عناية وابتسامة.. يوم في حياة ممرضة عناية مركزة في زمن كورونا

: 4/3/21, 7:17 AM
Updated: 4/3/21, 8:04 PM

على الخطوط الأمامية في مجابهة وباء كورونا تقف الطواقم الطبية من أطباء وممرضين ومسعفين وغيرهم. DW رافقت إحدى ممرضات العناية المركزة في مشفى ألماني من الصباح الباكر حتى نهاية دوامها.السادسة إلا ربع: المنبه يرن. في زمن كورونا لم تعد تنام بشكل جيد، تقول أندريا كراوتكرامر (54 عاماً). وجهنها هي قسم العناية المركزة في الطابق الثاني من مشفى مارينهوف في مدينة كوبلنز الألمانية.

منذ أكثر من 30 عاماً تعمل أندريا كممرضة في قسم العناية المشددة، ومنذ مدة بدوام جزئي. تقول السيدة إن ذلك يعود للمجهود الجسماني والنفسي الكبيرين في زمن الجائحة، بيد أنها تشدد على أنها “تحب عملها”. في غرفة تبديل الملابس ترتدي لباس العناية المشددة الأزرق اللون.

ليلة عصيبة

السادسة تماماً: في غرف العناية ومن خلف ألواح زجاجية يرى المرء مرضى ممدين على أسرتهم. 11 من 12 سرير عناية مركزة مشغولة. من بين المرضى 3 مصابين بكوفيد-19.

تتذكر أندريا وقت عيد الميلاد عندما كان الضغط على أشده. في آذار/ مارس 2021 خف الضغط، بيد أن مرضى مصابين بأزمات قلبية أو سكتات دماغية يشغلون الأسرة. ويعود ذلك لعودة روتين العمل إلى طبيعته بعض الشيء في إجراء العمليات، يقول كورت زيمون، الذي يشرف على قسمي عناية مشددة في المشفى.

كانت ليلة عصيبة. مصابون بكورونا على أجهزة التنفس وآخر في غرفة العزل. تأخذ أندريا مهمة قيادة نوبة الصباح. وقبل مباشرة عملها يُجرى لها اختبار كورونا السريع. وقد تلقى كل العاملين لقاح كورونا.

تمام السابعة: تعتني أندريا ومتدربة بهانس فنك (اسم مستعار). لقد بترت قدمه. ممرضة العناية المشددة تفحص الجروح وتقلل كمية الدواء وتسأل المريض عن حاله. وفي نفس الوقت تعلم المتدربة عما يجب فعله.

ليس بالدواء وحده يشفى المريض!

السابعة والنصف: ترتدي أندريا غطاء الرأس ومعطفا واقيا وقفازين وكمامة طبية. وجهتها سرير أحد مرضى كوفيد-19. ستمر عليه اليوم أربع مرات وفي كل مرة يتعين عليها ارتداء وخلع الملابس الخاصة بمرضى كورونا. المريض مارتن فيبر (اسم مستعار) في بداية الخمسينات من عمره وهو مصاب بسرطان الدم (اللوكيميا). تقول أندريا إنه هنا منذ ثلاثة أيام وإن والدته توفيت في كانون الثاني/ يناير بكوفيد-19 في السرير المجاور. تدفق الهواء من أجهزة التنفس يسُمع في أرجاء المكان.

تحيَ أندريا المريض بتحية الصباح وتسأله عن حاله. تنزع أسلاك جهاز تخطيط القلب من ظهره وعينها دائماً على شاشة المراقبة. تمسح جسمه بلطف بشاش خاص وتبدل أغطية السرير. تعطيه الدواء وترتب الأنابيب والأسلاك الكثيرة. وخلال فعلها كل ما سبق تتحدث معه عن صديقته التي سيتزوجها أخيراً وعن قطته التي يحب وضعها على حجره “عندما أخرج من هنا إلى البيت”. تنزع أندريا جهاز التنفس من على فم المريض ليتمكن من تناول طعام الإفطار وتضع في أنفه سلكا ليتمكن من التنفس عبره أثناء ذلك. تتصل صديقة المرض للسؤال عن حاله. “يمكنك الاتصال بأي وقت. الأقارب مهمون لمريض كورونا. المريض يفتقدهم”، تقول أندريا.

استنفار دائم وحالات وفاة

يتعين على الممرضين توثيق كل شاردة وواردة لسلامة المريض ولضمان تحصيل تكاليف العلاج من التأمين الصحي. أجهزة الإنذار في قسم العناية المشددة لا تتوقف عن الدق. إن الأمر قريب من كونه أعجوبة فيما يخص قدرة الطاقم الطبي على العناية بكل المرضى. “الضغط كبير جداً. ولكن يعود الفضل لفريق العمل الرائع في عمل ما يجب القيام به”، تقول أندريا.

التاسعة والثلث: “لدينا حالة وفاة. أوقفنا العلاج. ودخل قريبان للمتوفى إلى غرفته”. تقول أندريا مؤكدة على أن تقبل حصول حالات وفاة جزء من طبيعة العمل في قسم العناية المشددة.

تمام العاشرة: الأطباء وطاقم التمريض حول سرير مصاب بكورونا. حالته حرجة. يُدخل أنبوب تغذية في بطنه. ومن خلال القصبة الهوائية يدخل له أنبوب للتنفس.

غضب من منكري كورونا

بعد يومين يلقى المريض حتفه. تبدي الممرضة غضبها من منكري كورونا ومن الذين يقللون من خطورة المرض.

العاشرة والربع: تجلب أندريا لمارتن فيبر أدوية جديدة وتعمل له تحليلاً للدم. مستوى سكر الدم مرتفع. تحقنه بالأنسولين. ترجع للطبيب لأن وضع تنفسه سيء.

الحادية عشر والنصف: يفتح باب غرفة المتوفى بكورونا. يغادر الأقارب حاملين حقيبة المتوفى.

الثانية عشر والثلث: إنه وقت وجبة الغداء وتناول الدواء. تساعد اندريا مارتن فيبر من جديد. يريها صور قطته على هاتفه المحمول. تبتسم له وتمازحه وتحدثه عن حيواناتها الأليفة. يبدو مارتن مرتاحاً قبل أن تعاوده نوبة سعال.

الواحدة والربع: وصلت نوبة بعد الظهر. تقدم أندريا شرحاً موجزاً ومكثفاً عن كل مريض لزميلاتها وزملائها في نوبة بعد الظهر. وتوقفت لفترة طويلة أمام غرفة مارتن مع زميلتها تحدثها عن وضعه الصحي وحالته النفسية.

بعد عملية إنعاش يموت مريض آخر في هذا الأسبوع، تقول أندريا على الهاتف بعد أيام من اللقاء. ثلاثة موتى في الأسبوع ليس أمراً نادر الحدوث، “وفي حال سوء الحظ يموت ثلاثة في يوم واحد”.

وصلت قوى الطاقم الطبي لحدها الأقصى: “العناية بالمرضى المصابين بأمراض خطيرة أمر صعب. يتطلب ذلك الكثير من الجهد وأخذ الحذر من العدوى والكثير من الأمور التي يجب مراعاتها. كل ذلك يستنزف قوى الطاقم الطبي”، تقول أندريا.

حفلة زفاف

نصح الأطباء مارتن فيبر ألا يتمهل أكثر في عقد قرانه. حضر موظف عقود الزواج للمشفى. أحضر رجل الدين المسؤول عن الرعاية الروحية، القسيس مارتن زاوربير في المشفى، زهوراً حمراء اللون. وجلب فريق التمريض الشمبانيا. زوج إحدى الزميلات تتكفل بأمر الزينة. عندما قالت صديقة مارتن “نعم”، موافقة على الزواج به، انهمرت الدموع من العيون، حسب ما قال القسيس مارتن زاوربير لـ DW، مشيراً إلى أن وضعه تحسن بعد ذلك. ولكن لم تمض إلا فترة قليلة حتى ساءت حالته وأصبح بحاجة لغسيل كلى وتنبيب.

بعدها بأسبوع توفي مارتن فيبر. كان من المفترض أن يتم دفن الأم المتوفاة عندما يخرج مارتن من المشفى. وبعد وفاة الابن رجت العائلة مسؤول الرعاية الروحية القسيس مارتن زاوربير أن تجري مراسم الدفن للأم والابن معاً.

أندريا غروناو/خ.س

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.