتبر إبراهيم أن “الكرة اليوم في ملعب الدولة التركية فأوجلان لم يتحدث عن شروط، أو مطالب باتت أصلاً معروفة، وهي إجراء تغييرات دستورية بما يتناسب مع الأعراف والمواثيق الدولية فيمايخص الكرد في تركيا”.
وعن الوضع السوري، قال شيروان إبراهيم “هذا الموضوع سيكون له تبعات وانعكاسات مباشرة على الشأن السوري وخصوصاً ما يخص ملف قوات سوريا الديموقراطية، لأن تركيا حينما تحارب قسد تستخدم حجة أنها تابعة لحزب العمال الكردستاني، وعندما ستجري صلحاً مع الرأس الأكبر أي حزب العمال، وتتعامل معه بطريقة معينة فهذا يعني أن الحجج انتهت، لكن من الناحية السياسية والعسكرية، حسب المعلومات الواردة، يبدو أن تركيا تتعامل مع كل هذه المواضيع كسلة واحدة، وكملفات غير منفصلة”.
ولفت ابراهيم إلى أن “هناك ثلاث جلسات حصلت بين قسد والسلطة في دمشق، وكان هناك منذ الجلسة الأولى، توافقات بين الطرفين، لكن كانت تركيا تتحفظ على شكل الاتفاق، فكانت حكومة دمشق تضطر إلى التصعيد ورفع سقف المطالب، وتخفيف بعض مطالب قسد”.
وذكر إبراهيم نقلاً عن مصادر لم يسمها أن الجلسة الثالثة التي جرت قبل أيام شهدت “توافقاً بما يرضي تركيا، وهو عدم انضمام قسد كتلة واحدة إلى الجيش السوري الجديد”، متوقعاً “أن المسألة ستخطو خطوات مهمة في اتجاه السلام لأن جميع الدول المعنية تريد فرض السلام الذي يدعم مصالحها”.
كما نقل شيروان إبراهيم عن مصادر أن “مظلوم عبدي سيجري زيارة ثانية لكردستان العراق، للقاء الزعيم الكردي مسعود بارزاني الذي يلعب دوراً في الوساطة بين حزب العمال الكردستاني وتركيا، وبين قسد وتركيا”. وأضاف “إن صحت الأنباء فسيكون لهذه الزيارة ارتباط وثيق ومباشر بدعوة أوجلان لنزع السلاح”. ولم يؤكد مصدر آخر المعلومة.
واعتبر إبراهيم أن “الدولة العميقة في تركيا الممثلة بواجهتها دولت باخشالي وحزب الحركة القومية، هي من تريد عملية السلام الآن، بعد أن كان الامر معكوساً في العقود الماضية، حين أراد الرئيس التركي تورغوت أوزال صنع السلام في بداية التسعينات، لكن الدولة العميقة رفضت. في حين بات الوضع مختلفاً اليوم، فالدولة العميقة هي التي تريد فرض عملية السلام لأنها استعادت علاقاتها الجيدةمع الغرب والولايات المتحدة”.
البابا: قرار حكيم وتاريخي
الكاتب الصحفي القريب من الإدارة الجديدة في سوريا نور الدين البابا اعتبر إعلان أوجلان “قرار حكيم وتاريخي، خصوصاً أنه أتى بعد اعتراف الحكومتين التركية والسورية، بالحقوق السياسيةوالثقافية للمكون الكردي في البلدين، وبالتالي لم يعد هناك ذريعة لمن يريد حمل السلاح”.
ورأى البابا أن “الإعلان سيقوي بالطبع موقف الحكومة السورية، والقائمين على تعزيز مبدأ المواطنة، وانصاف كل المكونات السورية بما فيها المكون الكردي، بالمقابل فهو يضعف موقف الدعاة إلى حمل السلاح، والمثابرة بالمظلومية الكردية”.
ومع اختلاف التحليلات حول دعوة أوجلان فإن الأسئلة ما زالت مثارة، هل ستلقى دعوة أوجلان آذاناً لدى أعضاء حزب العمال الكردستاني لإلقاء السلاح؟ وهل تُنهي الدعوة عقوداً من الصراع المسلح أم أن المسألة الكردية ستشهد فصولاً دموية جديدة؟
أنيس المهنا
دمشق