الكومبس – تحقيقات:(ياسين) طفل عربي وافد الى السويد، عمره 9 سنوات، يدرس بالصف الثالث من المرحلة الابتدائية، يسكن مع عائلته المكونة من أبوين وشقيقة صغرى في مدينة ليندسبيري التابعة لمحافظة أوربرو السويدية، لكن مصلحة الهجرة لم تقتنع بالأسباب التي قدمتها العائلة للحصول على الإقامة فرفضت طلب العائلة، بما فيها ياسين.
وُلِد (ياسين) بذراع
يمنى ناقصة (تشوه ولادي)، يرجح
الأطباء في بلده الأصلي أن الأمر ناتج عن وصف أدوية خاطئة لوالدته أثناء فترة
الحمل، فيما يؤكد الأطباء السويديين أن ولادة الأطفال بهذه الكيفية أمر شائع، لا
يُشترط ارتباطه دائماً بالأخطاء الطبية.
كما يحدث في كثير من المجتمعات العربية، كان اختلاف (ياسين) سبباً كافياً
عند بعض الناس لاتخاذه مادة دسمة للتنمر والتندر والسخرية، ناهيك عن إطلاق عديد
النعوت والألفاظ الجارحة لدى ذِكّرِه بشكل مستمر، الأمر الذي دفع بالصبي البائس إلى
الانعزال، شاعراً بالنبذ من مجتمعه.
نظراً لسوء الأوضاع الإنسانية والاجتماعية التي أحاطت بالصبي وأهله، إضافة
لاشتداد الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية في البلاد، رحلت العائلة قاصدة السويد،
سنة 2015، طلباً لحق اللجوء.

تغيير في سلوك الأبن
منذ الأيام الأولى في مملكة السويد، لاحظت العائلة الوافدة حصول تغير جذري
على سلوك ابنها. في المدرسة بات (ياسين) قادراُ على إقامة الصداقات سريعاً مع
نظراءه الأطفال، مظهراً تجاوباً وانسجاماً اجتماعياً غير مسبوق مع بيئته الجديدة،
كذلك أثنى معلموه على مستوى أدائه المتزايد في شتى المواد الدراسة، مؤكدين إبرازه
عدداً من المهارات، سيما أنه استطاع إجادة التحدث باللغتين السويدية والإنجليزية في
زمن قياسي، كما أنه انضم لاحقاً إلى إحدى النوادي الرياضية داخل مدينته للعب كرة
القدم، محرزاً مع الفريق قلائد عدة.. حتى على الصعيد الطبي، بدأ (ياسين) يخضع
للعلاج النفسي طوال سنوات ثلاث، كما أجرى له الأطباء السويديون عدداً من العمليات
الجراحية لتطويل أنسجة وأعصاب الذراع القصير لجعله ينمو ويتساوى في طوله مع الذراع
الأخر السليم.
إلا أن اللحظات الجميلة لا تدوم طويلاً مع الأسف، لتُفاجأ العائلة ذات نهار
بقرار صادم صدر عن مصلحة الهجرة، يقضي برفض طلب لجوئهم وترحيلهم من السويد إلى
بلدهم الأم.
سارعت عائلة (ياسين) إلى تقديم طلب باستئناف القضية مرة إثر مرة مستعينين
بمحامٍ مختص، لكن قرارات الرفض ظلت تتوالى عليهم تباعاً. في شهر سبتمبر/ أيلول
الماضي، تلقت العائلة رفضاً ثالثاً وأخيراً لاستئنافها، ليغدو خطر ترحيلهم احتمالاً
قائماً بقوة.

خبر كالصاعقة !
كان (ياسين) حاضراً حين أخبرت موظفة مصلحة الهجرة بقرارها لأبويه، فنزل الخبر
على قلبه الصغير كالصاعقة، لقد أمسى بهذا الحكم مجبراً على التخلي عن أصدقاءه
ومدرسته ولعب كرة القدم والرعاية الصحية المتميزة التي يتلقاها هنا خلال أيام
معدودات، ليرجع صاغراً إلى مسقط رأسه حيث ذاق ألوان العذاب النفسي والاضطهاد.
أصيب (ياسين) جراء ذلك بحالة مزمنة من الحزن الشديد والاكتئاب، انخرط على
إثرها في نوبات بكاء وغضب، لم يعد قادراً على النوم أغلب ساعات الليل ويرفض الذهاب
إلى مدرسته في النهار إلا مرغماً، ما جعله يتأخر عن دوامه مراراً.
تم استدعاء أبويه إلى المدرسة أكثر من مناسبة، لتخبرهما معلماته أن مستوى
التحصيل العلمي لـ(ياسين) بات في انخفاض مستمر وملحوظ، متسائلات عن سر نوبات الغضب
والبكاء التي يمر بها وكلامه الدائم حول
رغبته في الموت، أفضى والدي (ياسين) لمعلماته عن مشاكلهم في إدارة
الهجرة وتأثيراتها السلبية مستقبلاً على حياته، ثم طلبا من إدارة المدرسة منحهما
تقريراً مفصلاً بكل هذه التداعيات لتقديمه إلى مكتب الهجرة، أملاً في ثني مسؤول
قضيته عن قرار الترحيل مراعاة لظروف ابنهم الصحية، غير أن المدرسة رفضت بدعوى أن
الطلب ينبغي أن يأتي بصورة رسمية من طبيبه النفسي.
الحالة النفسية لـ(ياسين) ازدادت تدهوراً منذ ذلك الحين. أبواه يخشيان
إقدامه على إيذاء نفسه في إحدى نوبات الغضب، خاصة أن حديثه يفصح دائماً عن الخوف
من الموت.. موته هو أو أحد أفراد أسرته طبعاً.
تقدمت العائلة مؤخراً لمكتب الهجرة بطلب استرحام تذكر فيه كل ما استجد من
أسبابها ولازالت حتى هذه اللحظة تنتظر بتفاؤل وصول رد إيجابي يثلج صدورهم المثقلة
بالقلق والخوف من الغد.

“نحترم القانون ولا نريد
لأبننا ان ينمو بعقد نفسية”
تمضي الأيام بتسارع محموم على العائلة كأنها سيف يهوي ببطء ليقطع لها آخر
حبال الأمل.. تحكي السيدة أم (ياسين) لـ(الكومبس)،
عن أوضاع العائلة وآمالها، قائلة: “كل ما نرجوه أن يتم منحنا حق اللجوء
الإنساني للإقامة في السويد بشكل دائم، ليست لدينا أية مطالب أخرى ولا أطماع تُذكر،
سوف نرضى بأقل القليل ولن نرفض أي وضع يصيغون عليه حياتنا، كل ذلك حتى لا يضطر
ابني للعودة إلى بلدنا وعيش حالته النفسية الأولى من المهانة والإذلال والقهر،
ويحيا هنا حياة كريمة مستقرة مثل أي صبي في سنه، لاسيما أن (ياسين) وشقيقته اندمجا
بشكل مثالي مع المجتمع السويدي وأهله اللطفاء الذين نكن لهم كل محبة وتقدير”.
وختمت أم (ياسين):
“نحن نحترم القانون السويدي ونؤمن بوجوب الامتثال لنصوصه، لكني لا أريد أن
يكبر ابني بعقد نفسية تحيله شخصية إجرامية مستقبلاً.. تُعَد بلادنا مع الأسف، أحد
أكثر الدول تأخراً وفشلاً في مجال الرعاية الصحية، هذا ما ذكرته إحصاءات رسمية يسهل
إيجادها على شبكة الإنترنت، حتى لا يتهمني أحد بالافتراء على وطني أو محاولة
إهانته لا سمح الله، إن عودة (ياسين) إلى بلده تعني بشكل مؤكد عدم إمكانية حصوله
على العلاج المناسب وبنفس الجودة التي توفرها له السويد، الأمر الذي حذرنا منه
طبيبه المختص، موصياً بضرورة استكمال علاج ابني هنا، لحاجته إلى إجراء عدد من
العمليات الجراحية الجديدة لتطويل أنسجة وعظم الذراع الأيمين خلال مراحل سنية
مختلفة.. لهذا أناشد كل مسؤولي الحكومة السويدية ومصلحة الهجرة، إعادة النظر في
قضيتنا مجدداً ودراستها من منظورها الإنساني أيضاً، آخذين بعين الاعتبار اتفاقيات
الأمم المتحدة وبنودها المتعلقة بحقوق ذوي الاحتياجات الخاصة، لأن السويد إحدى
أوائل الدول الموقعة عليها”.
عمر سويدان – قسم التحقيقات