لماذا تخشى روسيا من توسع الناتو شرقاً؟

: 2/25/22, 7:45 AM
Updated: 3/4/22, 2:48 PM
قادة دول انضمت إلى الناتو عام 2004، يمثلون لاتفيا، سلوفينا، ليتوانيا، سلوفاكيا، رومانيا، بلغاريا، استونيا في البيت الأبيض.
قادة دول انضمت إلى الناتو عام 2004، يمثلون لاتفيا، سلوفينا، ليتوانيا، سلوفاكيا، رومانيا، بلغاريا، استونيا في البيت الأبيض.

الكومبس – تقارير: بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ومعه حلف وارسو، بدأ توسع حلف الناتو شرقاً في إثارة حفيظة روسيا وريثة السوفييت، التي تؤكد أن وعداً قطع بعدم التوسع شرقاً. سردية يرفضها الناتو بينما يستشهد بها بوتين حتى في حربه على أوكرانيا.

أُسس حلف شمالي الأطلسي (الناتو) العام 1949 لمواجهة توسع الإمبراطورية السوفيتية، ومنذ انهيار الاتحاد السوفيتي العام 1991 دار النقاش حول مستقبل دور الناتو. في ذلك الوقت حث كثير من خبراء السياسة الخارجية قادة الغرب المنتصر على إنشاء إطار أمني جديد لإعادة تعريف العلاقات مع روسيا التي ظهرت على أنقاض الاتحاد السوفيتي.

يقول دان بليش أستاذ الدبلوماسية في جامعة SOAS في لندن إن “الغرب كان يمتلك كل الأوراق عام 1990- 1991″، ويضيف “تمكن الاتحاد السوفيتي من إنهاء إمبراطوريته بشكل سلمي (نسبياً). في شكل غير مسبوق ولم يحصلوا (قادة الاتحاد السوفيتي) على اعتراف بذلك”.

زوال الاتحاد السوفيتي أدى إلى سلسلة من لقاءات واجتماعات بين مسؤولين من الاتحاد السوفيتي ومن ثم روسيا والغرب، لكننا “لم نقدم عرضاً إلى الروس لضمهم إلينا”، حسب بليش.

مطرقة من دون مسامير

ووسط عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في روسيا خلال التسعينيات، كانت معارضة التحالف الغربي واحدة من القضايا القليلة التي وحدت الطيف السياسي المنقسم في روسيا، وفقاً لوثائق رفعت عنها السرية يحتفظ بها أرشيف الأمن القومي في جامعة جورج واشنطن.

الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين وهو أول رئيس لروسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي قال في مؤتمر صحفي أجراه مع الرئيس الأمريكي الأسبق بل كلينتون في هيلسنكي “نعتقد أن توسع الناتو شرقاً هو خطأ فادح”.

في الواقع، تبين الوثائق نوعاً من الوعود قطعها المفاوضون الأميريكيون لنظرائهم الروس، إضافة إلى مناقشات السياسة الداخلية التي تعارض توسع الناتو في أوروبا الشرقية.

“في الوضع الحالي، ليس من مصلحة الناتو أو الولايات المتحدة منح دول (أوروبا الشرقية) العضوية الكاملة في الناتو وضماناتها الأمنية” وفق مذكرة وزارة الخارجية في العام 1990 ، بينما كانت تلك الدول لا تزال في طور الخروج من السيطرة السوفيتية مع تفكك حلف وارسو. “(نحن) لا نرغب، بأي حال من الأحوال، في تشكيل تحالف مناهض للسوفييت تكون حدوده الحدود السوفيتية. سينظر السوفييت إلى مثل هذا التحالف بشكل سلبي للغاية”.

ما بعد الاتحاد السوفييتي

لم تصبح أي من المناقشات هذه سياسة رسمية، ولم تتحول أي من التعهدات المزعومة إلى وثيقة ملزمة قانوناً مع روسيا. علاوة على حدوثها، في سياق تاريخي معاصر محدد: كان جدار برلين قد سقط للتو في العام 1989.

بالخصوص شهدت دول البلطيق الثلاث، ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا على وجه الخصوص – والتي كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي من الأربعينيات إلى 1991 – دافعاً متزايداً لتقرير المصير السياسي وإعادة توجيه الهيكل الأمني للمنطقة. كما أشارت الدول الثلاث إلى إعلان الأمم المتحدة بشأن عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، والذي يشير إلى “الاستقلال السياسي داخليا وخارجيا”.

سياسة الباب المفتوح مع روسيا

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي تم حل حلف وارسو في 1991، الذي كان يضم الكتلة الشرقية بقيادة السوفييت. وسعى حينها الرئيس الأمريكي بيل كلينتون إلى مفهوم الشراكة من أجل السلام، التي انضمت لها روسيا العام 1994. رغم ذلك، كان هناك خلاف حول فهم إن كانت هذه الشراكة بديلاً للعضوية في حلف الناتو أو في طريقا للعضوية.

في عام 1997 وقع الناتو وروسيا “الوثيقة التأسيسية” بخصوص العلاقات المتبادلة والتعاون والأمن، وتم تأسيس مجلس الناتو وروسيا في عام 2002، وكلاهما يهدفان إلى تعزيز التعاون. حصلت موسكو على دخول ووجود دائم في مقر الناتو في بروكسل. لكن هذا التبادل توقف إلى حد كبير منذ هجوم روسيا على أوكرانيا في 2014.

طيلة الوقت حافظ الناتو على سياسة “الباب المفتوح” بشأن العضوية ووقف إلى جانب حق جميع البلدان في اختيار تحالفاتها. من المنظور الغربي كان إبقاء الناتو على حدود الحرب الباردة سارياً فقط طالما بقيت القوات السوفيتية في أوروبا الشرقية.

وفي مفاوضات “اثنين + أربعة” من أجل إعادة توحيد ألمانيا في العام 1990 ، اتفقت الدولتان الألمانيتان (ألمانيا الاتحادية وألمانيا الشرقية) وأربعة حلفاء منتصرون في الحرب العالمية الثانية – الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي – على عدم وجود جنود من الناتو في منطقة جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وهذا ما تم الحفاظ عليه فعلياً حتى يومنا هذا، إذ يتواجد فيها الجيش الألماني فقط.

حساسية روسيا من توسع الناتو شرقاً كانت معروفة جيداً بالنسبة للغرب. الدبلوماسي الأمريكي جيمس كولينز كتب في عام 1993 في برقية لوزارة الخارجية: “بغض النظر عن كيفية فهمه، إذا تبنى الناتو سياسة تتصور التوسع في أوروبا الوسطى والشرقية دون فتح الباب لروسيا، فستفسر موسكو ذلك على أنه موجه ضد روسيا”.

ومنذ العام 1990 مر الناتو بخمس مراحل من التوسع، ليشمل الأجزاء السابقة من الاتحاد السوفيتي والعديد من دول حلف وارسو السابقة.

يتحدث المفهوم الاستراتيجي للناتو في العام 2010، والذي يحكم سياسة الحلف عن أن “الناتو لا يشكل تهديداً لروسيا” ويدعو إلى “شراكة استراتيجية حقيقية” بين الجانبين. وصدرت الوثيقة بعد عامين من التدخل العسكري الروسي في جورجيا ولكن قبل هجومها الأول على أوكرانيا. ويستند إلى العديد من ترتيبات ما بعد الحرب الباردة التي يبدو أن بوتين يريد الآن التخلي عنها.

ففي 2008 طرح الناتو إمكانية انضمام جورجيا، وفي 2014 التعاون المكثف مع أوكرانيا. وفي ذات الوقت تلاشت تدريجياً العديد من الإجراءات الأمنية التي كانت موجوده أثناء الحرب الباردة، مثل التحقق من الحد من الأسلحة وخطوط الاتصال.

سوء تقدير لنوايا الكرملين

في العام 1999 شن حلف الناتو حملة قصف جوي على صربيا أثناء حرب كوسوفو، صربيا كانت حليفة لروسيا وبعد فترة قصيرة انتُخب فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا. بوتين مازال يستشهد حتى في سياق الأزمة الحالية بعملية الناتو تلك كدليل على عدوان الناتو. حتى أن هذه الحجة تلعب دوراً في توجيهه القوات الروسية إلى شرق أوكرانيا.

“إذا انضمت أوكرانيا إلى الناتو، فسيكون ذلك بمثابة تهديد مباشر لأمن روسيا”، قال ذلك بوتين في تصريح يوم الاثنين الماضي وصف خلاله أوكرانيا “كنقطة انطلاق” للناتو لضرب روسيا.

الناتو رفض شكوك بوتين بأن روسيا يتم تطويقها، خصوصاً بسبب المساحة الهائلة التي تشكلها روسيا والتي تبلغ إلى المحيط الهادئ. ورغم أن الجزء الأكبر من الروس يعيشون في الجزء الأوروبي من روسيا.

جي دي بندناغيل نائب السفير السابق للولايات المتحدة في ألمانيا قال لـDW ، إن خطأ الناتو الفعلي لم يكن التوسع بقدر ما كان عدم أخذ وجهة النظر الروسية على محمل الجد بأن روسيا تعرضت للخداع. وأضاف “لم نتعامل مع هذه المخاوف أبداً، اعتقدنا دائماً أن هذه سردية سخيفة. ولذا كنا نقول، لا، لم يحدث هذا”.

فرانك هوفمان

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية وDW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.