الكومبس – خاص: على مدار سبعين عامًا، ومنذ أن تم اعتمادها إداريًا كمحافظة، ظلت الرقة تُصنَّف على أنها محافظة نامية. لكن أبناءها يرون أن الوصف الأدق هو أنها محافظة مهمشة مقارنة بغيرها من المحافظات السورية. وداخل هذه المحافظة، هناك مناطق تعاني من تهميش مضاعف، حيث تفتقر إلى الخدمات الأساسية، وتواجه صعوبات كبيرة في سبل العيش، كما أنها مهملة تعليميًا، ولم تصل إليها حتى المنظمات الإنسانية التي نشطت في المنطقة بعد تحريرها من تنظيم “داعش”.

الكومبس وصلت إلى واحدة من هذه المناطق المعزولة، لتكشف قصة غريبة لم تحظَ بتغطية إعلامية من قبل، حيث تسلط الضوء على خطر داهم يهدد حياة نحو ثلاثة آلاف نسمة من سكان القرية.

بداية الحكاية… حفرة غامضة تظهر فجأة

استيقظ المزارع عبد الله في صباح أحد الأيام، وجهّز مؤونته كما اعتاد عند توجهه إلى حراثة أرضه. لكن ما لم يكن في الحسبان، هو الصدمة التي تلقاها حين وجد حفرة مخيفة ظهرت فجأة وسط أرضه الزراعية، التي يعتمد عليها في كسب رزقه اليومي.

لم تكن حفرة عادية كتلك التي تظهر أحيانًا بسبب زيادة مياه الري، بل كانت أعمق وأخطر بكثير. فوهتها تجاوزت أربعة أمتار، لكنها لم تكن نهاية الحفرة، إذ لم يستطع أحد رؤية قاعها، ما أثار حيرته وقلقه.

يقيم عبد الله في قرية “يثرب أبو جدي”، إحدى القرى النائية في ريف الرقة الغربي. لكن ما قصة هذه الحفرة؟ ولماذا أطلق عليها السكان اسم “حفرة الموت”؟

محاولات لردم الحفرة… وفشل ذريع

بعد اكتشاف الحفرة، سارع عبد الله إلى إبلاغ مخفر الشرطة، ومن ثم تقدم بطلب إلى محافظة الرقة، التي أصدرت توجيهًا لمديرية الخدمات الفنية بضرورة ردمها.

يستذكر عبد الله تفاصيل ما حدث قائلًا: “جاءت ورشة آليات وبدأت بإلقاء كميات ضخمة من الصخور الكبيرة والحصى والأتربة داخلها، لكن دون جدوى. لم يتغير شيء، وكأن الأرض كانت تبتلع كل شيء يُرمى فيها”.

ومع فشل محاولات الردم، اكتفت الجهات المسؤولة بوضع سياج من الأسلاك الشائكة حول الحفرة وتركها على حالها.

اهتمام علمي متأخر… ولكن دون حلول

وصلت أخبار هذه الحفرة إلى دمشق، وبعد مراسلات رسمية، تم إرسال فريق جيولوجي لدراستها. لكن الفريق لم يتمكن من النزول إلى داخل الحفرة، إذ كانت الأرض المحيطة بها تنهار بسرعة وتبتلع أي شيء يقترب منها.

يقول أحد أبناء القرية الذين رافقوا الفريق الجيولوجي “بعدما تعذّر النزول إليها، بدأ الفريق بدراسة تأثير الحفرة على بيوت القرية القريبة، التي لا تبعد سوى مئات الأمتار عنها. وتوصلوا إلى أن الأرض تحت القرية مليئة بالتكهفات، بعضها يقع على عمق 12 مترًا فقط من السطح”.

وأوصت الدراسة بضرورة انتقال بعض العائلات إلى أماكن أكثر أمانًا وبناء منازل جديدة. لكن اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011 أدى إلى تراجع الاهتمام بهذه المشكلة، ولم تُتخذ أي إجراءات لحلها.

الحفرة تتوسع… وأصوات قوية وغامضة

مع مرور الوقت، تفاقمت خطورة الحفرة، حيث يؤكد السكان المحليون أنها تواصل الاتساع يومًا بعد يوم. في البداية، كانت فوهتها بعرض 10 أمتار، لكنها الآن تجاوزت 30 مترًا.

ما يزيد من خطورتها، هو وقوعها بالقرب من وادٍ سيلي، حيث تتدفق كميات كبيرة من المياه إلى داخلها خلال فصل الشتاء، مما يسرّع من عملية الانهيار.

كما أفاد سكان بسماع أصوات قوية تصدر من داخل الحفرة بين الحين والآخر، ويرجعون ذلك إلى الفراغات الجوفية واحتباس الهواء داخلها. غير أن لدى كبار السن في القرية تفسير آخر لما يحدث.

ويعتقد هؤلاء أن هذه الحفرة كانت قديمًا “مسكنًا للجن والعفاريت”، ويروون قصصًا عن رعاة أغنام واجهوا مشكلات غامضة في المنطقة. ويستدلون على صحة مزاعمهم بانبعاث أبخرة منها خلال بعض الليالي، وسماع أصوات غريبة في أوقات متفرقة.

هل استُخدمت الحفرة لإخفاء جثث خلال الحرب؟

مع احتدام المعارك بين قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم “داعش”، اضطر سكان القرية إلى النزوح منها لفترة، وانتقلوا إلى العيش في خيام تبعد عدة كيلومترات عن قريتهم.

لكن خلال هذه الفترة، لاحظوا أمرًا غريبًا: سيارات كانت تأتي ليلاً إلى موقع الحفرة، وتقف هناك لفترات طويلة. يعتقد بعضهم أن هذه الحفرة ربما استُخدمت لإخفاء جثث القتلى، حيث ظلت الطيور الجارحة تحوم حولها لأسابيع بعد انتهاء المعارك.

الفقر يمنع السكان من المغادرة

رغم إدراك السكان لخطر الحفرة، فإنهم لا يستطيعون مغادرة قريتهم. فالحرب أنهكتهم، وتدهور الزراعة – التي تُعد مصدر رزقهم الأساسي – زاد من معاناتهم، مما جعل خيار بناء منازل جديدة مستحيلًا بالنسبة لهم.

يأمل سكان القرية أن تلتفت إليهم المنظمات الدولية، وتدرس أوضاعهم، وتساعدهم على إيجاد حلول حقيقية، سواء عبر معالجة الحفرة أو توفير سكن آمن لهم بعيدًا عن هذا الخطر المتزايد.

الحفر الانهدامية (Sinkholes): ظاهرة مخيفة تبتلع الأرض

الحفرة الانهدامية هي فجوة أو حفرة تتشكل فجأة في سطح الأرض نتيجة لانهيار التربة أو الصخور الموجودة تحتها. وتحدث هذه الظاهرة عندما تذوب الصخور القابلة للذوبان مثل الحجر الجيري أو الجبس أو الدولوميت بفعل المياه الجوفية، مما يؤدي إلى تشكيل تجاويف تحت الأرض تنهار لاحقًا بسبب الضغط أو ضعف التربة العلوية.

وهناك نوعان رئيسيان من الحفر الانهدامية، هما الحفر الانهدامية التدريجية التي تتشكل ببطء على مدى سنوات، حيث تذوب الصخور تحت الأرض تدريجيًا بفعل المياه الجوفية، مما يؤدي إلى تشكل فراغات. مع مرور الوقت، تصبح التربة فوق هذه الفراغات ضعيفة وغير قادرة على تحمل وزن السطح، فتنهار بشكل جزئي

أما النوع الثاني وهو الحفر الانهدامية المفاجئة، فتظهر فجأة دون سابق إنذار، وعادة ما تكون أكثر خطورة. وتحدث هذه الحفر عندما يكون هناك فراغ كبير تحت سطح الأرض ينهار فجأة، مما يؤدي إلى انهيار سريع قد يتسبب في خسائر بشرية ومادية كبيرة.