ما سر الإقبال على “التأشيرات الذهبية” في الدول العربية؟

: 4/17/23, 4:19 PM
Updated: 4/17/23, 4:20 PM
كثير من مواطني بعض الدول العربية يطمحون للخروج من بلدانهم المضطربة والحصول على إقامة أو جواز سفر في دولة أخرى (صورة رمزية)
كثير من مواطني بعض الدول العربية يطمحون للخروج من بلدانهم المضطربة والحصول على إقامة أو جواز سفر في دولة أخرى (صورة رمزية)

أطلقت مصر مؤخرا وقبلها دول شرق أوسطية عدة برامج “التأشيرات والإقامات الذهبية” لجلب الاستثمارات والعملات الصعبة. ويأتي ذلك رغم قيام دول أوروبية بإنهاء أو تقييد العمل ببرامج مشابهة. فهل تنجح هذه البرامج في الدول العربية؟

بعد سيطرة تنظيم “داعش” على الموصل عام 2014، قررت الصحافية العراقية هبة أحمد شد الرحال عن بلاد الرافدين، قائلة “كنت أرى أني إذا سافرت إلى مكان خارج العراق فسأكون في أمان. وبسبب الوضع الصعب في بلدي، قررت الرحيل”.

وبعد بحث على الإنترنت، قررت هبة شراء شقة صغيرة قرب منتجع سياحي على أحد شواطئ في مدينة إسطنبول التركية مقابل 40 ألف دولار. ورغم هزيمة “داعش” في العراق عام 2017، إلا أن هبة مازلت تقصد تركيا على نحو منتظم.

وفي مقابلة مع DW، قالت إن “السبب وراء مجيئها إلى تركيا في الوقت الحالي بسبب الطقس شديد الحرارة في بغداد خلال موسم الصيف فضلا عن الهدوء والسلام، لذا سأبقى هنا لمدة شهرين أو ثلاثة”.

ورغم أن تركيا قررت تشديد قواعد منح الإقامات والتأشيرات، إلا أن هبة قادرة على المجيء إلى تركيا بسهولة فيما يرجع الفضل في ذلك إلى الشقة التي قامت بشرائها ما يسمح لها بتجديد التأشيرة لمدة عامين بانتظام وقد يمهد ذلك الطريق أمامها للحصول على الجنسية التركية.

وأشارت إلى أنه بدون خطتها في الاستثمار العقاري عن طريق شراء شقتها، فكانت ستحصل على تأشيرة سياحية لمدة شهر فقط.

الإقامة والجنسية مقابل الاستثمار

يأتي نظام التأشيرة الباهظ الثمن الذي حصلت عليه هبة في إطار برنامج “الإقامة مقابل الاستثمار” الذي يُعرف اختصارا بـ “آر.بي.آي” أو برنامج “التاشيرة الذهبية” الذي يأتي على النقيض من برامج “الجنسية مقابل الاستثمار” أو ما يُعرف بـ “جواز السفر الذهبي” التي تتطلب الكثير من الأموال والإجراءات البيروقراطية وتستغرق وقتا أطول.

وتمتلك دول الشرق الأوسط الدوافع للشروع في تطبيق كلا الأمرين حيث تريد الدول التي تطلق “التأشيرات أو جوازات السفر الذهبية” تشجيع وجذب الاستثمارات وزيادة الودائع بالعملات الأجنبية فيما يستفيد الأجانب في المقابل من الحصول على جواز سفر آخر يمنحهم فرص السفر وأيضا الهروب من المشاكل السياسية أو الاضطرابات الاقتصادية أو الصراعات في بلدانهم الأصلية.

ومنذ وقت طويل، تمتلك كندا والولايات المتحدة وإيرلندا ودول الاتحاد الأوروبي أنظمة مشابهة، لكن هذه الفكرة اكتسبت زخما في الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الماضية.

وفي هذا الإطار، يأتي القرار الذي أصدرته الحكومة المصرية مطلع مارس / آذار بتسهيل حصول الأجانب على الجنسية المصرية مقابل شراء منشآت أو ضخ استثمارات في الشركات أو إيداع مبالغ مالية بالدولار فيما يأتي ذلك في وقت تعاني فيه مصر من أزمة مالية خانقة خاصة مع تردي قيمة الجنيه.

وأطلقت الإمارات نظام “التأشيرة الذهبية” منذ عام 2019، لكنها قامت بإصدار تعديلات عام 2022 بهدف تسهيل الأمر وتقديم مزايا سعرية.

ولا يتوقف الأمر على مصر والإمارات، بل أطلقت الأردن وقطر والبحرين والسعودية أنظمة مشابهة.

أوروبا تلغي نظام “التأشيرات الذهبية”

بدورها، رأت يلينا دزانكيتش، الأستاذة في معهد الجامعة الأوروبية بإيطاليا ومديرة “مرصد المواطنة العالمي”، أن المسار الذي شرعت بلدان الشرق الأوسط في انتهاجه يأتي على “عكس المسار الأوروبي”.

وأضافت أن الدول الأوروبية التي تمتلك منظومة “جواز السفر والإقامة الذهبية” مثل البرتغال واليونان وقبرص قامت مؤخرا بإلغاءها، مشيرة إلى أن هناك توجها أوروبيا تدريجيا يرمي إلى إلغاء برامج منح الجنسية والإقامة عن طريق الاستثمار “بسبب الفضائح والمخاطر المرتبطة بهذه البرامج”.

وتقول الأصوات المعارضة لهذه البرامج إن الدول تبيع جنسياتها لمن يدفع أعلى سعر فيما تؤدي هذه البرامج إلى مشاكل أمنية محتملة وإلى ارتفاع أسعار العقارات مع خطر ارتكاب جرائم فساد وغسيل أموال .

يشار إلى أنه في أعقاب الحرب الروسية في أوكرانيا، حث الاتحاد الأوروبي جميع دوله على إلغاء مثل هذه البرامج على وقع مخاوف أن تساعد على الهروب من العقوبات المفروضة على موسكو بسبب غزوها أوكرانيا.

وقالت دزانكيتش إنه “بسبب أن السوق الأوروبي فرض الكثير من القيود، بدأ الناس في البحث عن بدائل”.

بدايات “صناعة المواطنة”

وتعود منظومة الحصول على الجنسية مقابل الاستثمار إلى ثمانينيات القرن الماضي.

وبحسب مجلس الهجرة والاستثمار بجنيف، فإن أول برنامج خاص بالحصول على الجنسية مقابل الاستثمار جرى إطلاقه في دولة تونغا عام 1982 ثم جاءت دولة سانت كيتس ونيفيس في عام 1984 فيما كانت تعاني هذه الدول الجزرية الصغيرة من تبعات الاستعمار ونجحت في جمع الأموال عن طريق منح الجنسية أو الإقامة مقابل الاستثمار.

وأضاف المجلس إنه مع تطبيق أكثر من 80 دولة في أنحاء العالم أنظمة مماثلة يتعين التفريق بين برامج “الإقامة عن طريق الاستثمار” و “الجنسية عن طريق الاستثمار” حيث تمنح الدول إما جنسيتها أو حق الإقامة بها على الفور أو في مسار سريع مقابل ضخ استثمارات كبيرة تتراوح ما بين 100 ألف دولار في منطقة البحر الكاريبي إلى 3.25 مليون دولار (2.96 مليون يورو) في أوروبا.

وقد يتطلب الأمر بقاء المستثمر في الدولة لأيام محددة أو إنشاء أعمال تجارية فيما قد تمنح دول جنسيتها للمستثمرين حتى من دون زيارتها.

وقالت دزانكيتش، الباحثة التي عكفت على دراسة هذا المجال لأكثر من عقد، إن “صناعة المواطنة” نشأت في هذا الإطار فيما تقوم بعض الشركات بالضغط على الحكومات لإطلاق برامج خاصة بمنح الإقامة أو الجنسية مقابل الاستثمار.

ويقول المراقبون إن حكومات الشرق الأوسط ليست وحدها التي تولي مزيدا من الاهتمام لهذه البرامج إذ يستفيد سكان دول المنطقة التي تعصف بها صراعات مثل لبنان والعراق وليبيا وسوريا خاصة من الفئات الأكثر ثراءً من الأمر للحصول على إقامة أو جنسية في دول أخرى.

المستفيدون من برامج “التأشيرة الذهبية”؟

يعد من الصعب الحصول على أرقام دقيقة فيما يتعلق بعدد الأشخاص الذين تقدموا للحصول على جوازات سفر أو تأشيرات ذهبية إذ تسعى الدول إلى إضفاء بعض الغموض حيال نشر بيانات ذات صلة.

وقال ديفيد ريجويرو، الممثل الإقليمي لمجلس الهجرة والاستثمار بجنيف، إنه على الرغم من عدم وجود بيانات محددة حيال الجنسيات التي حصل عليها مستثمرو الشرق الأوسط، “إلا أنها كانت أنماطا قليلة”.

تزايد الرغبة في مغادرة الأوطان الأصلية

وفي مقابلة مع DW، أضاف أن المستثمرين في الشرق الأوسط “هم من أكثر الفئات انخراطا في هذه البرامج على مستوى العالم” إذ يشكلون قرابة ثلاثة أرباع المتقدمين لبرامج “الجنسية مقابل الاستثمار” في بعض الدول.

وقال إنه فيما يتعلق بجنسيات محددة، “فإن المستثمرين من دول مثل السعودية والكويت والإمارات وقطر والبحرين ولبنان وسوريا وإيران هم الأكثر انخراطا”.

وأضافت أن صافي ثروات معظم المستثمرين من هذه الدول تتراوح ما بين مليوني دولار إلى 10 ملايين دولار، مشيرا إلى أن الأمر لم يتوقف على أصحاب الثروات الكبيرة.

وقال إنه في الوقت الذي كان فيه “الأفراد الأثرياء كانوا من بين المستثمرين الأكثر نشاطا، فإن أصحاب الدخل المتوسط قد أبدوا اهتماما كبيرا بالأمر”، مضيفا أنه كلما تفاقمت الأزمات الاقتصادية أو تداعيات ظاهرة تغير المناخ، كلما رغب السكان وليس فقط عدد أصحاب الملايين “المليونيرات” في الخروج من هذه الدول.

بدوره، قال جيرمي سيفوري، رئيس شركة “سيفوري أند بارتنرز” المتخصصة في تقديم الخدمات والاستشارات الخاصة بالهجرة ومقرها دبي، إن هناك “الكثير من الأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف البرامج التقليدية الخاصة بالجنسية مقابل الاستثمار. لذا قد تكون هناك فجوة في السوق تبدأ من 50 ألف دولار مع الحصول على مزايا ذات الصلة”.

تطبيق معايير برامج “الجنسية مقابل الاستثمار”

وقال خبراء إنه من الصعب التكهن حيال نجاح برامج “الجنسية مقابل الاستثمار” في بلدان الشرق الأوسط مقارنة بالدول التي سبقتها في هذا المجال فيما توقع ريجويرو أنه سيتم إطلاق المزيد من هذه البرامج في المنطقة.

وأضاف “لكن هذا يتزامن مع زيادة مستوى التدقيق المطبق على هذه البرامج حيث يعد الامتثال والثقة في تطبيق هذه البرامج كلمة السر في نجاحها”، مشيرا إلى أن البرامج المماثلة في منطقة البحر الكاريبي سارية منذ عقود لأنها ظلت جديرة بالثقة.

من جانبها، قالت دزانكيتش إن بلدان الشرق الأوسط مازلت “سوقا شابا في هذا المجال، لذا فإن الأمر يعتمد على عدة قضايا بما تتضمن تطوير الطلب صناعة المواطنة”.

وشددت على أن الدول الأوروبية تطبيق معايير أكثر صرامة مقارنة ببلدان الشرق الأوسط، لذا فإن “الضغوط المتعلقة بالديمقراطية والحكم الرشيد تكون أقل وبمرور الوقت، قد يترتب على هذه البرامج مخاوف أخرى”.

واستشهدت في ذلك إلى القرار الذي أصدره الاتحاد الأوروبي أواخر العام الماضي بوقف السماح لمواطني جمهورية فانواتو (جزيرة في جنوب المحيط الهادئ) بالدخول إلى منطقة شينغن في أوروبا بدون تأشيرة بسبب مخاوف حيال برنامج الجنسية الاقتصادية الذي تقدمه فانواتو.

وفي ذلك، قالت إن “الأمر برمته يعتمد على طريقة تطبيق الدول هذه البرامج”.

كاثرين شاير / م. ع

ينشر بالتعاون بين مؤسسة الكومبس الإعلامية و DW

Alkompis Communication AB 559169-6140 © 2024.