سويديون في لبنان: سلامتنا ليست أهم من سلامة أهلنا
الكومبس – بيروت: فيما تتصاعد التوترات على الحدود اللبنانية وسط مخاوف من حرب شاملة، يبدو الوضع داخل لبنان طبيعياً. وتعيش بيروت والمناطق الأخرى موسم صيف سياحياً لم تشهده البلاد منذ سنوات، مع عودة عشرات آلاف المغتربين، وبينهم سويديون، رغم التعليمات المتكررة بعدم السفر إلى لبنان. ويقول سويديون موجودون في لبنان حالياً إنهم يقدرون حرص السويد على أمن وسلامة مواطنيها، لكنهم في الوقت نفسه لا يعتبرون سلامتهم الشخصية أهم من سلامة أهلهم في لبنان.
يعيش لبنان منذ انطلاق الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر الماضي إثر هجوم حركة حماس على إسرائيل هجمات يومية عند حدوده الجنوبية أوقعت عشرات القتلى وأدت إلى دمار واسع في المناطق الحدودية ونزوح عشرات الآلاف. وارتفعت وتيرة الهجمات المتبادلة أحياناً، لكن بقيت محصورة ضمن ما يعرف بـ”قواعد الاشتباك” التي خطتها سنوات الصراع الطويلة بين حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي.
وتوالت خلال الأسابيع الأخيرة تهديدات عالية النبرة من الجانب الإسرائيلي بشنّ هجوم واسع على الجنوب اللبناني بعدما عجزت الوساطة الأمريكية عن التوصل إلى اتفاق سياسي يبعد مقاتلي حزب الله عن الحدود، كما تريد إسرائيل، ويؤمن عودة عشرات آلاف الإسرائيليين النازحين إلى مساكنهم.
ولبنان الذي يبدو من بعيد ساحة معارك يومية ومهدد بين لحظة وأخرى بحرب مدمرة قد تحوله إلى غزة أخرى كما توعد مسؤولون إسرائيليون، يشهد حالة مختلفة تماماً بعيداً عن حدوده الجنوبية. وتعيش بيروت والمناطق الأخرى موسم صيف سياحي لم تشهده البلاد منذ سنوات، مع عودة عشرات آلاف المغتربين، وبينهم سويديون، على الرغم من التوصيات المتكررة بعد السفر إلى لبنان.
وبينما كان وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يتحدث عن تحضيرات لحرب في لبنان، كان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي يطلق حملة سياحية صيفية من واجهة بيروت البحرية ويدعو السياح العرب والأجانب لزيارة بلاده، متوقعاً التوصل إلى حل قريب للوضع في الجنوب.
ويقول كثيرون في لبنان إن هذا التناقض ليس غريباً. فلبنان شهد منذ نشأته قبل نحو 100 عام، حروباً وأزمات وانهيارات عايشتها أجياله كافة، ولعل هذا “التكيف” مع الأزمات أحد أبرز الأسباب التي دفعت عشرات الآلاف إلى زيارته رغم التحذيرات الشديدة والمتكررة.
الكومبس تواصلت مع عدد ممن قدموا إلى لبنان مخالفين تعليمات الحكومة السويدية وغيرها من الحكومات، وسألتهم عن سبب قدومهم وعن رؤيتهم للواقع اللبناني عن قرب.
زيارة الأهل السبب الأول
جميع من تحدثوا للكومبس في بيروت أشاروا إلى زيارة عائلاتهم كسبب أول لعودتهم إلى لبنان حالياً.
عماد، سويدي لبناني، حجز تذكرة السفر إلى لبنان بداية العام، بعد غياب استمر عدة سنوات، ولم يتوقع حينها أن تستمر الاشتباكات لأشهر. وقال إنه فكر مراراً بإلغاء الرحلة لا سيما بعد قرار شركة الطيران الاسكندنافي SAS بوقف رحلاتها إلى بيروت، غير أن فرح الأهل بزيارته وتحضيراتهم لها وإصرارهم على أن الوضع في منطقتهم قرب بيروت مستقر، ما دفعه إلى السفر هذا الصيف. وأكد أنه ومنذ وصوله لم يلحظ أي مظهر من مظاهر الحرب والتوتر الأمني، رغم “الوضع المؤسف” الذي يعيشه جنوب البلاد.
ويبدو عامر (اسم مستعار) السويدي اللبناني أكثر إصراراًَ على زيارة وطنه الأم. وقال للكومبس إنه يقدر حرص السويد على أمن وسلامة مواطنيها، ولكنه في الوقت نفسه لا يعتبر أن سلامته الشخصية أهم من سلامة أهله وأصدقائه في لبنان. وقال إنه مستعد للمخاطرة وأنه يتحمل مسؤولية قراره وحده. ودعا جميع الدول التي أصدرت تعليمات بعدم السفر إلى الضغط لوقف الحرب في غزة ولبنان، لتجنيب كافة المدنيين من كل الجنسيات ودون تمييز مآسي الحروب.
“لبنان يشهد أزمة كل عام”
وقالت منى (اسم مستعار) وهي لبنانية مقيمة مع أسرتها في السعودية، إنها تحرص سنوياً على زيارة لبنان مع أطفالها لزيارة الأهل والاستمتاع بصيف البلاد. ورغم الوضع في جنوب البلاد والقلق من توسع الحرب، أكدت أن صيف لبنان لا يختلف عن سنوات سابقة بل يعيش زحمة سياح أكبر من المعتاد هذا العام.
إيلي الذي يحمل إقامة فرنسية، ينوي السفر إلى لبنان قريباً. وقال إن التهديدات الإسرائيلية تكررت منذ أكتوبر الماضي بتعابير مختلفة، معتبراً أنها “تأتي في إطار الحرب النفسية التي اعتاد عليها اللبنانيون ولا تمنعهم من متابعة حياتهم كالمعتاد”.
ولسامي المقيم في بريطانيا رأي مماثل أيضاً. وقال للكومبس إن الاشتباكات ما تزال محصورة في منطقة حدودية جنوباً وإن توسعها مستبعد. ولفت إلى أن لبنان “يعيش أزمة مختلفة كل عام تقريباً، سواء أمنية أو سياسية أو اقتصادية”. وكشف أنه ألغى رحلة في السابق بسبب تحذيرات مماثلة ولم يحدث شيء حينها، وإنه لن يقوم بتكرار خطئه “المكلف” مجدداً.
وكانت الخارجية السويدية أصدرت تعليمات متكررة بعدم السفر إلى لبنان بسبب الوضع في جنوب البلاد وخطر توسع الصراع كما دعت السويديين إلى مغادرة البلاد. وأعرب رئيس الوزراء أولف كريسترشون عن غضبه من مخالفة تعليمات السفر، بعد تقديرات وزارة الخارجية بسفر نحو 5 آلاف سويدي إلى لبنان خلال موسم الصيف الحالي.
وسيم حيدر