الأمن الغذائي.. هل الحل في الذكاء الاصطناعي؟

: 7/23/23, 7:31 AM
Updated: 7/23/23, 9:06 AM
يتم إجراء الكثير من التجارب من أجل الخروج بمحاصيل زراعية قادرة على مقاومة الجفاف
أحد المختبرات

يقول خبراء في الأمن الغذائي إنه يتعين علينا إيجاد نباتات تنتج محاصيل عالية الإنتاجية ومقاومة للتغيرات المناخية لتلبية احتياجات السكان في أنحاء العالم. فأي دور يمكن أن يلعبه تحرير الجينوم والذكاء الاصطناعي في هذا السياق؟يواجه البشر تحديات حيال إنتاج محاصيل زراعية وثروة حيوانية تكفي مع تزايد التعداد السكاني، بيد أن هذا يمثل عبئا هائلا على المناخ والبيئة. وباتت ظواهر الطقس المتطرفة الناجمة عن تغير المناخ، لا سيما العواصف الشديدة والجفاف وموجات الحرارة، تهدد الأمن الغذائي لعدد متزايد من سكان المعمورة.

وكانت هذه المعضلة محور تقرير صدر مؤخرا من معهد الموارد العالمية جاء فيه أنه من أجل إطعام سكان العالم، يتعين على البشر زيادة الإنتاج لكن دون زيادة استخدام الموارد الطبيعية والأراضي الزراعية الحالية.

وفي ذلك، تقول جانيت رانجاناثان، خبيرة التغذية في المعهد والمشاركة في إعداد التقرير، إن “هناك فجوة بنسبة 50٪ بين الطعام المُنتَج اليوم وما سنحتاجه بحلول عام 2050 بما يعني توفير إطعام البشر بشكل كافٍ، لكن توسيع نطاق الأراضي الزراعية سوف ينذر بنهاية الأنظمة البيئية الطبيعية المتبقية”.

تتمثل إحدى طرق مواجهة هذا التحدي الهائل في استخدام الأراضي المتاحة والمستخدمة في الوقت الحالي للإنتاج الحيواني وللمحاصيل الزراعية التي تتغذى عليها الحيوانات التي تُربى للاستهلاك البشري، لكن هذا سيتطلب من الجميع أن يصبحوا نباتيين في سيناريو غير واقعي.

لذا هل يمكن يلجأ البشر إلى الذكاء الاصطناعي كحل لهذه الأزمة؟

الذكاء الاصطناعي

يريد العلماء استخدام الذكاء الاصطناعي وما يُعرف باسم نظام التعديل الجيني الذي يُطلق عليه اسم “كرسبر-كاس9” لتطوير قدرات مقاومة للمناخ وقادرة على تحقيق عوائد أعلى بموارد أقل.

ويعد الأرز مثالا لتجربة ذلك إذ تتطلب محاصيل الأرز كميات كبيرة من المياه حيث تنمو مغمورة في الماء ما يعني أنها تتضرر بشدة جراء الجفاف الشديد الذي يضرب دولا عديدة من إيطاليا إلى الصين وباكستان، لذا يمكن أن يساعد في مواجهة ذلك توسيع زراعة أصناف الأرز مثل IR 64 التي ينمو بشكل أساسي في آسيا وأجزاء من أفريقيا.

وقد جعل التعديل الجيني هذه النباتات أكثر مقاومة للجفاف إذ في بعض الأسابيع، تحتاج إلى مياه أقل بنسبة تصل إلى 40٪ عن ما كانت تحتاجه في السابق وفيما ماتت النبتة الأم بعد أسبوع بسبب نقص المياه، فإن نصف النباتات المعدلة جنيا قد كُتب لها النجاة.

المقص الجيني.. ثورة أم خطر؟
تحرير الجينوم يختلف أساسًا عن الهندسة الوراثية التقليدية. يقول ديتليف فيغل، عالم الأحياء في مجتمع ماكس بلانك في ألمانيا: “فهو يعتمد في الواقع على العمليات الطبيعية، ولكنه يجعل عملية التحوير أقل عشوائية بكثير”.

يشار إلى أنه يتم زرع معظم المنتجات المعدلة وراثيًا عن طريق إدخال حمض نووي سواء اصطناعي أو من كائن حي آخر، فعلى سبيل المثال تحتوي نبتة القطن أو الذرة المقاومة للحشرات على جين مصدره بكتيري.

وكبديل عن استخدام الحمض النووي الغريب، يمكن لتقنية التعديل الجيني تغيير الشفرة الجينية باستخدام الحمض النووي للكائن الحي عن طريق استخدام إنزيمات خاصة تعمل مثل المقص بمعنى حذف أو تبديل أو تكرار جينات نباتية.

ولكي تتم هذه العملية بشكل طبيعي، فإنها سوف تستغرق عشرات الأجيال لنقل جين واحد فيما يشير فيغل إلى أن هذا الأمر سيستغرق وقتًا طويلا ليكون قابلا للتطبيق، مضيفا “التعديل الجيني يعد قويا للغاية لأن من خلاله يمكن إدخال جين بشكل فردي وتغييره. هكذا يتم الأمر!”

وفي الوقت الذي يمكن أن تستغرق فيه عملية التهجين أكثر من عشر سنوات للحصول على النتيجة المرجوة، فإن التعديل الجيني يستغرق بضعة أشهر فقط فيما لا تتعدى مرحلة الاختبار سوى سنوات قليلة.

ليس فقط الأرز

ولا يتوقف الأمر على زراعة محاصيل أرز مقاومة للجفاف، إذ كشفت دراسات أخرى أنه من الممكن زيادة محصول الطماطم بنسبة تصل إلى 70٪ عن طريق هذه التقنية فيما يحاول آخرون زراعة فول الصويا في تربة قاحلة ومالحة أو تقليل انبعاثات الميثان الناجمة عن محاصيل الأرز.

كذلك يعمل علماء في كينيا على تطوير ما يسمونه “الموز الذكي” حيث تمكنوا بنجاح داخل المعامل من تنشيط جين يقوم بتنبيه جهاز المناعة الخاص بالنبات كإجراء وقائي ضد الفيروس الذي يصبح نشطا خلاف فترات الجفاف.

لكن هذه التجارب لم تكن خالية من مخاطر فيما يكتنفها بعض شكوك فيما يرجع ذلك إلى أن العديد من المشاريع مازالت في مرحلة التجربة ولا توجد بيانات كافية فيما يؤكد معارضو الأبحاث الجينية على التعديل الجيني يشكل خطر كبيرا.

ويشير بعض الخبراء في ذلك إلى حالات حدثت فيها تغييرات جينية عن غير قصد او شهدت حذفا للمعلومات وراثية أكثر بكثير مما كان مخططا له فضلا عن أن الجينات التي تساعد على زيادة المحاصيل في حالات جفاف معينة تتسبب في انخفاضها خلال سنوات الرطبة في ضوء وجود عدد كبير من جينات معدلة ما يعني أنه ليس من الممكن وقف أو تشغيل جنين أو أكثر.

كيف يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي؟

توفر تقنية التعديل الجيني إمكانات ونجاحا أكبر إذا جرت للأصناف القديمة التي لم تتم زراعتها على نطاق صناعي. فعلى سبيل المثال، تعتبر حبة الدخن ودقيق الينكورن ونبته اليوكا أكثر مقاومة لتغير المناخ، لكن تعزيز التكاثر لتمهيد الطريق أمام إنتاج ضخم لا يزال في بدايته.

وفي هذا السياق، يقول ويليام بيلتون، الرئيس التنفيذي لشركة فيتوفورم Phytofrom الناشئة، “يمكننا نقل هذه المحاصيل بسرعة كبيرة إلى مكان آخر حيث يمكن زراعة هذه المحاصيل وبالتالي البدء في تنويع نظامنا الغذائي بشكل أكبر”.

وتحاول الشركة باستخدام الذكاء الاصطناعي خلق فرص أفضل لتحسين الجينات حيث يمكن للخوارزميات الخاصة بها معالجة كميات من البيانات بسرعة قد تستغرق من الإنسان سنوات فيما وصل الأمر إلى أن بعض الخوارزميات بدأت في فهم قواعد بيانات الحمض النووي أفضل بكثير من البشر.

وفي ذلك، يقول بيلتون إنه على ضوء ذلك، “يمكن أن ندشن مرحلة فهم الحمض النووي وبعد ذلك طرح اقتراحات للتغييرات التي يمكن إجراؤها من أجل التأثير على النتائج.”

وتقوم شركة فيتوفورم بتنفيذ مشاريع لزراعة محاصيل البطاطس حيث لا تتحول أوراقه إلى اللون البني مما قد يؤدي إلى تقليل عدد البطاطس التي يتم التخلص منها على الرغم من أنها لا تزال صالحة للأكل بالإضافة إلى مشروع زراعة الترمس، الذي كان موجودا منذ آلاف السنين ولكنه بات نادرا في الوقت الحالي رغم أنه يحتوي على نسبة عالية جدا من البروتين والمواد المغذية التي يمكنها استخدامها على نطاق واسع في إنتاج اللحوم النباتية.

العالم يستعد لمقصات الجينات

هل العالم مستعد لمقص الجينات؟

ورغم تزايد الأبحاث في مجال النباتات المحررة وراثيا في جميع أنحاء العالم، إلا أنه حصل القليل منها على براءات الاختراع إذ خلال الفترة ما بين عامي 2011 و2019 وصل العدد إلى ألفي براءة اختراع معظمها لشركات خاصة أو مؤسسات بحثية عامة.

ومع دخول الولايات المتحدة والصين والعديد من الشركات متعددة الجنسيات، فإنه يتوقع أن يتم ضخ استثمارات كبيرة في هذا المجال ما يعني ظهور سوق يقدر بمليارات الدولارات بحلول نهاية العقد.

وفي الاتحاد الأوروبي، يتم تصنيف المحاصيل المحررة وراثيا على أنها معدلة وراثيًا وبالتالي يتم تنظيمها بشكل صارم رغم أن المعسكر المؤيد يرى أنه سيكون من الأفضل الحديث في إطار طريقة جديدة للتكاثر في مقابل التلاعب الجيني.

في الوقت نفسه، في الولايات المتحدة والصين والعديد من الدول اللاتينية، لا يجب وضع علامات أو رقابة على المحاصيل المحررة وراثيًا، ومن المتوقع أن يتم إطلاق عدد من المحاصيل في السنوات القادمة. وقد قامت الهند أيضًا بتخفيف قوانينها مؤخرًا.

أما في الولايات المتحدة والصين والعديد من دول أمريكا اللاتينية، فلا يوجد إلزام على تصنيف المحاصيل المحررة وراثيا. ومن المتوقع أن يتم إطلاق العديد من المحاصيل المحررة جينيا خلال مقبل السنوات. وفي هذا الإطار، وقد قامت الهند أيضًا بتخفيف قوانينها مؤخرًا.

لكن بغض النظر عن القوانين ومهما تقدمت الأساليب الحديثة، ستبقى المحاصيل التي يتم زراعتها بالطرق التقليدية تلعب دورا حيويا في إطعام البشر.

تيم شاوينبيرغ/ م.ع

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.