افتتاحية الكومبس

الأخلاق والسياسة قد لا يلتقيان حتى في السويد

: 1/19/24, 4:53 PM
Updated: 2/6/24, 12:54 PM
الأخلاق والسياسة قد لا يلتقيان حتى في السويد

لا نريد الخوض كثيراً في موضوع الأخلاق والسياسية، لكن حسب المعروف يكره الناس في بلداننا الأم السياسيين، حتى إن أظهروا لهم الحب والولاء، والسبب أن عامة الناس يحمّلون دائما السياسيين مسؤولية استضعافهم وفقرهم وتقييد حرياتهم. ولعل اعتماد مبدأ “الميكافيلية” حيث الغاية تبرر الوسيلة، أتاح للعاملين في السياسة أو حتى في الدين السياسي، ممارسة التجاوزات وبالتالي اختراق المفاهيم الأخلاقية، كل ذلك لصالح بقاء الأنظمة والحكام.

هنا في السويد وفي معظم الدول الغربية، الناس أيضاً “لا تحب” وربما في نفس الوقت “لا تكره” السياسيين، المقياس هنا ليس “حب وكراهية”، بل هو “قبول أو رفض”، لذلك لا تجد أي سياسي أو زعيم لديه شعبية تتجاوز الـ50 بالمئة، كما يجب على السياسي أن يتحلى بالأخلاق وأن يراقب سلوكه، بحيث لا يؤثر أي تصرف له على سمعته الشخصية أمام الجمهور. هناك من لا يحسد من يعملون في السياسة هنا، لأن حريتهم مقيدة إلى حد كبير، فالغلطة السلوكية والأخلاقية تعد كفرة، وعلى من يقترفها الاستقالة وربما الابتعاد عن العمل السياسي.

ومع أن الناس هنا تراقب وبشدة السلوك الشخصي للسياسي، لكنها قد تتغاضى عن سلوكه السياسي حتى عندما يخترق المفاهيم الأخلاقية. هنا تتداخل مفاهيم الأخلاق مع السياسة بشكل قد يبدو فيه النفاق والكذب نوعاً من الحنكة السياسية، طالما يلبي مصلحة النظام الحاكم في الدول الديكتاتورية أو يلبي مصلحة المنظومة المسيطرة في الدول الديمقراطية.

أمثلة عدة عن ممارسات غير أخلاقية بالمطلق مارسها ويمارسها سياسيون يتحلون بالدماثة والأخلاق في الأنظمة الديمقراطية، قد تبدأ بعدم الوفاء بوعد انتخابي بسيط، ولا تنتهي بشن حروب كبرى وقتل آلاف الأبرياء بحجة نشر الديمقراطية أو مكافحة الإرهاب أو غيرها من الحجج.

نعود إلى السويد، وتحديداً للوقوف عند مقال نشره الكاتب Carl Tham وهو سفير ووزير سابق، في مسائية أفتونبلادت تحت عنوان “حزب الموديرات يتحدث عن الحرب لزيادة شعبيته المتدهورة”.

الكاتب اتهم الحكومة الحالية في السويد بممارسة عمل غير أخلاقي عندما نشرت الفزع والخوف من شبح حرب كأنها على الأبواب، وبالغت في صورة التهديد الذي تتعرص له السويد.

يورد الكاتب في المقال تساؤلاً طرحه البروفيسور بيتر والينستن، وهو باحث سلام معترف به دولياً، عندما قال في إحدى المناظرات: ما الذي تعرفه الحكومة ولا نعرفه نحن؟ أي هل لدى الحكومة معلومات سرية مؤكدة حول قيام الحرب ضد السويد؟ ويضيف: “ما الذي حدث مؤخرا في المنطقة المجاورة لنا والتي تحفز خطاب الحرب؟”.

كانت الإجابات عن هذه التساؤلات غائبة، الحاضر هنا هو المطالبة بصب مبالغ هائلة من المال على الجيش، يقول الكاتب، وبالتالي إعادة الحرارة العسكرية تماماً كما كانت في أجواء الحرب الباردة، وإعادة بث خطاب الحماس العسكري، فيما يتعلق بانتهاكات الغواصة المزعومة في الثمانينات والتسعينات.

من ناحية أخرى يعاني حزب المحافظين (الموديرات) الحاكم ووفقاً لآخر استطلاعات متتالية من انخفاض قوي في شعبيته، وشعبية رئيس الحزب، ومن الممكن أن تكون زيادة التهويل ورفع درجة التهديد، بهذا الشكل المبالغ به، محاولة لاسترداد جزء من هذه الشعبية المتدهورة، وهذه مسرحيات سياسية، وبالتالي هي فعل غير أخلاقي أيضاً.

يقول الكاتب إن حزب الموديرات وحزب SD يتقاسمان مهمة خلق أعداء متربصين بنا، يريدون سحق السويد، صحيح أن العدو التقليدي للسويد كان ولا يزال الجار الروسي، والآن وبحسب الموديرات يريد هذا العدو سحق البلاد بالدبابات، لكن وبحسب حزب الـSD هناك عدو داخلي أيضا هم المهاجرون الأجانب، لذلك يقود هذا الحزب حملتهم العنصرية على هذا العدو الداخلي الذي صوره للناخبين على أن عدو يهدد المجتمع السويدي ويريد سحقه بالثقافات الدخيلة، حسب كلامه.

لذلك كان وفي كل مرة يحذّر فيها كريسترشون من العدو الخارجي (الروس)، يقفز له أوكيسون مذكراً: “لا تنس العدو الداخلي (المهاجرين)”.

يقول الكاتب في نهاية مقاله “اللعب بتهديدات الحرب وكأنها جزء من صراع سياسي على الرأي العام هو أمر غير أخلاقي”، ويضيف “لقد أثبت الموديرات بالفعل أنهم مستعدون لأي شيء مقابل أن يبقوا في السلطة فقط”.

الشيء الإيجابي والمفرح أن السويد، ورغم ما تشهده الآن من تحديات كبيرة، نجد فيها دائماً من يتحلى بشجاعة التصدي للانزلاق والتخلي عن القيم الإنسانية والأخلاقية. ومادام يوجد صحفيين وكتاب وشخصيات حريصة على النزاهة، فنحن والسويد بخير.

محمود آغا

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.