بولندا.. لاجئ سوري في رحلة بحث عن والديه عند الحدود!

: 11/9/21, 5:20 PM
Updated: 11/9/21, 5:20 PM
لاجئ سوري في رحلة بحث عن والديه عند الحدود البولندية مع بيلاروسيا.
لاجئ سوري في رحلة بحث عن والديه عند الحدود البولندية مع بيلاروسيا.

مئات بل آلاف المهاجرين عند الحدود بين بيلاروسيا وبولندا. لاجئ سوري مقيم منذ أعوام في النمسا يبحث عن والديه المفقودين عند الحدود بعد أن فقد الاتصال بهما. فهل تمكن من اللقاء بهما؟

لم يلتق هفال روجافا (اسم مستعار) بوالديه منذ 12 عاما. فهو يعيش منذ عام 2009 في النمسا ويعمل حلاقا هناك. بنى هافال الشاب السوري البالغ من العمر 33 عاماً، محله وعلاقاته وشبكة زبائنه، وكل هذا مهدد الآن بالانهيار، بسبب غيابه عن المحل، وهو مضطر لذلك، إذ عليه البقاء في بولندا بالقرب من الحدود البيلاروسية في انتظار والديه.

الأم تبلغ من العمر 55 عاما والأب 60 عاما، وهما معلقان منذ أيام، بحسب قول هافل، عند الحدود في بيلاروسيا قرب بولندا وليتوانيا، من دون طعام أو شراب أو أدوية. وكلما تمكن الوالدان من شحن هاتفيهما، يتصلان بابنهما في بولندا. مرتان تمكن الابن من تحديد موقعهما من خلال تطبيق معين، لكن الاتصال انقطع معهما منذ يومين. “لقد كانت هذه فكرة سيئة أن أجلبهما إلى بيلاروسيا”، يلوم الشاب نفسه.

استأجر هفال غرفة في فندق قرب الحدود، طيلة الحوار مع DW يمسك الشاب بهاتفه في انتظار أي رسالة من والديه. بين الحين والآخر يرن الهاتف، يجيب ويعتذر، فالاتصال يمكن أن يكون مهما جدا.

هفال يأمل أن يقربه الاتصال خطوة تجاه والديه المختفيين عند الحدود. فهو يعلم جيدا أن ما يبعده عن والديه 30 كم فقط، لكن لا يمكن التواصل معهما.

“لم يأت والدي إلى بيلاروسيا بسبب المال ولا بسبب الحرب في سوريا”، يقول هفال. شقيقتان له تعيشان منذ أعوام في ألمانيا، وشقيق آخر له يعيش في النمسا أيضا. “أمي قالت، لم ألتق أولادي وبناتي منذ عشرة أعوام. والدي ووالدتي لا يستطيعان العيش في النمسا بسبب الاختلاف في العقلية، والسبب الوحيد الذي دفعهما إلى المجيء هو أنهما يريدان لقاء أولادهما”.

“معضلة المسلمين”

اشترى والده تذكرة سفر في سوريا إلى منسك من مكتب سياحي. مثل هذه الرحلات معروضة في كل زاوية هناك، بحسب قوله. ويشرح بالقول: “كل ما أردته هو لقاء أمي وأبي”. فهو هارب من سوريا لأن الحرب هناك ليست حربه. ولأنه هرب من الخدمة العسكرية، فهو معرض لعقوبة الإعدام. “وحتى لو أوقفني عنصر من تنظيم داعش، فإنه سيقلتني. في حال عرف أنني كردي”، يقول هفال.

ويتساءل الشاب الكردي قائلا: “نهرب من المتطرفين لأنهم يريدون قتلنا. وحين نصل إلى أوروبا نسمع أننا مسلمون. أنت تهرب من بلدك للبحث عن مكان آخر، حيث لا تلتقي المتطرفين، ثم يتم إبعادك لأنك مسلم. هل تعلم كم صعب هذا الأمر؟”.

في الفندق، التقى هفال بالناشطة ماجدالينا لوزاك من منظمة الإغاثة البولندية “غروبا غرانيكا” (مجموعة الحدود). تفيد الناشطة، أن الشاب السوري التقاها عندما رآها وناشطين آخرين يقومون بتعبئة طرود المساعدات للمهاجرين.

تقول ماجدلينا لـDW : “لم يكن يعلم أن هناك حالة طوارئ عند الحدود. ولا يسمح للبولنديين الاقتراب من الحدود دون تصريخ خاص”. صدمه ذلك. كان يعتقد أنه يستطيع على الأقل الذهاب إلى الحدود وجلب الطعام والشراب والأشياء الدافئة إلى والديه هناك. و”عندما لاحظ أننا لا نستطيع فعل أي شيء أيضا، كان يائسا”. في رأيها، فرص هفال في رؤية والديه معدومة. وتقدر أن كلا من الأم والأب ربما عانوا من الكثير من النكسات.

موجة مهاجرين

وتابعت بالقول إن ما شاهدته على الحدود كان “أسوأ بكثير” مما كانت تعتقده سابقا . يتعلق الأمر بالناس ومصائرهم – وليس بتدفق اللاجئين: “لا أحد هنا يسألنا عن المساعدة المالية. الجميع يطلب شيئا واحدا فقط: فرصة للبقاء على قيد الحياة والعيش في بلد آمن”، توضح الناشطة.

أكثر من مرة يؤكد هافال أن والديه ليسا بحاجة إلى المال، “لا يمكن لشخص فقير شراء تذكرة يتراوح سعرها بين 16 إلى 20 ألف يورو. الناس هنا على الحدود عندهم أموال، لكنهم رغم ذلك في زمن الحرب لا يشعرون بأمان”.

طلقات تحذيرية من بيلاروسيا

للبحث عن وضع آمن ، لم يحصل والداه ولا المهاجرون الآخرون على ذاك الأمان المرجو في بيلاروسيا. يراقب حرس الحدود من كلا الجانبين بعضهم البعض. وزارة الدفاع البولندية تحدثت عن “استفزازات” متكررة: أطلق رجال يرتدون الزي العسكري البيلاروسي طلقات تحذيرية، وألحقوا أضرارا بسياج الأسلاك الشائكة المؤقت وتسللوا إلى الأراضي البولندية.

ربما في العام المقبل، سيؤمن هيكل فولاذي بارتفاع خمسة أمتار ونصف المتر مع قمة من الأسلاك الشائكة الجانب البولندي من الحدود، وهي أيضا الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي. كما سيتم تزويد بعض الحواجز على الأقل مجهزة بأجهزة استشعار الحركة والكاميرات.

وزير الداخلية البولندي ماريوس كامينسكي أعلن في بداية الشهر الجاري أن “الحاجز الذي نريد إقامته على حدود بولندا مع بيلاروسيا هو رمز لتصميم الدولة البولندية”. وأكد أن الهجرة غير النظامية إلى بولندا ليست هجرة “طبيعية”. الأحداث على الحدود الشرقية البولندية هي بالأحرى “حرب هجينة ” للرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو ضد بولندا.

مساعدات للمهاجرين

هفال يتحدث عن ردود فعل طيبة من قبل البولنديين في المدينة التي يقطن فيها في انتظار والديه. كثيرون من الناس هناك يريدون مساعدة المهاجرين عند الحدود. لكن هفال لا يفهم سياسة الحكومة في بولندا. “لا أفهم كيف ينام الساسة هنا بهدوء، هم لديهم أسر أيضا”. بولندا عاشت خلال الاحتلال النازي في الحرب العالمية الثانية نفس الظروف التي تعيشها سوريا اليوم، بحسب قوله.

منذ بداية أيلول/ سبتمبر 2021، توقف كذلك الصحفيون عن المجيء إلى المنطقة المحظورة التي يبلغ عرضها ثلاثة كيلومترات على الحدود مع بيلاروسيا. ليس من الممكن الحصول على تصور لما يجري هناك. ولا يمكن بالفعل معرفة مدى توتر الموقف حين تقود سيارتك عبر المناطق غير المغلقة في الغابات الكثيفة، حيث يمكن رؤية سيارات الشرطة وهي توقف المركبات التي تحمل لوحات أرقام أجنبية.

تؤكد كاتارزينا زدانوفيتش الموظفة في حرس الحدود البولندي في بياليستوك أن دائرتها على علم بحالات مشابهة لحالة هفال. لأفراد يملكون إقامة آمنة في دول الاتحاد الأوروبي، يأتون إلى بولندا لإحضار أقاربهم. تقول زدانوفيتش لـ DW: “لكننا نعرف أيضا أن هناك مجرمين يستغلون هذا الوضع ويريدون أخذ هؤلاء المهاجرين من الحدود ونقلهم عبر البلاد مقابل بضعة آلاف من اليوروهات”.

اللقاء بعد 12 عاما

إلى متى يبقى هفال في انتظار والديه؟ يجيب “لا أعرف، بالتأكيد هناك مشاكل كبيرة بين بيلاروسيا وبولندا، لكن أولئك الناس هناك في الغابات لا ذنب لهم”.

قبل نشر هذا النص، وصلت رسالة إلى هفال تفيد بأن والدته ترقد في مستشفى في بولندا. تقول الناشطة ماجدلينا في اتصال هاتفي. وضعها سيء جدا، لكنها تمكنت مع ذلك من لقاء ولدها. والدة هفال الآن في بياليستوك، كما تقول الناشطة ماجدلينا، ترقد في مقر مؤسسة الحوار البولندي، التي تساعد المهاجرين المرضى.

وأكد حرس الحدود البولنديون تسجيل المرأة كطالبة لجوء في بولندا. رغم ذلك لا يزال هافال يبحث عن والده ولا يعرف مكانه ولا وضعه: وكما يبدو فإن الوالدين افترقا عن بعضهما في المنطقة الحدودية قبل أن تعبر الأم الحدود البولندية.

*تم تغيير الإسم

ماجدالينا جوزدز بالوكات/ ع.خ

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.